حربان فاشلتان، 5 تحقيقات قضائية بشبهة الفساد، سدّ الأفق السياسي على مسار التسوية، توتير علاقات إسرائيل مع بعض أصدقائها وقطعها مع آخرين، هي حصيلة رئاسة إيهود أولمرت لحكومة إسرائيل لثلاثة أعوام
محمد بدير
لم ينجح إيهود أولمرت طوال فترة ولايته رئيساً للوزراء في كسب ودّ الجمهور الإسرائيلي، بل إن فوزه في الانتخابات العامة في آذار 2006 كان خجولاً، عندما فشل في جعل حزب «كديما» حزب السلطة المهيمن. لكن مواهبه الاستثنائية برزت في قدرته على المناورة في اللعبة الداخلية الإسرائيلية، وهو ما مكنه من التمتع باستقرار نسبي والحفاظ على كرسيّه طوال فترة عاصفة قبل أن تتجسد إخفاقاته السياسية والأمنية المتراكمة انهياراً سريعاً، كان فيه للتحقيقات القضائية بتهم الفساد المالي مفعول رصاصة الرحمة. وثمة من يعتقد بأن ما سمح لأولمرت بالبقاء في منصب طوال هذه الفترة، رغم الفشل الذي رافق ولايته على كل الصعد، هو إدراكه الدقيق لحقيقة أن تمسك السياسيين بكراسيهم والامتناع عن إجراء انتخابات مبكرة أقوى من الانتقاد الجماهيري لسلطته.
الصدمة الأولى التي واجهها في حكومته الحديثة العهد كان أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط على تخوم قطاع غزة، في 25 حزيران 2006، وهو حدث أدى إلى انحراف ولايته عن مسارها الذي أراد له أن يسلك طريق خطة «الانطواء» من الضفة الغربية. انحراف ما لبث أن تُوِّج سقوطاً مؤجلاً يوم نجح حزب الله في أسر الجنديين في 12 تموز 2006 على الحدود مع لبنان. ويرى كثيرون أن عملية «تغيير الاتجاه» التي شنها أولمرت في أعقاب عملية الأسر الثانية، غيَّرت قبل كل شيء النظرة إليه وسط الجمهور الإسرائيلي من خليفةٍ لأرييل شارون وأمين على نهجه في المضي قدماً في نهج فك الارتباط عن القضية الفلسطينية، إلى زعيم أمة تتخبط في حرب من دون أفق.
الولاية «الحربية» لأولمرت استُكملت بعد عدوان تموز بقرارين استراتيجيين آخرين، هما قصف ما زعمت إسرائيل أنه مفاعل نووي سوري قيد الإنشاء في دير الزور في أيلول 2007، واغتيال القائد العسكري لحزب الله، الشهيد عماد مغنية في شباط 2008.
في غضون ذلك، أدرك أولمرت أن البقاء في كرسي رئاسة الحكومة لا يمكن أن يستمر من دون مشروع سياسي، وهو ما دفعه إلى انعطافة «سلمية» على جبهتي الصراع الفلسطينية والسورية، أملاً في تحقيق مكاسب تحجب عنه تهم الفساد وتمنحه طوق نجاة يمكّنه من البقاء فوق الماء. وفي الموازاة، بدا أن الاعتراك المكثف الذي خاضه أولمرت للسياسة والحرب جعله سريعاً أكثر وعياً لحدود القوة، فاتخذ قراره الاستراتيجي الثالث بالتهدئة على جبهة قطاع غزة، قبل أن يُتبعه بقرار الموافقة على إجراء عملية تبادل الأسرى مع حزب الله في تموز المنصرم.
بيد أن أولمرت رفض على ما يبدو إنهاء ولايته من دون محاولة أخيرة للتخفف من بعض الخطايا السياسية والأمنية التي فاض بها سجله وأكسبته لقب رئيس الوزراء الأقل شعبية في تاريخ إسرائيل. وبما أنه كان قد علل بقاءه في منصبه بعد إدانه تقرير فينوغراد له بالإخفاق بالإصرار على أنه الأقدر على معالجة الأخطاء التي ارتكبت، كان «الرصاص المصهور» على غزة فرصة بالنسبة إليه لإثبات هذه المقولة، رغم أنه كان قد استقال من رئاسة الوزراء في حينه. الفرصة تحولت سريعاً إلى علامة استفهام كبيرة حول جدوى العدوان في ظل عدم تحقيق أي من أهدافه: لا إخضاع لحكومة «حماس» ولا ردع المقاومة عن إطلاق صواريخها على البلدات الإسرائيلية، ولا إطلاق سراح جلعاد شاليط. بل إن اهتزاز علاقات إسرائيل مع تركيا، وانقطاعها مع كل من قطر وموريتانيا، ووقف المفاوضات مع سوريا، إضافة إلى الضرر المعنوي الكبير الذي لحق بصورة إسرائيل أمام الرأي العام الغربي، أضاف إلى سجل أولمرت نقاطاً من النوع الذي كان يأمل في محوها منه. وإذا كان مؤتمر «أنابوليس» أتاح له مناسبة لإعادة تعويم نفسه رجلَ سلام، فإن العدوان على غزة دفن هذا القناع إلى جانب الأشلاء المقطّعة لأطفال القطاع المحاصر.
يسلّم أولمرت مفاتيحَ الحكومة إلى خلفه في ختام ولاية منقوصة امتدت لنحو ثلاثة أعوام، «أفلح» خلالها في مراكمة جملة من الملفات الساخنة ظنّ الإسرائيلييون أن عهد بعضها قد ولّى. يبدأ ذلك من التهديد الوجودي المتمثل بالنووي الإيراني، ويمر بالتحذير من حرب متوثبة في كل لحظة على الجبهة الشمالية، وصولاً إلى أفقٍ سياسي مسدود على مسار التسوية، وانتهاءً باستحقاق غزة بين التهدئة والتفجير، وبينهما ملف شاليط.