Strong>توقّعات صندوق النقد الدولي في ظل الأزمة العالمية [2/2]في الجزء الأول من البيان الختامي لبعثة صندوق النقد الدولي إلى لبنان، عُرضت المخاطر التي تتهدد لبنان من جراء الأزمة المالية العالمية وتعذُّر الإصلاح... في ما يلي الجزء الثاني والأخير من البيان الذي يتضمن تقويماً للإجراءات المنوي اتخاذها على مستوى السلطات المحلية والتوصيات التي تقدّمت بها البعثة للاستعداد لأي نوع من الصدمات

ترجمة جورجيت فرشخ فرنجية
يقول البيان الختامي لبعثة صندوق النقد الدولي إلى لبنان إن احتياجات التمويل الحكومية المتنامية وأسواق التسليف الدولية الضيقة قد تؤسس معاً الحاجة إلى زيادة التمويل الجديد من المصارف التجارية إلى أكثر من الضعف، في وقت سيتباطأ فيه نمو الودائع، وهذا سيعطّل استراتيجية خفض الدين... كذلك فإن الارتفاع الكبير في فاتورة الأجور سيرفع الإنفاق دائماً، فيما التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان تعكس تقلّبات أسعار النفط، وهذا ما يعرّض الوضع المالي لمخاطرة إضافية.
تعتقد البعثة أن تحقيق فائض أولي نسبته 2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي سيكون أمراً مرغوباً فيه، فهذا الهدف يجعل من الممكن تفادي تسجيل ارتفاع في التمويل الصافي المطلوب كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي، ويحافظ على الميل إلى خفض نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي، وهذا يتطلب تنفيذ حذر للموازنة وتنفيذ تدابير التدعيم المالي بعد الانتخابات لتحقيق فائض أولي أعلى من المنصوص عليه في الموازنة. إلا أن الظروف السياسية والتباطؤ المحتمل في النشاط الاقتصادي وفاتورة الأجور المرتفعة، كلها أمور ستصعّب تنفيذ تدابير التدعيم المالي. لكن نظراً إلى المخاطر المرتفعة، تقترح البعثة ادخار أي زيادة في العائدات والحفاظ على أي تراجع في النفقات الرأسمالية لحماية أهداف برنامج (ايبكا) ودعم الثقة وتدارك أي اختناقات مالية محتملة. وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق على الموازنة، ستنشأ حاجة إلى تدابير مالية بديلة، بما فيها الحد من الإنفاق، لكي تحل محل التدابير المتعلقة بالإيرادات المنصوص عليها في الموازنة. وبعد الانتخابات، يجب على الحكومة الجديدة أن تتبنى سريعاً تدابير التدعيم المالي المنصوص عليها في برنامج باريس 3.
ونظراً إلى التباطؤ الاقتصادي المتوقع، ترحّب البعثة بمشروع خطة الحكومة لمواجهة الأزمة (لم تُناقش حتى الآن)، التي تتضمن تسريع الإنفاق على البنية التحتية وإعادة تحديد أولوياته ضمن سقف الإنفاق الذي يحدده مجلس الإنماء والإعمار، وتوسيع عملية دعم الفوائد للقروض بالليرة اللبنانية التي تمنحها المصارف للشركات، وتحسين مناخ الأعمال من لدعم خلق فرص العمل... إلا أن البعثة تدعو لتجنّب ضغوط الإنفاق الإضافي التي قد تنجم عن هذه الخطة، وتوصي بإعادة توجيه الإنفاق باعتباره وسيلة فعّالة لمعالجة الآثار الاجتماعية أكثر من التوسيع المخطط له لفاتورة الأجور.
إن تمويل العجز المالي المتزايد سيتأثر بأزمة أسواق رأس المال العالمية، وبالتالي تبدو احتمالات التمويل في هذه الأسواق ضعيفة للغاية، وفي الوقت نفسه، ستشهد المصارف المحلية، التي تمثّل المصدر الرئيسي لتمويل الحكومة، تباطؤاً في نمو الودائع من 15 في المئة في عام 2008 إلى 10 في المئة في هذا العام، لذلك يجب أن تبقى السوق في وضع مريح حتى مع بعض التجديد في مصادر التمويل الخارجية، وانطلاقاً من ذلك تمثّل عملية استبدال سندات اليوروبوند خطوة مهمة، والحصول على إجازة للحكومة من المجلس النيابي خطوة ضرورية لتوفير احتياجاتها الإضافية من القروض بالعملات الأجنبية.
