هآرتس ــ عكيفا ألداربعدما انهار اختراع «الاحتلال المتنوّر» على آلاف البشر من الإسرائيليين والفلسطينيين، أبدع العقل اليهودي اختراعاً جديداً: «تقويض حماس».
في ما يتعلق بالسياسة المنتهجة في المناطق عموماً وفي قطاع غزة خصوصاً، الفرق بين تسيبي ليفني وإيهود باراك، اللذين يقترحان استخدام العصا، وبين اليمين، هو أن الأخير يقترح استخدام عصا أكثر غلاظة. لكن المفاجأة بالنسبة إليهم كانت أن «حماس» ترفض الانهيار، بل إن «الرصاص المصهور» حصّن موقع الحركة في الشارع العربي والفلسطيني، وهذه هي البداية فقط.
برغم أعوام مطوّلة من الصراع وعدد لا يُحصى من الحروب والعمليات، لم نتعلم أن معيارنا للانتصار والحسم مختلف عما هي عليه الحال لدى العدو. فرغم نسبة الخسائر والدمار، حُفرت «حرب لبنان الثانية» في الوعي العربي بوصفها انتصاراً بطولياً على الجيش الأقوى في الشرق الأوسط.
وتحديداً بسبب الأطفال القتلى في غزة، سيُحفظ لـ«الرصاص المصهور» مكانة لائقة في أسطورة نضال بين داوود الفلسطيني المسلّح بالقسّام المتخلّف، وجالوت الإسرائيلي المجهّز بالـ«أف 16». لم يكن أي عاقل يتوقع أن تنتصر حماس أو حزب الله على الجيش الإسرائيلي في ساحة المعركة.
عندما يستمع قادة «حماس» إلى زعماء إسرائيل يتباهون باستعادة «الردع»، المؤكد أنهم يموتون من الضحك. وهذا ليس فقط بسبب الصواريخ. فإذا كان كل قتيل في سديروت هو مقعد إضافي لليمين، فإن كل ولد قتيل في غزة هو مقعد إضافي لـ«حماس». ووفقاً لأولئك الذين يقولون إن «حماس» هي عميلة إيرانية، فإن مقعدها يعني هدية إضافية لإيران.
حتى الحصار على قطاع غزة يعزز وضع «حماس». والوعد بتقويض «حماس» بوسائل عسكرية يشبه الوعد بإبرام «سلام اقتصادي» مع الفلسطينيين. «حماس» ليست «منظمة إرهابية»، بل حركة فازت في الانتخابات بمباركة المجتمع الدولي وبإذن من إسرائيل. وعندما يكون الخصم حزباً سياسياً، مهما كان عنيفاً، لا يمكن قلب المقولة الشهيرة للمنظّر العسكري الشهير كارل فون كلاوزفيتش، رأساً على عقب، وتبنّي نهج تكون السياسة فيه استمراراً للحرب بوسائل أخرى.
سواء أعجب الأمر ليفني أو لا، للرصاص المصهور نتائج سياسية، وهي معاكسة للهدف الاستراتيجي الذي ادّعت السعي إليه: دولة يهودية وديموقراطية. يمكن للطريق إلى هناك أن تكون قصيرة لو كان ممكناً محو «حماس». لكن للأسف، الأحزاب العنصرية هي جزء من المشهد السياسي في منطقتنا.
إذا كان «إسرائيل بيتنا» سيجلس في حكومة وحدة، فإن بإمكان «حماس» ذلك. فقط اتفاق تهدئة طويل الأمد، بشرط أن يكون مقترناً بإطار سياسي فعلي، يمكنه أن يسحب من «حماس» الدعم الشعبي ويعيدها إلى حجمها الطبيعي.