إنها المؤامرة مجدداً. رغم الاحتلال الإسرائيلي والحصار المفروض على الشعب الفلسطيني، لا تزال المساعدات العربية تصل إليه بـ«القطّارة». فيقف الفلسطينيون بالطوابير لينحصر همّهم الوحيد في تأمين لقمة العيش
غزة ــ قيس صفدي
لم يكن حجم إسهام الدول العربية، ولا سيّما النفطية منها، في الموازنة العامة للسلطة الفلسطينية في حجم الإسهام الأوروبيّ والأميركيّّ. وتركّز الدول العربية في دعمها للشعب الفلسطيني على تمويل البرامج والمشاريع. ويمكن استحضار دولة الإمارات مثالاً باعتبار أنها نفّذت مدينة الشيخ زايد السكنية عام 2002 بكلفة وصلت إلى نحو 200 مليون دولار، بينما لم تنفّذ السعودية تعهدها ببناء مدينة على أرض مستوطنة موراج سابقاً بقيمة 100 مليون دولار، عقب الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من قطاع غزة خريف عام 2005.
وقد أُنشئت لهذه الإسهامات صناديق ومؤسسات مالية عربية، تخصص 10 في المئة من صافي أرباحها سنوياً منذ قمة بيروت عام 2002، لدعم مشاريع فلسطينية لها علاقة بالتعليم والصحة وبرامج التشغيل وخلق فرص عمل. ويعرف أن البنك الإسلامي للتنمية هو أحد هذه الصناديق العربية، التي تعمل على دعم اتحادات صناعية ومؤسسات إنتاجية، وأحد أبرز برامجه تخصيص موازنة لترويج البضائع الفلسطينية في الخارج.
وتقدم الدول العربية مساعداتها من خلال السلطة الفلسطينية ومنظمات دولية. ويعدّ برنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP من أكبر المستفيدين من أموال الصناديق العربية. كما أن عشرات المشاريع توقفت، وكثير منها ألغيت تماماً في قطاع غزة بعد سيطرة حركة «حماس» عليه في 14 حزيران 2007، وكثير منها مشاريع تتعلق بدعم الصحة والتعليم والبنية التحتية، حتى إن شارعاً واحداً في غزة لم يُعبّد منذ ذلك التاريخ.
إلا أن المؤسسات التي أوقفت مشاريعها في غزة لا تزال تنفذ مشاريعها كالمعتاد في الضفة الغربية. والسبب في توقف مشاريع غزة يعود إلى أن هذه المشاريع لها فترة زمنية محددة لا يمكن المموّل أن يستمر في الانتظار لأي سبب بعد انقضاء هذه الفترة.
وحال الحصار الإسرائيلي الخانق وإغلاق المعابر منذ سيطرة حركة «حماس» على قطاع غزة، إضافة إلى الموقف السياسي لكثير من الممولين، دون إتمام هذه المشاريع، وأبرزها مشاريع البنية التحتية، وبينها مشروع المياه بكلفة 10 ملايين دولار بتمويل من الاتحاد الأوروبي وقد جُمّد كليّاً.
وخلال الحرب الإسرائيلية وما بعدها على قطاع غزة، تركّزت المساعدات العربية على المعونات الإغاثية والغذائية. ويمكن القول إن ما يرد إلى غزة من معونات ومساعدات إغاثية رغم أهميته لتلبية احتياجات السكان، إلا أنه لا يدخل في إطار البناء والتعمير وإقامة المنشآت الصناعية التي دُمرت لخلق فرص عمل للمتعطّلين.
كما أن اعتماد السكان على تلقي الإعانات والمساعدات الإغاثية، من دون بذل أي مجهود يُذكر، باستثناء ترددهم على المؤسسات والجمعيات الإغاثية، حوّل بعضهم، إن لم يكن جميعهم، إلى شبه متسوّلين وعجزة، وهذا جعل المجتمع يتحول إلى مستهلك ومتلقٍّ للمساعدات فقط فيما لديه القدرة على أن يكون منتجاً.
من هنا، قد يكون توظيف جزء من أموال هذه المساعدات، التي إن بقيت على ما هي عليه الآن لا تسمن ولا تُغني من جوع، في بناء منشآت صناعية واستصلاح ما يمكن استصلاحه من الأراضي الزراعية وخلق بيئة تنموية، هو السبيل لإعادة صورة الفلسطيني من حيث المنافسة في إنتاج السلع والبضائع.
وبات معروفاً أن المساعدات الإغاثية، التي تدخل بمئات الشاحنات إلى القطاع، لا يمكنها بالمطلق أن تُخرجه من تحت خط الفقر الذي يعيشه منذ سنوات طوال، وذلك لأنها مساعدات إغاثية عاجلة الهدف منها الإبقاء على الناس أحياءً فقط. من أجل إخراج الناس من تحت خط الفقر، يجب أن يصل دخل الفرد في غزة إلى نحو 2500 شيكل شهرياً (الدولار يعادل 4.13 شيكل)، وهذا غير متوافر وغير ممكن، ما دامت الدول لا تقوم بهذا الدور وتكتفي فقط بما ترسله من مساعدات.
ويرى بعض الخبراء أن جزءاً كبيراً من هذه المساعدات له أهداف غير بريئة، وتتمثل في إظهار المجتمع الفلسطيني على أنه شعب فقير وغير منتج، وهمه الوحيد فقط الطعام وتوفير الملجأ له، من دون النظر إلى احتياجاته الأساسية الأخرى وهي الحرية والاستقلال. ولا بد من المقارنة بين غزة منذ عشر سنوات وغزة اليوم. حيث لا أحد يمكنه أن يقول إن ذاك المجتمع الذي كان يُصدِّر المنتجات الصناعية والزراعية بجودة ومنافسة عاليتين إلى معظم دول العالم، هو هذا المجتمع الذي ينتظر في طوابير طويلة على أبواب المؤسسات الإغاثية لتسلّم «كوبونة» أو لتلقي مساعدة من هنا أو هناك. ربما يحتاج أهالي غزة إلى نهضة حقيقية لرفض كل ما يصب في خانة المؤامرة التي رسمت وتحاول رسم صورة قبيحة للمواطن الفلسطيني أمام العالم، رغم أن الحصار قد خنق الكثير من طاقاته.