لا يمكن استبعاد الخطر الذي قد يتأتى من عدم استقرار الوضع السياسي المرتبط بالانتخابات أو من امتداد الأزمة العالمية الذي قد يُترجم بتراجع أكبر في تدفقات الودائع، وهو خطر يمكن أن يعقّد تمويل الحكومة. ونظراً إلى المخاطر المختلفة التي تهدد الاقتصاد اللبناني، لا مجال كبيراً لخفض معدلات الفائدة المحلية على المدى القريب، لذلك تدعم البعثة مقاربة حذرة للسياسة المتعلقة بمعدل الفائدة في الفترة المقبلة، وهي تقوم على خفض إضافي تدريجي لمعدلات الفائدة، لكن فقط عندما يتوافر المزيد من الدلائل على أن نمو الودائع سيستقر عند معدلات مريحة، ويجب أن تسهم هذه المقاربة في بناء احتياطيات دولية إضافية في مصرف لبنان، وهو عامل أساسي لصون الثقة في خضم الأزمة العالمية وفي التحضير للانتخابات البرلمانية في حزيران المقبل. لا يزال ثبات سعر الصرف يمثّل مفتاح الاستقرار المالي بسبب الدولرة، التي لا تزال شائعة جداً، وبسبب الدين الحكومي الكبير ومتوجبات خدمة هذا الدين بالعملات الأجنبية، وعلى الرغم من أن قوة الدولار الأميركي أخيراً أدّت إلى تحسّن فعلي لوضع العملة اللبنانية، إلا أن هناك حاجة على المدى المتوسط للتقدّم أكثر في الإصلاحات الهيكلية، ولا سيما في قطاعي الطاقة والاتصالات، لتنشيط الإنتاجية ودعم استمرار ثبات سعر الصرف على المدى الطويل. لم يتأثّر القطاع المصرفي إلا بشكل طفيف بالأزمة المالية العالمية، وهو لا يزال مربحاً جداً (...) وبحسب اختبار، أجرته لجنة الرقابة على المصارف، فإن المصارف ستبقى تتمتع برساميل كبيرة حتى في حال حدوث الصدمات (...) لكن ثمة مكامن ضعف كبيرة متجذّرة لا تزال قائمة، ما يحتّم الحذر والاستمرار في تشديد الرقابة، فالمصارف تعاني من استحقاقات غير متلائمة، إذ إن محافظها من القروض واستحقاقات الدين العام تُوَفَّر إلى حد كبير من الإيداعات القصيرة الأمد، والمصارف كذلك تتعرض بصورة غير مباشرة لمخاطر القروض بالعملات الأجنبية التي توفّرها للحكومة وللقطاع الخاص. ونظراً إلى اتساع موجودات المصارف من الأصول الأجنبية، فإن تأثرها بالأزمة المالية المستمرة أمراً وارداً. لذلك يجب أن تبقى الرقابة على المصارف متيقظة، وقد أوصى مصرف لبنان بأن تخصص المصارف التجارية 25 في المئة من أرباح عام 2008 لتحصين نفسها أكثر في مواجهة أي صدمة محتملة، كذلك فإن تطبيق قانون الدمج المصرفي سيوفر لمصرف لبنان وسيلة فعالة إذا واجه أحد المصارف صعوبات، لكن يبقى إصلاح نظام ضمان الودائع مرحباً به على المدى المتوسط.
