الدّوحة ــ الأخبار«الخيل والليل والبيداء تعرفني/ والسيف والرمح والقرطاس والقلم». بيت شعر المتنبي هذا هو ما وضع على شعار القمة العربية، الذي يستقبل الزوار عند مدخل فندق شيراتون ـــــ الدوحة، الذي تزيّن بالأعلام والشاشات التلفزيونية لاستضافة اجتماع القادة العرب.
غير أن المفارقة أن أي معالم للقمة العربية أو العربية اللاتينية لا تظهر خارج الفندق. فقط بعض الأعلام المتفرقة مزروعة في الطريق الموصلة إليه، إضافة إلى مساحات خضّرت حديثاً وزرعت ببعض أنواع الورود التي تحتمل حرارة نهار الدوحة وصقيع ليلها في هذه الفترة من السنة.
لا حشود استثنائية في الشوارع ولا مظاهر احتفالية كسرت هدوء الدوحة، التي وصفها أحد المتابعين بأنها «مدينة نائمة». القمّة تبدأ من مدخل الفندق وتنتهي عنده. لا حديث عن المشاكل العربية في الخارج. غالبية المواطنين العرب يفضّلون عدم الخوض في تفاصيل السياسة، لأن ثقل الأزمة الاقتصادية يأخذ الحيّز الأكبر من أحاديث الشأن العام، ولا سيما أن المال والعمل هما غاية وجود جميع المواطنين العرب في الدوحة، وأي انتكاسة مالية ستكون ذات تأثير مباشر على حياة الأفراد، وربما تؤدّي إلى تداعيات خطيرة على مسار حياتهم.
الجميع يشعر بوطأة الأزمة، لكن تقديرات تأثيرها على الدوحة تختلف من شخص إلى آخر. أحاديث كثيرة تتناقلها الألسن عن توقف بعض الأعمال في بعض الشركات نتيجة الإفلاس، وعن تدخلات الدولة لانتشال هذه الشركة أو تلك. الكل تقريباً يجمع على أن نوعاً من «المكابرة» يحكم التعاطي الرسمي مع الأزمة المالية؛ فرغم السيولة النقدية التي تتمتع بها الدوحة، إلا أن هذا لا يمنع تمدّد الأزمة المالية إلى الشركات الكبيرة والصغيرة في هذه الدولة الخليجية.
الأحاديث في الشارع كثيرة ومتشعبة، والقلق واضح في الكلام. قلق لم يستثن منه الصحافيون العاملون في الصحف القطرية، والذين يروون تأثيرات الأزمة على عملهم، سواء لجهة تقليص التقديمات أو خفض الرواتب أو «التفنيش»، وهو مصطلح خليجي من كلمة “finish” الإنكليزية، للدلالة على إنهاء الخدمات.
«التفنيش» هو الهاجس في قطر، وفي كل دول الخليج. الجميع يتحدّث عن تسريح جماعي من المؤسسات، وحتى نزوح جماعي للعائلات، تحسباً من انعكاسات أسوأ، ولا سيما أن المعلومات تتناقل أنباء عن نيات لبدء حملة خفض واسعة للعمالة مع بداية فصل الصيف، فور انتهاء الموسم الدراسي.
في ظل هذه الهموم اليومية، تبدو القمة العربية بالنسبة إلى هؤلاء حدثاً هامشيّاً، لا يلامس المتاعب الحياتية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية. فلا مكان للسياسة حين تكون لقمة العيش مهدّدة.