هل تؤمّن آلية لإدارة الخلافات العربيّة؟حسام كنفاني
تمثّل مقاطعة الرئيس المصري حسني مبارك ضربة قويّة للقمة العربية في الدوحة، التي إن كان لها عنوان واضح فهو قمّة المصالحات بعد الأجواء الإيجابية التي أعقبت القمة الاقتصادية في الكويت، وما تلاها من لقاءات ثنائية وثلاثية ورباعية، مهدت للتطبيع العربي، الذي من المؤمل أن يتوّج في العاصمة القطرية. ورغم الملفات الكبيرة المطروحة على طاولة البحث، فلا أحد يعوّل على إنجازات أو اختراقات أو قرارات فاعلة في معظم هذه الملفات الممجوجة المنتقلة من قمة إلى أخرى، على غرار الملف الفلسطيني، الذي يبدو أن جديده، وهو جهود المصالحة، سيكون غائباً بغياب الوسيط المصري. ربما الملف السوداني هو الطارئ اليوم بعد مذكرة توقيف الرئيس عمر البشير الصادرة عن المحكمة الجئناية الدولية، غير أن القرار العربي في هذه المسأله غير فاعل، وقد لا يتخطى المحاولة الجديدة لتفعبل المادة 16 من اتفاقية المحكمة التي تخوّل مجلس الأمن تأجيل الملاحقة أو مذكرة التوقيف عاماً واحداً.
على هذا المنوال، فإن جردة طويلة من القرارت التي اتخذت ولم تنفذ على مدى القمم العربية السابقة، هي اليوم ماثلة أمام الجميع، وبالتالي فمن المتوقع أن تكون محصّلة القرارات إعادة صياغة للبيانات الختامية السابقة مع بعض التعديل والتحديث لمعطيات الملفات، ولا سيما في الشأن السوداني، الذي سيكون له بيان خاص.
إذن فالعين ستكون على المصالحات العربية واستكمال ما جرى في قمة الكويت الاقتصادية، وكيفيّة تحويل المصافحات العابرة إلى مصالحات راسخة أو على الأقل هدنة طويلة الأمد. غاية من المؤكد أنها لن تكون سهلة على الإطلاق، رغم الأجواء الإيجابية الأخيرة والأجواء الودية بين الدول العربية، التي كانت إلى الأمس القريب في حال قطيعة تامة.
غياب مبارك لا شك حدث بحد ذاته، وستكون له تداعياته على مسار المصالحة، التي قد تأخذ مناحي جانبية عبر وساطات متعددة بين الدوحة والقاهرة، قد تصرف الأنظار عن العلاقات الشائكة التي لا تزال قائمة بين باقي الأطراف. فإذا كانت العلاقة بين الرياض ودمشق قد أخذت منحىً تطبيعياً، فإن علاقات العاصمة السورية بنظيرتها المصرية لا تزال في مرحلة الجمود، وإن خفّت حدة التوتر.
لا شك أن مجرّد اللقاءات الثنائية، أو حتى الجماعية في قاعة القمة، يمثّل اختراقاً غير قليل. لكن لا بد من مراقبة اليوم التالي للاجتماعات، والدليل على ذلك أُنموذج القمة الرباعية، التي جمعت الملك السعودي عبد الله وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح والرئيسين السوري بشار الأسد والمصري حسني مبارك، مثلاً. من الواضح أن الرياض هي قائدة عملية المصالحة في المرحلة الراهنة، وبعدما عمدت إلى تخفيف التوتر بينها وبين دمشق، جاء الدور على العلاقات السوريّة ـــ المصرية.
اللقاء الأول بين الأسد ومبارك في الكويت لم يكن مبشراً، ولا سيما أنه جاء بعد عدوان غزة، وبعد الحملة التي واجهتها القاهرة إبان «الرصاص المصهور». وبالتالي بقيت مصر خارج إطار التحرك التصالحي السعودي والانفتاح تجاه دمشق. ومع تهيئة الأجواء لـ«التطبيع» السوري السعودي، كان لا بد من لقاء ثانٍ بين الرئيسين السوري والمصري. جرى اللقاء، أجواؤه كانت أكثر إيجابية من سابقه، لكنه أيضاً لا يزال بعيداً عن عودة العلاقات إلى طبيعتها، وهو ما أكده وزير الخارجية السوري وليد المعلم، حين أشار إلى أن التطبيع بين دمشق والقاهرة يسير بوتيرة أبطأ من التطبيع السعودي السوري.
مراقبة التطورات التي تلت القمة الرباعية، لا تظهر تقدماً كبيراً في العلاقات بين مصر وسوريا. وعلى عكس الزيارات المتبادلة بين سوريا والسعودية، فإن أي لقاء، خارج إطار الكويت والرياض، لم يجرِ بين مسؤولين مصريين وسوريين، باستثناء الزيارة الأخيرة لنائب رئيس الاستخبارات المصرية، اللواء عمر القناوي، إلى دمشق. زيارة بقيت تفاصيلها طي الكتمان، على غرار كل تحركات مسؤولي الاستخبارات المصرية، إلا أن هدفها الأبرز كان استكمال تهيئة الأجواء التصالحية الفلسطينية. على هذا الأساس فإن مصالحات الدوحة ستكون بنصاب غير مكتمل. بطلاه السعودية وسوريا، باعتبار أن قطر حافظت على «شعرة معاوية» مع الرياض في مراحل تأزّم العلاقات بين المحاور العربية، بدءاً من اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، مروراً بالعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، وصولاً إلى العدوان الإسرائيلي الأخير على غزّة، والقمة الطارئة التي دعت إليها الدوحة، والتي أظهرت فعلياً حال التشرذم العربي.
الدوحة نفسها تجمع اليوم القادة المتخاصمين، باستثناء مبارك، في قمّة تصالحية. قمّة يجب أن تخرج عن إطار اللقاءات العلنية والبيانات الترحيبية، نحو محاولة علاج جذور الخلافات. ورغم صعوبة هذه الخطوة، فإن المحاولة تبعد شبح القطيعة، وبالتالي محاولة إدارة الأزمات العربية بإطار حواري.
المهمة لن تكون صعبة، ولا سيما أن الأجواء العربية إلى الآن انفتاحيّة، وانعكاس للانفتاح الغربي، وخصوصاً الأميركي على المنطقة، وبالتحديد سوريا وإيران. انفتاح لا شك شجع على المبادرات التصالحية واللقاءات المتعددة ومحاولة صياغة علاقات عربية جديدة. لكن السؤال هل إذا عادت واشنطن إلى قطيعتها مع دمشق، ستُبقي الرياض على ودها تجاه العاصمة السوريّة؟


القاهرة والدوحة و«الجزيرة»ويرد المصريون أسباب التوتر مع قطر إلى «تطاول» قناة «الجزيرة» على الرئيس حسني مبارك خلال عدوان «الرصاص المصهور» في كانون الأول الماضي. قد يكون هذا المعطى هو وجه الخلاف، غير أن عمقه أكبر بكثير من «الجزيرة». فالقاهرة رأت في الفترة الأخيرة أن الدوحة بدأت «قرصنة» ملفاتها السياسية في فلسطين
والسودان. وهما ملعبا النظام المصري منذ أيام جمال عبد الناصر.
فالدوحة استضافت قمة غزة، وعمدت إلى محاولة جمع الدول المانحة لإعادة الإعمار، قبل أن تتراجع. ثم عمدت إلى الوساطة في دارفور من دون التنسيق مع القاهرة.