تبقى نسبة الدين المرتفعة إلى إجمالي الناتج المحلي مكمن الضعف الأبرز، وعلى الرغم من تراجعها منذ عام 2006، إلا أنها تبقى من الأعلى في العالم، ويمثّل برنامج باريس 3 وسيلة مفيدة لتثبيت استراتيجية خفض الدين، بما في ذلك الأعمال التي تقوم بها الحكومة لتحديث قطاع الاتصالات وتوسيعه، إذ إن هذا القطاع يملك الإمكان لأن يصبح دافعاً داعماً للنموّ، لذلك تبقى خصخصة شركتَي الهاتف الخليوي، في أقرب وقت تسمح به ظروف السوق، خطوة مستقبلية مهمة لتنشيط النمو الاقتصادي وخفض الدين، كذلك يبقى إصلاح قطاع الطاقة أولوية ملحّة، لأنه سيساعد على زيادة الفعالية وخفض الدين، نظراً إلى أن عجز مؤسسة كهرباء لبنان يمتص قدراً كبيراً جداً من موارد الموازنة... وعلى الرغم من تراجع أسعار النفط عالمياً، لا تزال تعريفات الكهرباء الحالية تتطلب دعماً غير هادف، ما يؤكّد الحاجة إلى مراجعة هذه التعريفات... فضلاً عن أن الزيادة التدريجية لمعدل الضريبة على القيمة المضافة من 10 إلى 15 في المئة، واستحداث الضريبة الموحدة على الدخل، وخفض المصاريف غير الضرورية، كلها إجراءات تساهم أيضاً في التدعيم المالي الضروري.
ويمثّل الدفع المرن، في الوقت المناسب، للأموال التي تم التعهد بدفعها في باريس 3 عنصراً مهماً في هذه الاستراتيجية، وعلى الرغم من التقدم في دفع هذه الأموال، إلا أن المدفوعات بقيت أقل من المتوقع، ولم تتناسب تماماً مع هدف خفض الدين، لذلك تدعم البعثة طلب السلطات أن تقدم الجهات المانحة أكبر دعم ممكن للموازنة، أو على الأقل جعل مدفوعاتها متناسبة مع أولويات الإنفاق التي حددتها الحكومة.
سيبقى لبنان قابلاً للتعرض للصدمات لسنوات عدّة حتى مع التنفيذ الكامل لاستراتيجية خفض دين طموحة، علماً بأن الفوائض الأولية (من دون المنح) قد تبلغ 5.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي على المدى المتوسط، وبذلك يمكن أن يتراجع دين الحكومة إلى حوالى 136 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2014. لكن مخاطر جوهرية تبقى قائمة: معدلات فائدة أعلى، نمو اقتصادي أدنى... وقد يعني كل ذلك ارتفاعاً متجدداً في نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي، وبالتالي يؤدي إلى مخاطر تمويل أعلى، لذلك يجب تحويل تركيبة محفظة الدين تدريجاً، بموازاة خفض مستوى الدين، نحو خصوم بالعملة المحلية لكي يتقلص مع الوقت خطر الدين بالعملات الاجنبية الذي تواجهه الحكومة.
ويجب تعزيز الميزانية العمومية لمصرف لبنان على المدى المتوسط، إذ إن مراكمة الاحتياطات الدولية كانت عملية ضرورية لتعزيز الثقة وصون استقرار الاقتصاد الكلي. إلاّ أن تراجع معدلات الفائدة في الخارج سلّط الضوء على أكلاف هذه السياسة، ولضمان التدفقات الكافية لتمويل العجز الحكومي الكبير، يجب على مصرف لبنان الحفاظ على معدلات فائدة مرتفعة نسبياً عبر بيع أوراقه المالية، ما يلحق الضرر بوضعه المالي ويعقّد دينامية الدين. وتعتقد البعثة أنه يجب على مصرف لبنان الانتقال في المستقبل إلى استخدام محفظته الكبيرة من سندات الخزينة كأداة رئيسية لتعقيم فائض السيولة، إذ إن ذلك سيخفض كلفة التعقيم ويدعم الانضباط المالي من خلال جعل كلفة تمويل الحكومة أكثر شفافية، كذلك فإنّ التحسن المستمر في الوضع المالي للاقتصاد والتخفيف من الدولرة على المدى المتوسط سيساعدان على تعزيز الميزانية العمومية لمصرف لبنان وخصخصة الأصول التي يمتلكها.


15 في المئة

هو معدّل الضريبة على القيمة المضافة الذي يوصي به صندوق النقد الدولي بالمقارنة مع 10% حالياً، على أن تكون الزيادة تدريجية بالتزامن مع استحداث الضريبة الموحدة على الدخل وخفض المصاريف غير الضرورية



برنامج «ايبكا»