1% من خدمة الدين كافية لإنقاذ 320 ألف فقير!48 مليون دولار سنوياً تكفي لإنقاذ 8 في المئة من اللبنانيّين يعيشون في فقر مدقع! الطرح حقيقي، وهذه التقديرات وردت في تقرير رسمي صدر أول من أمس عن الفقر، واللافت هو أنّ هذا المبلغ «الضئيل» لا يمثّل إلّا 1.1 في المئة فقط من كلفة خدمة الدين العام التي يحتويها مشروع موازنة عام 2009!
لعلّ أبرز ما توصّلت إليه دراسة برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي، ووزارة الشؤون الاجتماعية تحت عنوان «الفقر والنمو وتوزّع الدخل في لبنان»، هو أنّ الفوارق الاجتماعية بين المحافظات اللبنانية، من حيث مؤشّرات الفقر المختلفة، تعدّ «صاعقة». فعدد الفقراء في الشمال يرتفع ارتفاعاً كبيراً عن المعدّل الوطني العام (28 في المئة من اللبنانيّين فقراء)، والعدد في الجنوب والبقاع يزيد أيضاً عن ذلك المعدّل وإن بمستوى أقلّ.
والنتائج الأساسيّة التي تخلص إليها الدراسة تتمثّل في أربع نقاط: أوّلاً، الفقر متركّز جداً بين العاطلين من العمل والعمّال غير المهرة المنتشرين انتشاراً أساسياً في قطاعي الزراعة والبناء. ثانياً، أن مستويات العلم والثقافة مرتبطة عضوياً بالفقر... فنسبة الأميّة بين الفقراء تبلغ 15 في المئة، فيما ينخفض هذا المعدّل إلى 7،5 في المئة بين المتعلّمين (نصف المعدّل!). ثالثاً، إن معدّل البطالة بين المتعلمين غير الفقراء يمثّل نصف المعدّل المسجّل لدى المتعلمين الفقراء.
أمّا رابعاً، وهنا النقطة الأبرز في الدراسة، فهي أنّ كلفة مواجهة الفقر ومظاهره في لبنان منخفضة جداً مقارنةً بالترجيحات أو حتّى بالعرف الاجتماعي والسياسي. فإنقاذ الـ8 في المئة من اللبنانيّين الذين يقبعون في فقر مدقع (320 ألف نسمة) لا يحتاج إلى أكثر من 12 دولاراً عن كلّ لبناني سنوياً، أي إنّ المبلغ الإجمالي يساوي 48 مليون دولار (على اعتبار أنّ عدد السكّان يساوي 4 ملايين نسمة). واللافت هو أنّ هذا المبلغ يمثّل 1،17 في المئة فقط من خدمة الدين العام التي ترتفع إلى 4،1 مليارات دولار في مشروع موازنة عام 2009.
ورغم أنّ هذا الرقم ضئيل، غير أنّه قد يرتفع كثيراً، «ارتفاعاً دراماتيكياً» وفقاً للدراسة، إذا ارتفعت نسبة عدم المساواة، أو إذا كان النموّ المستقبلي المرتقب ضدّ «الفقراء». وقد توصلت الدراسة إلى هذا الرقم من خلال قياس مدى قدرة لبنان على تحقيق أهداف الألفية التي وضعتها الأمم المتّحدة، أو بطريقة أكثر تحديداً إمكان القضاء على ظاهرة الفقر المدقع حتّى عام 2015، وهو إمكان قوي جداً.
وفي المقابل فإنّ انتشال العائلات التي تقع فوق خطّ الفقر الأعلى (الفقراء إجمالاً) يتطلّب إنفاق 116 دولاراً لكلّ فرد خلال العام. ما يعني أنّ الكلفة الإجماليّة سنوياً تساوي 464 مليون دولار.
غير أنّ مدى إمكان ليونة السياسات الضريبيّة من أجل تحقيق أهداف الألفيّة، يمثّل سبباً مهمّاً للقلق. وهذا الأمر مرتبط بهوامش واسعة، بالانعكاسات الاقتصاديّة لحرب تمّوز عام 2006 والمشاكل السياسيّة التي لحقتها، حسبما تفترض الدراسة. ومن المتوقّع أنّ تضغط هذه العوامل على سياسات التنمية «نظراً للوقت الطويل الذي تحتاج إليه البلاد من أجل التعافي»، غير أنّ الكلفة المطروحة من أجل القضاء على الفقر المدقع «منخفضة جداً» ومن غير المفترض أن تتأثّر بهذه العوامل المذكورة.

