مخاوف من حظر عالمي بعد اكتشاف «العفن البني»محمد وهبة
على الرغم من وجود روايات عدّة لاكتشاف وجود بكتيريا «العفن البني» في بطاطا مزروعة محليّاً، فإن ما يجمع عليه أكثر من طرف معني بهذه القضية هو أن 12 كميوناً محمّلاً بحوالى 400 طن من البطاطا كانت معدّة للتصدير إلى سوريا، وقد دخلت ثلاثة منها إلى الحدود السورية عبر جديدة يابوس وخضغت لإجراءات الدخول والفحوص المخبرية، فتبيّن إصابة بعض العينات بـ«العفن البنّي»، وهذا ما أكدّه لاحقاً فحص مصلحة الأبحاث العلميّة في وزارة الزراعة اللبنانية. وحينها رفضت السلطات السورية دخول الكميات، وأعلن وزير الزراعة إلياس سكاف إصابتها بالبكتيريا.

حظر عالمي

وفي هذا السياق، برزت مخاوف من أن إعلان اكتشاف الإصابة في لبنان قد يؤدي إلى حظر عالمي على استيراد البطاطا من لبنان، وخصوصاً أن هذه البكتيريا تنتقل إلى التربة على شكل وباء يضرب كل الإنتاج، ويحتاج تنظيفها وإزالة المرض منها إلى ما بين 4 و5 سنوات في الحد الأدنى. علماً بأن لبنان كان يعمل منذ 5 سنوات على إزالة الحظر الأوروبي على استيراد البطاطا من لبنان، إذ ورد في تقرير لبعثة الاتحاد الأوروبي في عام 2003 أن بعض الأراضي الزراعية في لبنان قد تكون مصابة بهذه البكتيريا، ولوحظ وجودها أيضاً في عام 1960. وقد أدّى الحظر الأوروبي إلى حظر سوري، فمنعت البطاطا اللبنانية من الدخول إلى سوريا منذ أكثر من سنة ثم انقضى الأمر «بحل سياسي» وفق مصدر متابع.
وبحسب ما يقول الدكتور إيليا شويري من مصلحة الأبحاث الزراعية، فقد اكتشفت في عام 2003 بعض الإصابات بالبكتيريا في عيّنات لكميّات مصدرها مصر التي يُعرف بأن استيراد البطاطا منها مقسّم إلى مناطق مسموح بها وأخرى ممنوعة لأنها مصابة بالعفن البني، ويؤكد أن كل البطاطا وبذارها المستوردة من دول أوروبا ومن مصر تخضع لفحوص «العفن البني والعفن العلقي» منذ ذلك الوقت، وقد جرى تحديث تقنيّات الفحص طبقاً للمعايير الأوروبية منذ سنة، مشيراً إلى أن الفحص الأولي على العينات المعدّة للتصدير إلى سوريا كان إيجابياً، لكن تأكيد الأمر يحتاج إلى فحصين إضافيين.

