ظلّلت الأزمة الاقتصادية العالمية أعمال القمة الثانية للدول العربية ودول أميركا اللاتينية، التي اختتمت ببيان تضامن سياسي، لم يتطرق إلى قضية مذكرة توقيف الرئيس السوداني عمر البشير، وتعاون اقتصادي وثقافي وبيئي، على أن تراجع مستوياته في القمة الثالثة المقرّر أن تُعقد في البيرو في عام 2012
الدوحة ـــ حسام كنفاني وشهيرة سلّوم
اختتمت القمّة الثانية للدول العربية ودول أميركا اللاتينية في الدوحة، أمس، على ودّ مماثل لنظيرتها العربية، أول من أمس، لم تعكّره إلا مذكّرة اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، بعد رفض عدد من القادة اللاتينيين تضمين موقف منها في «إعلان الدوحة»، الصادر نهاية هذه القمة، باعتبارها مسألة قانونية تحلّ بين السودان والمحكمة الجنائية الدولية.
وتم تداول معلومات عن نقاش ساخن في الجلسة المغلقة حول هذه المسألة، كاد أن يؤدّي إلى انسحاب رئيسة الأرجنيتن كريستينا كيرشنر، لولا أن تم تدارك المسألة وسحب القضية من التداول. وكان واضحاً أن رئيسة تشيلي ميشيل باشليه وافقت كيرشنر الرأي، ولا سيما أنها تجنّبت خلال المؤتمر الصحافي الإجابة عن سؤال حول قضيّة السجال، وركزت إجابتها على رفض «الديكتاتوريات».
وشدّدت باشليه، في المؤتمر الصحافي، على أنه «لم توقّع جميع دول أميركا اللاتينية على اتفاق روما الأساسي»، المؤسس للمحكمة الجنائية الدوليّة. وفي ردّها على سؤال عن مذكّرة اعتقال البشير، أبدت تأييداً لها بطريقة غير مباشرة، حين ركّزت حديثها على تاريخ النضال في تشيلي ضدّ الديكتاتوريات، ولا سيما تاريخها الشخصي. وقالت «إنها سجنت في سبيل الدفاع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان. لذلك نحن نتفهم نضال الشعوب، ويجب أن نعمل على احترام حقوق الإنسان»، مؤكّدة أنه يجب دعم السلام في دارفور والديموقراطية وحقوق الإنسان، ومعتبرة أن العالم العربي يتعامل مع قضية البشير على أنها «مثيرة». وعقّب الأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، على باشليه بالقول «نحن نعتزّ بالتاريخ النضالي لرئيسة تشيلي التي تفتخر به». ورغم الخلاف على مذكرة الاعتقال، إلا أنه كان للسودان ودارفور حصة من «إعلان الدوحة» الصادر في ختام القمة، عبر الترحيب بمبادرة الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي لحل أزمة دارفور. وتضمن الإعلان أيضاً «تأكيد الحاجة إلى تحقيق سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام ووفقاً للقرارات الدولية ومرجعية مدريد ومبادرة السلام العربية». وشدّد على «إنشاء الدولة الفلسطينية على أساس حدود عام 1967 وانسحاب إسرائيل من كل الأراضي العربية المحتلة وإزالة المستوطنات، ومن ضمنها مستوطنات القدس الشرقية»، وشجب العدوان الإسرائيلي على غزة، ودعا إلى إعادة الفتح الفوري لكل المعابر ورفع الحصار.
وأكد البيان احترام حرية العراق وسيادته، والحاجة إلى مصالحة وطنية، معرباً عن القلق من العقوبات المفروضة من طرف واحد على سوريا، ومعتبراً أن قانون «محاسبة سوريا» ينتهك القانون الدولي ويشكل سابقة خطيرة في التعامل مع الدول. وتطرق البيان إلى لبنان، مرحباً باتفاق الدوحة بين الأطراف اللبنانية، ودعم الرئيس ميشال سليمان في إطار جهوده لتعزيز الاستقرار والتوافق. وشدّد على أن الأمن والاستقرار الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط يتطلب إخلاء المنطقة من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل. وتضمن الإعلان فقرات عن التعاون الثقافي والاقتصادي والبيئي، وفي مجال حوار الحضارات وفي المجال العلمي والتكنولوجي.
وكانت القمة قد افتتحت بكلمة لأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي شدّد على «أوجه شبه وتقارب كثيرة بين العالمين اللاتيني والعربي»، موضحاً أن «كليهما على طريق التقدم يواجهان عقبات وتعقيدات تتشابه كثيراً في وجوهها وأسبابها».
أما رئيسة التشيلي، ميشيل باشليه، التي ترأس حالياً اتحاد دول أميركا الجنوبية، فقد عرضت الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية، وخصوصاً من حيث فقدان الملايين لوظائفهم في أنحاء مختلفة من العالم، إضافة إلى أضرار التغيير المناخي وارتفاع حرارة الأرض ونقص الغذاء، وهي أمور «تهدد أهداف الألفية الثانية وبشكل أهم الأهداف السياسية والأخلاقية التي تواجه الجميع في القرن الحادي والعشرين».
بدوره، دعا الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إلى «عقد مؤتمر سلام ذي تمثيل عالمي، على أعلى المستويات، يتضمن أيضاً تمثيل الدول النامية من أجل التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية». وقال إنه «بعد سنوات من المفاوضات، لم نتمكن من التوصل إلى دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، ولن نتمكن من الدخول في عملية السلام إلا على أساس الاتفاقيات السابقة التي تم التوصل إليها ومن خلال مبادرة السلام العربية»، وأكد أهمية تحقيق المصالحة الفلسطينية.
وكانت للرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز كلمة مطوّلة، قال فيها إنه «تمكن من الدخول إلى روح الشعب العربي» الذي «نناضل معه جميعاً ضد شيطان الإمبريالية». وحمل على التجاهل الأميركي للاعتداءات الإسرائيلية وسقوط الشهداء من النساء والأطفال، بينما يتم الاعتراف بإسرائيل. ووصف هذه السياسة بـ«سياسة الخبث والنفاق». وأعرب عن رفضه لمذكرة اعتقال البشير، معتبراً أن الأجدر اعتقال الرئيس الأميركي السابق جورج بوش على «الإبادة في العراق» والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز على الجرائم والإبادة بحق الشعب الفلسطيني.
وفي الشأن الاقتصادي، أعلن تشافيز تأييد استخدام عملة احتياطية جديدة بدلاً من الدولار، داعياً إلى التعاون بين دول الجنوب.


