تمثّل الملفات الفلسطينية واللبنانية والعلاقات الإيرانية السورية بؤر توتر في العلاقات السورية المصرية التي دخلت في نفق مظلم مع دخول بشار الأسد إلى القصر الرئاسي في دمشق. ورغم الانفراج الحاصل بين الرياض ودمشق، فإن للقاهرة رأياً آخر
القاهرة ــ خالد محمود رمضان
تحوّل التوتر المغلف بالغموض إلى معلم أساسي في تاريخ العلاقات المصرية ـــــ السورية التي بدأت على الأقل في مستهل عهد الرئيس السوري بشار الأسد خلافاَ لما هو الحال عليه الآن.
في السابق كان الاتفاق الشفوي، الذي أبرمه الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، مع زميله الطيار المصري، حسنى مبارك، كفيلاً بالحفاظ على العلاقات.
وقد ورث الأسد الابن، في بداية عهده، علاقات قوية مع القاهرة، وحظي بدعم أصدقاء والده القدامى لتثبيت أركان حكمه. من بينهم يبرز دور مبارك الذي وجد في النموذج السوري ومن قبله النموذجين العراقي والليبي ما يطمئنه إلى أن مقاليد الأمور وزمامها لن تفلت من نجله جمال عندما تحين الساعة.
اليوم الوضع مختلف، فقد جرت مياه كثيرة تحت الجسور أغرقت العلاقة. في السابق كان مبارك يقول: «لم يكن هناك فتور في العلاقات بين البلدين إطلاقاً، فالعلاقات قوية.. وهذه شائعات». أما الآن فقد تحولت «الشائعات» إلى حقائق دامغة رغم محاولات تلطيفها بين الحين والآخر.
ففي القمة الرباعية للمصالحة، التي استضافها الملك السعودي عبد الله بحضور قادة مصر وسوريا والكويت، كان واضحاً أن القاهرة، التي لم تتحفّظ لا على الوساطة السعودية ولا على عودة العلاقات السعودية السورية، لديها موقف مختلف.
وفيما زار الأسد الرياض، فإن مبارك لم يوجّه دعوة إليه لزيارة القاهرة. استمراراً للقطيعة بين الطرفين التي خلفتها تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها الأسد خلال العدوان الإسرائيلى على لبنان صيف عام 2006، عن أنصاف أو أشباه رجال. تجاوز السعوديون والأردنيون هذه التصريحات لكن مبارك تشبث بموقفه البارد القديم.
بالنسبة إلى السوريين، الكرة في ملعب المصريين الذين يعتقدون بدورهم أن ثمة ملفات حساسة وعالقة ينبغي معالجتها قبل تطبيع العلاقات مجدداً.
ويقول مسؤول مقرب من النظام المصري إن مبارك يشعر بضيق شديد لاندفاع سوريا في تعزيز علاقاتها مع إيران على حساب الثوابت العربية.
ويصف الصحافي المصري المقرب من النظام، مجدي الدقاق، واقع ما وصلت إليه العلاقات، فيقول إن تغير نظرة دمشق إلى الوضع الإقليمي والدولي كان سبباً في جفاء العلاقات بين البلدين‏، ‏معتبراً أن «سوريا‏ ‏استخدمت وجودها في لبنان ورقة سياسية في صراعها مع الولايات المتحدة،‏ ووجدت في إيران داعماً لها‏، ‏مع علمها أن إيران تستخدم لبنان،‏ كما تستخدم واقع العراق الممزق وسيلة للمناورة مع الإدارة الأميركية»، فضلاً «عما ترصده التقارير الأمنية المصرية عن ظاهرة تشيع داخل دمشق».
