وضعت الحرب الباردة السعودية ــ السورية أوزارها، غير أن نيرانها لا تزال تحت الرماد، فلا الرياض غيرت توجهاتها ولا سوريا عدّلت خياراتها. الاثنان يتقاربان في ظل الانفتاح الأميركي
ربى أبو عمو
تتطلب العودة إلى تاريخ العلاقات السعودية ـــــ السورية التوقف حتماً عند العمر الذي وصل إليه التحالف الاستراتيجي بين البلدين. فلمدة 35 عاماً، حافظت الرياض ودمشق على الحد الأدنى من العلاقات الجيدة، رغم العديد من المحطات التاريخية التي اضطرتهما إلى تبني خيارات مختلفة بعض الأحيان.
هذه الألفة، القائمة على التوازن الإقليمي والمصالح المشتركة، وصلت إلى أسوأ مراحلها غداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. اتخذت الأزمة شكل «الحرب الباردة العربية» كما يصفها الخبير في شؤون الشرق الأوسط، مالكوم كير. إلا أنه في الآونة الأخيرة، قدمت السعودية مبادرة للمصالحة العربية، توّجت بقمة مصغرة سعودية مصرية سورية في الرياض.
العودة إلى الماضي القريب، حين كانت المعادلات الإقليمية مختلفة عن اليوم، تشير إلى أنه في الفترة الممتدة من أواخر الخمسينيات حتى الستينيات، أيام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، انضمت سوريا إلى الدول المؤيدة للنظام السوفياتي ومنها مصر، فيما كانت السعودية تسعى إلى توطيد علاقاتها مع المعسكر الغربي. وعادت لتتحسن العلاقات بين البلدين بعد الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1973، إذ أعلنت المملكة فرض حظر نفطي على الدول الغربية المساندة لإسرائيل. واستمر الود بينهما حتى الثورة الإيرانية في عام 1979.
ومع الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، وقع الافتراق بين سوريا التي رفضت الغزو والسعودية التي سهلت عمل الجيوش الأميركية. واتهمت الرياض دمشق بدعم معارضي الاحتلال، بينهم تنظيم «القاعدة»، الذي تحاربه الأولى في حملتها ضد الإرهاب، ويمثّل خطراً على أمنها.
إلا أن ساعة الصفر «للعداء» بين البلدين انطلقت من لبنان، مع اغتيال الحريري، تلك الجريمة التي كرّست الاصطفافات والانقسامات والمشاريع، بينها السعي الأميركي إلى مشروع الشرق الأوسط الكبير (بدأ بعد هجمات 11 أيلول)، مروراً بالكثير من التفاصيل، وصولاً إلى المشروع الإيراني في المنطقة. اتهمت سوريا باغتيال الرجل اللبناني ـــــ السعودي.
عدوان تموز الإسرائيلي أشعل الخلاف أكثر فأكثر بين السعودية وسوريا، وخصوصاً بعد خطاب الرئيس السوري، بشار الأسد، الذي وصف فيه القادة العرب بأنهم «أنصاف رجال»، رداً على وصف السعودية عملية الأسر بـ«المغامرة»، الأمر الذي اعتبرته السعودية إهانة شخصية.
مهاترات الأفرقاء الدوليين ظلت قائمة على أطراف الملف اللبناني، واستمرت التفجيرات والأزمات السياسية، كان آخرها العجز المحلي والدولي عن انتخاب رئيس للجمهورية، واتهام الرياض دمشق بعرقلة «الحل»، وصولاً إلى أحداث 7 أيار، على خلفية قرارات الحكومة المتعلقة بشبكة اتصالات المقاومة.
في هذا الوقت، كانت إيران تسطع باعتبارها قبطان حلف الممانعة، والدولة الفارسية التي تتحدى المجتمع الدولي برمّته لبناء برنامجها النووي. ولطالما كانت سوريا تتمتع بعلاقات جيدة مع إيران منذ الثورة الإيرانية، حتى أنها وقفت إلى جانبها في حربها ضد العراق. إلا أن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد عمل على ألا تغلب هذه الصداقة على حلفه الاستراتيجي مع السعودية التي دعمت صدام حسين ولم تكن صديقة للجمهورية الإسلامية.
في فلسطين، ظهر الحلف السوري ـــــ الإيراني، داعماً لحركة «حماس» وسيطرتها على قطاع غزة، وأخيراً في الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل، في مقابل وقوف السعودية إلى جانب حركة «فتح» وزعيمها الرئيس الفلسطيني، محمود عباس.
هكذا، اختلفت مصالح البلدين. فدمشق وجدت مصلحتها مع طهران، بعكس الرياض التي ترى في الأخيرة تهديداً حقيقياً لدورها ونفوذها وربما وجودها، إلى جانب باقي الدول العربية، باعتبار أنها تريد السيطرة على منطقة الشرق الأوسط. ويزداد القلق السعودي بسبب المشروع النووي الإيراني، الذي فشلت كل الضغوط والتهديدات الغربية حتى الآن في إيقافه.
بعد حرب الخليج الثانية، التقى الأسد الأب مع بوش الأب في جنيف. لقاء أظهر أهمية الورقة السورية في الاستراتيجية الأميركية لحل جذري للنزاع العربي الإسرائيلي. وها هي هذه الورقة تعود إلى الطاولة مجدداً، بعدما استنفدت الإدارة الأميركية جميع «بطاقاتها» الصفراء والحمراء، بدءاً من العزلة الدولية على سوريا، ومحاولة فك حلفها مع إيران، والحرب على حزب الله في لبنان، وصولاً إلى حرب غزة، التي أقله فشلت في إضعاف «حماس» وزعزعة موقفها.
ومع اعتلاء أوباما كرسي الرئاسة الأميركية، عادت استراتيجية الحوار. تغيرات فرضت نفسها على السعودية، فكان لا بد من الدعوة إلى المصالحة.