الأمير الأحمر؟

شهدت الجلسة الافتتاحية لقمة الدول العربية ودول أميركا اللاتينية «هفوة» من رئيسة تشيلي، ميشيل باشليه، التي جاءت على ذكر «دول الخليج الفارسي» في كلمتها التي تضمّنت دعماً للقضايا العربية، وهو ما أثار امتعاض الوفود الخليجية المشاركة، فما كان من أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلا أن انبرى للتعقيب، في ختام كلمة باشليه، قائلاً: «نحترم كلمتك عندما ذكرت الخليج الفارسي، لكننا نطلق عليه اسم الخليج العربي»، وهو ما لاقى تصفيقاً من الحاضرين في القاعة، وفي منصّة الصحافيين.
وإذا كانت هذه الهفوة قد سببت إحراجاً لرئيسة تشيلي والدول الخليجية، التي تتعامل بحساسية شديدة مع مسألة الخليج فارسي أو عربي، فإن الجلسة الختامية شهدت طرفة من الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، الذي قدّمه أمير قطر باعتباره «صديقاً»، فرد عليه التحية بمثلها بوصفه «الأمير الأحمر»، فما كان من الأمير القطري إلا أن نفى هذه الصفة ضاحكاً، ولا سيما أن الأحمر تشير إلى الشيوعية، فاستدرك الرئيس الفنزويلي بالقول: «حسناً، الأمير الأبيض، لا الأحمر».










الشيخ حمد: أوجه شبه كثيرة بين العالمين اللاتيني والعربي، كلاهما على طريق التقدم يواجهان عقبات وتعقيدات تتشابه كثيراً


لولا: يجب عقد مؤتمر سلام ذي تمثيل عالمي على أعلى مستويات يتضمن أيضاً تمثيل الدول النامية من أجل التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية


تشافيز: تمكّنت من الدخول إلى روح الشعب العربي الذي نناضل معه جميعاً ضد شيطان الإمبريالية وضد سياسة الخبث والنفاق



المشاركون

شارك ممثّلو 12 دولة أميركية لاتينية في القمة الثانية للدول العربية ودول أميركا الجنوبية، إضافة إلى ممثلي الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية الـ22. والمشاركون الأميركيون الجنوبيّون على مستوى القادة هم: رئيسة الأرجنتين كريستينا فرنانديز دي كيرشنير، رئيسة تشيلي ميشيل باشليه التي تترأس اتحاد أميركا الجنوبية، رئيس بوليفيا إيفو موراليس، رئيس البرازيل لويس إيغناسيو دا سيلفا، رئيس الباراغواي فرناندو آرمندو لوغو ميندس، الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، رئيس غيانا بهارات جاغديو ورئيس سورينام رونالدو رونالد فينيتيان.
كذلك شارك نائب رئيس كولومبيا فرانسيسكو سانتوس كالديرون، نائب وزير خارجية كوبا ماركوس رودريجز كوستا، وزير الشؤون الخارجية والتجارة والتكامل في الإكوادور فاندر فالكوني بينيتز ورئيس الكونغرس في البيرو خافيير بيلاكيت كيسكين.