من غير المعروف ما إذا كانت العبر، التي استخلصها بنيامين نتنياهو من ترؤسه حكومته الأولى في عام 1999، كافية لتجنيب ائتلافه الجديد سقوطاً مبكراً. على أي حال، يبقى أمامه جدول أعمال حسّاس في الداخل والخارج
علي حيدر
يحرص بنيامين نتنياهو على تقديم نفسه كشخصية صقلتها السنوات العشر التي تفصله عن توليه رئاسة الحكومة للمرة الأولى (1996 ــ 1999)، وعلى أن تجربته الثانية في الحكم ستكون مناسبة لتطبيق العبر التي استخلصها من دروسه الماضية. نجح نتنياهو في تطبيق العبرة الأولى، عبر إصراره على عدم تأليف حكومة يمينية صرفة بهدف تجنب تكرار سيناريو سقوطه المبكر في عام 1999. ونجح لهذه الغاية في ضم حزب «العمل» بعدما فشل مع حزب «كديما». كذلك لبّى معظم مطالب رئيس «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، الذي سيتولى حقيبة الخارجية، بهدف تعزيز «استقرار الحكومة». وفي سبيل إرضاء اليمين الفائز في الانتخابات، سبق لـ«بيبي» أن حقق مطالب حزب «شاس» الحريدي. وقدم في هذا السياق الكثير من الإغراءات على مستوى الحقائب الوزارية حتى غدا حزبه الحاكم «بلا حقيبة».
قد يكون نتنياهو سجّل نجاحاً نسبياً في توفير الأرضية لإطالة عمر وزارته التي سيعلنها مساء اليوم، إلا أن الكلمة الأخيرة في هذا المجال تبقى للتطورات السياسية، الخارجية منها والداخلية، التي عادة ما تكون لها انعكاساتها على مواقف أطراف الائتلاف الحكومي. وما يعزّز حساسية وضعه أنّ الظروف الإقليمية والدولية التي تواجهها الدولة العبرية اليوم، تختلف كثيراً عن تلك التي واجهتها قبل عقد من الزمن. ومن بين القواسم المشتركة لمرحلتي تولي نتنياهو منصبه، وجود تباين بين أولويات الإدارة الأميركية وتوجّهات نتنياهو، الأمر الذي انعكس في المرة الأولى «توتراً» في العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، وضغطاً أميركياً أثمر توقيعاً على اتفاقيتي «الخليل» و«واي بلانتيشن». لكن اليوم، بدأت ملامح التباين بالتبلور باكراً، سواء تجاه «مبدأ الدولتين لشعبين» كأساس للتسوية على المسار الفلسطيني، أو في مقاربة إدارة باراك أوباما للملفات الساخنة في المنطقة.
أما في ما يخص مواجهة المشروع النووي الإيراني، فلا يخرج نتنياهو عن التوافق الواسع في إسرائيل حول توصيف «الخطر الإيراني» واستراتيجية مواجهته. ورغم بعض التمايز في الخطاب اللفظي، تتّفق معظم التيارات والشخصيات الإسرائيلية على أن مواجهة المشروع النووي الإيراني «قضية تفوق قدرات إسرائيل»، وعلى أن السبيل الناجع الوحيد يتمثل بإقدام الولايات المتحدة ومن خلفها المجتمع الدولي، على خطوات عملية، اقتصادية أو عسكرية، ضدّ طهران.
وبشأن المسار الفلسطيني، يتميز خطاب «بيبي» بالتشدد في المجالين السياسي والأمني، ويتمسك برفض «مبدأ الدولتين» كأساس للحل الذي تدعو إليه واشنطن، وتتبناه بعض التيارات السياسية في دولة الاحتلال. في المقابل، يدعو الرئيس الجديد للحكومة إلى «سلام اقتصادي» انطلاقاً من ثقته بعدم وجود أرضية فلسطينية تسمح بالتوصل إلى حل شامل ودائم يحقق لإسرائيل الأمن والاستقرار في المدى المنظور، بالاضافة إلى أنّ وجود بنية اقتصادية فلسطينية يساهم بنظره، في «تجفيف» البيئة التي ينمو عليها «الإرهاب».
ومن أبرز ما اشتهر به نتنياهو حين كان زعيماً للمعارضة خلال عدوان «الرصاص المصهور»، دعوته إلى مواصلة الحرب للقضاء على حكم «حماس»، إضافة إلى رفضه أي اقتراح للتهدئة.
وعلى الجبهة السورية، يرفض نتنياهو مبدأ الانسحاب من «كل» الجولان كشرط لتحقيق سلام شامل مع سوريا، ويعرب في الوقت نفسه عن تخوفه من تحول الهضبة المحتلة إلى قاعدة إيرانية بعد انسحاب إسرائيل منها. وهو يصر في المقابل، على تخلي سوريا عن دعمها لقوى المقاومة في لبنان وفلسطين، وفك علاقاتها بإيران. كذلك يحرص على تجنب فتح محادثات سياسية مع القيادة السورية لأن القضايا العالقة «أقل تعقيداً مما هي عليه في المسار الفلسطيني»، وهو ما قد يسبب بدوره باندلاع أزمة إحراج تجاه واشنطن التي تتبنى حالياً، خيار توسيع الدبلوماسية مع دمشق.
وبالنسبة إلى لبنان وحزب الله، فلن يغير فوز اليمين في انتخابات شباط الماضي، ولا ترؤس نتنياهو الحكومة، من حجم الأخطار الإسرائيلية على لبنان، بعدما أثبتت التجارب التاريخية أن حجم الاعتداءات ضده تكون هي نفسها في ظل حكم اليمين أو اليسار أو الوسط. فمن الممكن أن يختلف الإسرائيليون على كل شيء، إلا على توصيف خطر حزب الله على وجود كيانهم. لكن في المقابل، تفرض المعطيات المتصلة بالساحة اللبنانية نفسها على القيادة الجديدة في تل أبيب، انطلاقاً من التوازن الذي تبلور وترسخ بعد عدوان تموز 2006 والمرحلة التي بلغها تعاظم القدرات العسكرية لحزب الله، وانعكاس ذلك على التوازنات الإقليمية، إضافة إلى أولويات الإدارة الأميركية ومقاربتها الجديدة التي قد تشكّل قيداً على حركة «بيبي» ووزرائه.