حبيب الياسيحاول الصوماليون، للمرة الخامسة عشرة على التوالي، أن يؤلّفوا حكومة مركزية في مقديشو. فمنذ انهيار آخر حكومة عام 1991، إثر الانقلاب على حكم محمد سياد بري ودخول البلاد في حرب أهلية مدمرة، لم ينجح 15 مؤتمراً للمصالحة، حتى الآن، في إعادة البلاد إلى استقرارها.
أما اليوم، وبعد انتخاب الرئيس شريف شيخ أحمد (42 عاماً)، خلفاً لعبد الله يوسف أحمد، الذي أُجبر على الاستقالة في أواخر كانون الأول على خلفية رفضه لأي تفاوض مع الإسلاميين، فيلوح في الأفق أمل جديد، لحل مشكلة الصومال. لكن الطريق أمام الرئيس الجديد لا تزال طويلة؛ فإلى جانب مواجهة الحركات الإسلامية في الجنوب، يجب عليه عقد السلام مع إثيوبيا، التي احتلت الصومال على مدى سنتين قبل أن تنسحب أوائل هذا العام.
وكان قد حل عقبة اختيار رئيس وزراء يحظى باحترام واسع في البلاد ويكون من عشيرة دارود. حلٌ جاء مع انتخاب عمر عبد الرشيد علي شارماركي (48 عاماً)، وهو ابن الرئيس الصومالي الراحل عبد الرشيد علي شارماركي، الذي كان رئيساً منتخباً للصومال، واغتيل بالرصاص عام 1969 قبل الانقلاب العسكري الذي أتى ببري إلى السلطة.
ويواجه شريف أيضاً مشكلة الاستقلال من جانب واحد، الذي أعلنته «أرض الصومال» عام 1993 ولم تحظَ باعتراف رسمي به من أحد. وتمثل «أرض الصومال» الجزء الشمالي من البلاد، الذي كان في السابق مستعمرة بريطانية، فيما كان الجزء الأوسط والجنوبي مستعمرة إيطالية.
ولكن على الرغم من أهمية كل هذه النقاط، تبقى الأولوية على المدى القصير، هي مواجهة مجموعة من الحركات الإسلامية المتمردة، فالضغوط الخارجية والمنح المالية للحكومة الصومالية يعطي الأولوية لها.
ومن هنا طرح شيخ أحمد مبادرة تجاه المتمردين الإسلاميين تتمثل بالدعوة إلى وقف إطلاق النار وتطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد. ولكن لم يعر الإسلاميون المتشددون، أعضاء «حركة الشباب المجاهدين» وغيرها من الجماعات، هذا النداء أي اهتمام، وشنوا هجمات دامية في مقديشو والأرياف منذ عودة الرئيس واستقراره في العاصمة.
وحركة «الشباب المجاهدين»، التي تمثل أبرز أوجه المعارضة، هي فصيل سلفي مسلح ذو توجه جهادي يتبنى صراحة أفكار تنظيم «القاعدة» الدولي، ويهدف إلى إقامة دولة إسلامية. وإضافةً إلى وجودها في مقديشو، تسيطر الحركة، المصنفة إرهابية على اللائحة الأميركية، على معظم مدن الجنوب، ولا سيما كسمايو ومركا وبيداوة.
ولكي يتمكن الرئيس، الذي لا يتحكم سوى في بضعة أحياء في العاصمة مقديشو، من حل الأزمة مع حركة الشباب ووقف المواجهات العسكرية، يحتاج إلى دعم مالي من الخارج. وقد تكون جذور أحمد الإسلامية، ورئاسته السابقة للمحاكم الإسلاميّة، ميزة تجذب نحوه دعماً ماديّاً من عدد من الدول العربية، التي أبدت استعداداً لعقد مؤتمر للمانحين.
ويأمل أحمد أن يجتذب وعد بتحقيق السلام وراتب ثابت وفرصة تعليم للكثير من المقاتلين الشبان وضمهم إلى قوات الأمن الوطنية. فكسب ولاء المقاتلين يتطلب دفع أجورهم، ما يستوجب ضخ أموال من الخارج لإنشاء قوة شرطة قوامها عشرة آلاف رجل. كما ينبغي لالرئيس الجديد استرضاء معارضين إسلاميين أكثر تشدّداً كان لهم ثقل في اتحاد المحاكم الإسلامية ويقيمون الآن في المنفى في إريتريا. وقد تجاهلوا عملية السلام حتى الآن.
ولكن الطريق لا يزال طويلاً، فقد وضع شيخ احمد لنفسه مجموعة صعبة من التعهّدات، بدءاً بعقد السلم مع حركة الشباب وإنهاء العنف، مروراً بإقامة سلام مع إثيوبيا واحتواء القرصنة وإقامة علاقات جيدة مع الإدارة الأميركية الجديدة، وصولاً إلى حل مشكلة «أرض الصومال» و«بونت لاند» وتقاسم السلطة وإرضاء القبائل.
وإذا تمكن من تحقيق هذه المهمة المستحيلة، فسيأتي الوقت لينظر أحمد في إعادة بناء الخدمات الاجتماعية والبنية التحتية، لكي يدرك الصوماليون أن الحكومة تُحدث فرقاً، الأمر الذي يتطلب أيضاً دعماً مالياً ضخماً. وفي حال عدم تحقيقه ذلك، سينهار حكمه مثلما انهارت 14 محاولة سابقة لتأليف حكومة وحدة وطنية.
ومن هنا يطرح السؤال، إلى متى سيظل الدعم الأجنبي يتدفق إلى الصومال، ولا سيما أنه مرتبط بالقضاء على التهديد الذي يمثّله الصومال للعالم الخارجي، من حيث ارتباط بعض الجماعات فيه بـ«القاعدة»؟ فهل يعود الصومال، بعد القضاء على هذا التهديد، إلى «يوميات بلد أفريقي»، بلدأً فقيراً منسياً استنفدته الحروب الأهلية؟