السودان ومصير رئيسه، عمر البشير، الذي أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه على خلفية اتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، سيكون أساسيّاً على طاولة القمّة العربيّة
جمانة فرحات
تمثّل مذكرة التوقيف، التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني عمر البشير، إحدى أبرز القضايا المطروحة على جدول أعمال القمة العربية في الدوحة، لما لها من انعكاسات على عملية السلام في البلد الأفريقي الذي مزقته الحروب الأهلية.
وعلى الرغم من أن القرار قد صدر في الرابع من الشهر الجاري، إلا أن القضية ليست وليدة اللحظة، وقد بدأ أول فصولها في عام 2005 عندما أحال مجلس الأمن الدولي أحداث دارفور على المحكمة الجنائية الدولية، وشهدت فصلاً آخر في شهر حزيران من عام 2008، عندما طلب المدعي العام للمحكمة، لويس مورينو أوكامبو، من قضاتها إصدار مذكرة توقيف بحق البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم إبادة جماعية.
إذاً، أكثر من ثلاث سنوات فصلت ما بين بدء المحكمة الجنائية الدولية النظر في قضية دارفور واتخاذ القرار بإصدار مذكرة التوقيف بحق البشير. خلال تلك الفترة، لجأت الدول العربية في القمم التي عقدتها إلى تخصيص فقرة للتضامن مع السودان وتأكيد استقلاله وسيادته، بالإضافة إلى تأكيد «أهلية القضاء السوداني واستقلاليته لكونه صاحب الولاية الأصيلة في إحقاق العدالة، ورفض أي محاولات لتسييس مبادئ العدالة الدولية واستخدامها في الانتقاص من سيادة الدول ووحدتها واستقرارها». لكنها في الوقت نفسه، لم تستطع أن تقنع البشير بتبني أي مقترحات أو آليات لمعالجة الأزمة.
واكتفت الدول العربية عقب طلب أوكامبو من قضاة المحكمة إصدار مذكرة التوقيف، بتكليف الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، التوجه إلى الخرطوم وطرح خطة على البشير ذات شقين: قانوني وسياسي، تتضمن «محاكمة كل من ثبت اتهامه بارتكاب جرائم في دارفور، وفقاً للقانون الوطني السوداني»، على أن يشارك قانونيون وقضاة من الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي مع القضاء السوداني لتفعيل المحاكمات بسرعة زمنية تسمح بإقناع مجلس الأمن الدولي بتفعيل المادة 16 من نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة، التي تسمح للمجلس بأن يتخذ قراراً بتأجيل إصدار المذكرة لمدة عام واحد.
كذلك عمدت الدول العربية، قبل أسابيع قليلة من صدور المذكرة، إلى إرسال وفد إلى مجلس الأمن في محاولةٍ لتفعيل المادة 16. إلاّ أن الوفد فشل في تحقيق هذا الهدف، لأنه لم يستطع أن يقدّم أدلّة لمجلس الأمن بإجراء الخرطوم خلال السنوات الماضية محاكمة حقيقية تحاسب المتهمين.
أما بعد صدور المذكّرة، فعقدت جامعة الدول العربية اجتماعاً طارئاً لوزراء الخارجية، أعرب بعده موسى عن الانزعاج الشديد لصدور مذكرة التوقيف. وأكد التضامن مع السودان في مواجهة «مخططات تستهدف النيل من سيادته ووحدته واستقراره». وجدد الإعلان عن إرسال الدول العربية وفداً إلى مجلس الأمن لمحاولة تأجيل تنفيذ المذكرة. وتوجه بعدها إلى الخرطوم ليعيد من جديد طرح خطته السابقة، ليقابله من جديد تصلب في الموقف السوداني.
كذلك كشفت الخرطوم عن خطة من ثلاثة محاور للخروج من الأزمة، تتمثل في فتح قنوات اتصال مع دول غربية لم تحددها، وقصدت بها فرنسا، التي أفشل البشير جهودها للوساطة عندما التقاه ساركوزي في الدوحة في شهر تشرين الثاني المنصرم، وطلب منه قبول قرار المحكمة المتعلق بتسليم وزير الدولة للشؤون الإنسانية علي هارون، وزعيم ميليشيا الجنجويد، محمد قشيب.
أما المسار الثاني للخطّة، فيتمثل في إجراء اتصالات مع روسيا والصين، اللتين شجبتا قرار المحكمة واعتبرتاه سابقة قانونية خطيرة، ودعتا إلى تعليقه لأسباب ترتبط بمصالحهما في السودان. وبالتالي فإن السودان يراهن على تحول في الموقفين الروسي والصيني، بعدما خذلاه سابقاً في مجلس الأمن، ولم يستعملا حق النقض لمنع إحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ويقوم المسار الثالث على حشد الدعم العربي والأفريقي للخطوة. دعم لم تتأخر الدول العربية في تقديمه من خلال الإدانات المتواصلة للقرار. والحالة نفسها تنطبق على القارة الأفريقية. أمام هذا الواقع، تبدو خيارات الدول العربية وما يمكن أن تخرج به قمة الدوحة في ما يتعلق بالقضية السودانية وأزمة البشير محدودة جداً. واستطراداً، فإن ما قد يحصده البشير من القمة العربية مرهون باقتناع الخرطوم بضرورة التفتيش عن مخرج للأزمة، وإبداء الاستعداد للتجاوب مع الجهود العربية المبذولة، وما يفرضه ذلك من العودة عن قرار عدم تسليم المتهمين الأساسيين في جرائم دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو على الأقل محاكمتهم أمام القضاء السوداني، ما يفتح المجال أمام الجامعة العربية لإقناع مجلس الأمن بتفعيل المادة 16.