تجار ومصالح انتخابية

إذاً، السؤال الأساسي هو كيف دخلت البكتيريا إلى لبنان، وما هي حقيقة وجودها ومدى انتشارها؟ فضلاً عن أن نتائج الفحوص الإضافية باتت مستحيلة بعدما «اختفت» الكميّات المعدّة للتصدير عندما عادت إلى الحدود اللبنانية! فهناك أكثر من اتجاه للمعلومات المتداولة، فقد قال رئيس نقابة مزارعي البطاطا جورج صقر إن هذه الكميات «تراجعت 50 متراً عن الحدود اللبنانية السورية ودخلت إلى سوريا مهرّبة»، أما رئيس نقابة مزارعي وفلاحي البقاع إبراهيم الترشيشي فقد نفى أن تكون البضاعة ملكه، مؤكداً أن «النقابة تتبناها»، وشكك في أن تكون هذه الكميات مصابة بالمرض، مشيراً إلى تلاعب ما بالفحص الذي نفّذ. إلّا أن الأكيد أن شويري لن يتمكن من فحص أي عينات لأنها «اختفت». وبحسب مطلعين فإن لقصة الاختفاء اتجاهين، الأول متصل بحرب بين كبار تجار البطاطا ومزارعيها، والثاني مرتبط بالسياسة وشركاء هؤلاء التجار ومصالحهم الانتخابية، ولا سيّما في قضاء زحلة حيث تبدو المعركة محتدمة. والمعروف أن لبنان يخزن البطاطا قبل فترة السماح باستيرادها من مصر والسعودية، والتجار يتنافسون في التصدير والاستيراد، فمنذ فترة طالب الترشيشي بمنع الاستيراد من السعودية وبعد ظهور «العفن البني» طالب صقر بمنع الاستيراد من مصر.
ويبدو أن شركاء التجار، بحسب المصادر، هم من الأسماء المعروفة والمطروحة للترشح في الانتخابات النيابية المقبلة، وبينهم وزراء ونواب سابقون وللجميع مصلحة في إثارة الموضوع من الزاوية التي تناسب مصلحته التجارية المرتبطة قطعاً بتعاونيات ونقابات زراعية في المنطقة وهي ناخب إضافي، ولذلك بعدما انتشر خبر «العفن البني» بدأت الحملة الانتخابية.
أما بالنسبة إلى قصة دخول المرض إلى لبنان، فالأمر ينحصر في تنافس التجّار ــ المزارعين بين بعضهم بعضاً، فغالبية الشكوك تستبعد وجود البكتيريا في لبنان، وتقود إلى مصر لأنها البلد الأكثر احتمالاً ليكون مصدر «تسرّب» العفن البني، فهي الأقرب للبنان جغرافياً وتجارياً والمعروفة بوجود هذه البكتيريا فيها، وهذا ما يوافق عليه شويري، إلا أنه لا يجزم به.
وحالياً، هذا السيناريو هو الوحيد المتداول بين المعنيين والمتابعين، لكن كيف يمكن أن «تتسرّب» البكتيريا من أي مكان في العالم باتجاه لبنان؟ ولماذا لم ينكشف الأمر في فحوص العيّنات على الحدود البريّة والبحريّة؟ الإجابات التي قدمها التجار إلى «الأخبار» تفيد أن الجميع يقرّ بوجود تهريب، وقال صقر إن «تهريب بذار البطاط من مصر يجري عبر البحر، وبعضها يدخل عبر الجمارك اللبنانية»، لكن الترشيشي يؤكد أن شركته للاستيراد تمثّل تجاراً كُثراً، وهي «واحدة بين مئات تستورد البطاطا المصرية، علماً بأن استيراد بذار البطاطا من مصر ممنوع». لكن نائب رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين طوني طعمة (تاجر ــ مثزارع بطاطا) لفت في اتصال مع «الأخبار» إلى أن ثمن بذار البطاطا الأوروبي كان مرتفعاً في الفترة الأخيرة بسبب ارتفاع اليورو، فاستوردت شحنة من مصر بقيمة 300 دولار للطن الواحد حين كان سعره 1700 دولار، فهل حصل المستورد على إجازة لإدخالها؟».
لكن الأبرز في هذا الأمر أن مالك الكميّات المعدّة للتصدير التي «اختفت» ليس له وحده، فبحسب أكثر من مصدر هناك حوالى 7 تجار يملكون هذه الكميات ولكن إجازة التصدير صادرة باسم جورج شديد وحده، فهذه الطريقة غالباً ما يتبعها التجار والمزارعون للتخفيف من بعض الأعباء ولأن بعضهم ليس لديه شركات للتصدير عبرها أو غير مستوف للشروط الإدارية للتصدير... وبالتالي لم يكن أمام وزارة الزراعة إلا اتخاذ قرار بمنع شديد من تصدير البطاطا لمدة سنة.


25 ألف طن

هي كمية بذار البطاطا التي يستهلكها لبنان لزراعة 190 ألف دونم وإنتاج محلّي يتجاوز 300 ألف طن بطاطا، بمعدل 3 أطنان لكل دونم، ويصدّّر لبنان 145 ألف طن في غالبيتها إلى الأسواق العربية، ويستودر 60 ألفاً غالبيتها من مصر والسعودية


سكاف: حملة شخصيّة