سيناريوهات وروافع

بحسب سيناريو «نموّ ضدّ الفقراء» (الذي يرى أنّ هناك نسب نموّ اقتصادي ملحوظة لكن ليست لمصلحة الفقراء) فإنّ معدّل نسبة الاستثمارات المطلوبة إلى الناتج المحلّي الإجمالي تساوي 20،3 في المئة بين عامي 2005 و2015. بينما معدّل نسبة فجوة الموارد يبلغ 7،3 في المئة.
أمّا سيناريو «نموّ بتوزيعات حياديّة» (توازن سلبي) فيفترض أنّ المعدّل الأوّل يبلغ 16،4 في المئة خلال السنوات المذكورة، فيما يبلغ معدّل فجوة التنمية 3،4 في المئة. والأهمّ هو أنّه إذا اعتمد سيناريو «نموّ لمصلحة الفقراء» (مع سياسات اجتماعيّة اقتصاديّة تستهدف الفقراء) فإنّ معدّل نسبة الاستثمارات الضروريّة للقضاء على الفقر يصبح 14،8 في المئة، لينخفض معدّل نسبة الفجوة إلى الناتج المحلّي الإجمالي إلى 1،8 في المئة فقط.
وبناءً على هذه النتائج تطرح الدراسة خمس «سياسات روافع» أساسيّة من أجل القضاء على الفقر، وهي روافع نظريّة تحتاج إلى صياغة سياسات عمليّة من خلال تطوير برامج متخصّصة.
1 - النموّ المستدام والدامج: هذه النقطة تفترض تطبيق أجندة اقتصاديّة تستطيع وضع الأسس لنموّ أكبر في الوظائف والإنتاجية والدخل، وفي الوقت نفسه توجيه فوائد أكبر للفقراء. وتحقيق هذا الهدف يتطلب بلورة سياسات تُوسّع الاستثمارات العامّة وتُشجّع الاستثمارات الخاصّة من أجل تحفيز النموّ. وبطبيعة الحال يفترض أن تطرح هذه الاستراتيجية الوسائل المثلى من أجل تأمين الدعم المالي لتطوير دور القطاع العام وتحفيز القطاع الخاص.
2 - توسيع فرص التعليم: يجب أن تنصبّ الجهود على مسألة تأمين دخول الفقراء إلى المدارس وإتمام مراحل العلم كاملة فيها. فهذا الأمر يمكّنهم من اقتناص «الفرص الاجتماعيّة والاقتصاديّة» في المستقبل. كما أنّ هذا الطرح ضروري من أجل زيادة إنتاجيّة العمل وبالتالي تحفيز النموّ، ونشوء دورة عند مستوى أرفع من التنمية الاقتصاديّة.
3 - الترويج لتنمية مناطقية أكثر توازناً: طبيعة الفقر التي تحدّدها الدراسة تشير إلى أنّ جهوداً أكبر يجب أن تبذل لعكس نمط التفاوت القائم لجهة المداخيل والفرص والخدمات، بين المناطق في لبنان. فبعض المناطق، وتحديداً الشمال تأتي متأخّرة جداً من حيث التنمية مقارنةً بالمناطق الأخرى، وبالتالي فهي تحوي عدداً أكبر من الفقراء.
4. تركيز الموارد لدعم العائلات الفقيرة: إنّ التفاوت الكبير، والممكن إدارته، في مؤشّرات مستوى العيش بين الشرائح المختلفة في المحافظات في لبنان يوضح أنّ السياسات المَصوغة بحسب المعايير الجغرافية، تؤدّي دوراً مهماً في عمليّة خفض معدّلات الفقر. وما تصفه الدراسة بأنّه «الاستهداف الجغرافي الضيّق» من المرجّح أن يكون أكثر فعاليّة لمعالجة سوء التغطية وأخطاء الإدارة وتوزيع الفوائد. وأكثر من ذلك فإنّ السياسييّن يستطيعون خفض نسبة «تسرّب الفوائد» إلى غير الفقراء في برامج مواجهة الفقر، من خلال إلغاء الفوائد الممنوحة إلى الأفراد ذوي المداخيل المرتفعة مثل أصحاب العمل، أو من خلال استخدام «فحص وسائل الوسطاء» من أجل تحديد المستهدفين. كما يمكن استخدام وسائل الاستهداف الموسّع من أجل توجيه الفوائد إلى العمّال في قطاعي الزراعة والبناء، ومعظمهم عمّال مؤقّتون وغير مهرة. وتجدر الإشارة إلى أنّ 38 في المئة من الفقراء هم من العاملين في هذين القطاعين.
5 - مراقبة النتائج: بهدف إنجاح أيّ برنامج يستهدف خفض الفقر، يجب بذل جهد معيّن في سبيل تحسين نوعيّة عمليّات جمع المعلومات ومراقبة النتائج. ومن المهمّ جداً أن تكون ممكنة عمليّة تحديث المعلومات وتطويع استراتيجية خفض الفقر لكي تتلاءم مع التطوّرات على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي في لبنان. وفي هذا السياق فإنّ توصية أساسية يمكن طرحها، وهي أن تصمّم الدراسات الإحصائيّة المقبلة لموازنات العائلات على صعيد الطبقات داخل المحافظات، من أجل تحقيق دقّة أكبر.