وهناك عتبٌ آخر للقاهرة على دمشق‏ يتعلق ‏بمفاوضاتها مع إسرائيل عبر الوسيط التركي، ‏فالقاهرة كانت تأمل أن يجري إبلاغها مباشرة بالرغبة في السلام من رفيقة السلاح في حرب تشرين الأول‏.‏
ويمثّل الملف اللبناني وعلاقات سوريا مع حزب الله، أحد أبرز مراكز التوتر بين الطرفين؛ فقد سعت القاهرة إلى استعادة دورها التاريخي فيه، وعرف التوتر طريقه مجدداً بين مصر وسوريا، وخاصة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وإدارة أصابع الاتهام نحو سوريا.
قفز لبنان إلى صدارة أولويات السياسة المصرية. وفيما شهدت القاهرة في عام 1976 قمة «لتنظيم» التدخل العسكري السوري في الحرب الأهلية اللبنانية، أصرت القاهرة على أن نجاح قمة دمشق في آذار 2008 يتطلب تذليل سوريا العقبات التي تحيط باختيار رئيس الجمهورية اللبناني.
وأدى الخلاف إلى مقاطعة مبارك للقمة العربية الماضية في دمشق، التي قاطعتها أيضاً السعودية. ثم أتى أيضاً العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ليكون القشّة التي قصمت ظهر البعير.
وقد بدأ الخلاف ينعكس في الملف الفلسطيني، ولا سيما في أعقاب سيطرة «حماس» عسكرياً على غزة في حزيران 2007.
وفيما حاولت الدبلوماسية المصرية الحفاظ على شعرة معاوية مع كل الأطراف الفلسطينية مع انحياز لم تخفه لشرعية الرئاسة، فإن سوريا كانت حاسمة في انحيازها لـ«حماس»، ولذلك كانت الدبلوماسية المصرية شديدة الحساسية إزاء تصريحات وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، في تشرين الثاني الماضي عن دعوة «الوسيط» إلى الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف الفلسطينية.
وعندما امتنعت «حماس» عن حضور الحوار، كان واضحاً أن القاهرة حمّلت سوريا المسؤولية عن ذلك. وليس أخيراً، يأتي الدور المنسوب لمصر بالمسؤولية بشكل أو بآخر عن استمرار حصار غزة.
تاريخياً عرفت العلاقات المصرية السورية ظاهرتي التعاون والصراع معاً، ووصل التعاون إلى الوحدة الكاملة ما بين 1958 إلى 1961، فيما وصل الصراع إلى حد الاتهام بالتدخل في الشؤون الداخلية في أعقاب الانفصال، الذي وقع في أيلول من تلك السنة.
ويقول الدكتور أحمد يوسف أحمد، في دراسة لمركز الإمارات للدراسات السياسية والاستراتجية، إنه في كلتا الحالتين، كان تأثير تطور العلاقات المصرية السورية على النظام العربي لافتاً، سواء في جانبه الإيجابي أو السلبي؛ فعندما تعاونت الدولتان في أول عمل عسكري عربي مشترك ضد إسرائيل في حرب تشرين الأول 1973 كانت النتيجة غير مسبوقة في ما حققته من إنجاز، ولا شك في أن الخلاف الحالي بينهما كانت له تداعياته السلبية الواضحة على إمكان تحرك النظام العربي إلى مستوى أفضل من منظور التماسك والقدرة على الفعل.
والواقع، كما يقول الباحث، أن الأزمة الراهنة يمكن أن ترد إلى الغزو الأميركي للعراق في 2003. صحيح أن موقفي البلدين تجاه الغزو لم يختلفا جذرياً، غير أن تداعياته أفضت إلى محاولات واضحة لتقويض النظام السوري من داخله.
وكان واضحاً أن السياسة السورية، وإن اضطرت آنذاك إلى القيام بتنازلات تكتيكية، لعل أهمها اضطرارها إلى سحب قواتها المسلحة من لبنان، فقد استخدمت كل الأوراق الممكنة من أجل البقاء واستعادة النفوذ الإقليمي مستعينة في هذا بحليفتها إيران.