سياسات المواجهة

وعموماً فإنّ هذه التوصيات الأساسيّة تشير إلى ضرورة توجيه السياسات الاقتصادية الاجتماعية التي تصوغها الحكومة بحيث يجب أن تستهدف الشرائح الفقيرة من خلال مقاربة أكثر تخصّصاً. كما تفيد أنّ السياسات الماكرو اقتصاديّة، وتحديداً السياسات الضريبيّة، يجب أن تتميّز بأهميّة خاصّة، ليس فقط بسبب حجم الموارد الإضافيّة المطلوبة من أجل تمويل الإنفاق العام على شبكات الأمان الاجتماعي والاستثمار العام في الخدمات الاجتماعية، بل بسبب هشاشة الأوضاع على الصعيد الماكرو اقتصادي في لبنان وتحديداً منذ عام 2006.
وعلى صعيد تقنيّات إدارة سياسات خفض الفقر فإن تقنيّة «الاستهداف المباشر» تحدّد العائلات الفقيرة أو غير الفقيرة وتؤمّن المساعدات المباشرة للفئة الأولى. وهذا النوع من الاستهداف في سبيل مواجهة الفقر يعتمد على قدرة الحكومات في عمليّة «تحديد الفقراء». ولكن المشكلة الأساسيّة في عمليّة «الاستهداف المباشر» هي كلفتها المرتفعة، وتحديداً عند تطبيق معايير تحديد الفقراء من خلال تقنيّة تحديد المداخيل على سبيل المثال. وعموماً هناك تقنيّتان لتحديد الفقراء من خلال قياس الدخل. الأولى تفترض تحديد «أنواع الإنفاق» ويمكن تسميتها «الاستهداف الواسع». وطبقاً لهذه المقاربة لا يجري استهداف الفقراء كأفراد، بل تُصاغ برامج تعالج الخلل الكامن في أنماط الإنفاق التي ترتبط بالفقراء.
أمّا المقاربة الثانية، فتطرح مبدأ استهداف «فئات محدّدة»، وتسمّى «الاستهداف الضيّق». وطبقاً لها توجّه المساعدات والإعانات مباشرة إلى مجموعات محدّدة من الشعب.
(الأخبار)


16 في المئة

هي نسبة الفقراء في فئة الأشخاص الذين يعملون لحسابهم في الأنشطة الهامشيّة والذين لا يملكون المهارة. وهذا المعدّل يعدّ الأكبر بين الفئات الباقية حيث تنخفض النسبة بين أرباب العمل إلى 1 في المئة، وتصل إلى 2.8 في المئة في فئة الأجراء الشهريّين.


بطالة الشباب والحلقة المفرغة