ارتفع العجز في الميزان التجاري إلى 12.6 مليار دولار في عام 2008، بالمقارنة مع 9 مليارات دولار في عام 2007، أي بزيادة 40%، وهو ما يؤكّد انكشاف لبنان كلياً على التأثيرات الخارجية بسبب إهمال القطاعات الإنتاجية وتغطية الحاجات الاستهلاكية عبر الاستيراد
رشا أبو زكي
ها هي مفاعيل السياسات التجارية «الانفلاتية» في لبنان تلقي بظلّها الثقيل على القطاعات الإنتاجية وتستنزف موارد البلاد وطاقاتها، فتكبح تطوّرها، وتجعل المنافسة في سوق صغيرة مفتوحة على كل الجنسيات التجارية أشبه بضرب من الجنون... وتُسقط الدعوات لانضمام لبنان إلى منظمة التجارة العالمية باعتبارها مفتاح الدخول إلى جنّة العولمة: فانظروا إلى ما فعله التفلّت التجاري بلبنان!

تطوّر العجز

في عام 2002 أعلنت الحكومة اللبنانية خفض التعرفة الجمركية من معدّل 12 في المئة إلى 6 في المئة على 5.400 سلعة من مجموع 5.700 سلعة... وعادت وخفضت الرسوم الجمركية على مئات السلع لمصلحة بعض المستوردين المصنّفين أزلاماً ومحسوبيات، مع الإبقاء على الرسوم الجمركية المرتفعة على المواد الأولية التي تستخدم في الصناعة المحلية، فكانت النتيجة: ارتفاع عجز الميزان التجاري من 5 مليارات و644 مليون دولار في عام 2003 إلى 12 ملياراً و659 مليون دولار في عام 2008، وبات العجز التجاري يمثّل أكثر من 45 في المئة من مجمل الناتج المحلي وفق التقديرات الرسمية.
والمعروف أن السياسات الحكومية ساهمت في تشجيع الاستهلاك التبذيري كمحور أساسي من محاور ضخّ الدم في شرايين النموذج الاقتصادي «الرّيعي»، وهذا ما أدّى إلى ارتفاع فاتورة الاستيراد بوتيرة هستيرية من حوالى 7 مليارات و168 مليون دولار في عام 2003، إلى حوالى 16 ملياراً و137 مليون دولار في عام 2008، أي بزيادة 8 مليارات و969 مليون دولار وما نسبته 125.12 في المئة.
في المقابل، ارتفعت الصادرات من حوالى مليار و524 مليون دولار في عام 2003، إلى حوالى 3 مليارات و478 مليون دولار، أي بزيادة مليار و954 مليون دولار، وما نسبته 128.2 في المئة.
والجدير بالإشارة أن تطوّر العجز التجاري وحركتي الاستيراد والتصدير استمرت في وتيرة متشابهة في الأعوام السابقة، ما عدا في عامي 2005 و2006، إذ لجم اغتيال رئيس مجلس الوزراء الأسبق رفيق الحريري حدّة التصاعد في عجز الميزان التجاري، وشهدت حركة الاستيراد ثباتاً نسبياً عند 9340 مليون دولار، وارتفع التصدير إلى 1880 مليوناً، وتراجع العجز إلى 7460 مليون دولار. هذا التراجع استمر في عام 2006، بفعل بدء حرب تموز في شهر آب من العام نفسه، فبقي الاستيراد عند قيمته الثابتة نسبياً أي 9398 مليون دولار، فيما ارتفع التصدير إلى 2282 مليون دولار، وانخفض العجز كذلك إلى 7116 مليون دولار...

عدم التكافؤ واضح

وتعود أسباب ارتفاع العجز التجاري إلى جملة أسباب، منها سياسات إضعاف القطاعات الإنتاجية، عبر رفع أكلاف الإنتاج، إضافة إلى إغراق الأسواق بالمنتجات المستوردة، ما يضع القطاعات المحلية في «زاوية» عدم القدرة على المنافسة، ومنها ما هو متّصل بالتضخم الخارجي ومفاعيله المحلية واستغلاله من الاحتكارات المحمية، فضلاً عن تشدد الدول الغربية في تحديد مواصفات الاستيراد في محاولة منها لحماية قطاعاتها...
إذ تشير الأرقام الواردة في دراسة إدارة الجمارك عن الواردات والصادرات من عام 2003 حتى نهاية عام 2008، إلى أن العجز الحاصل في الحركة التجارية مع إيطاليا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية والصين وسويسرا وصل إلى 25 ملياراً و112 مليون دولار! وفي التفاصيل أن قيمة السلع المستوردة من إيطاليا مثلاً خلال السنوات الخمس الماضية وصلت إلى 5 مليارات و458 مليون دولار، فيما لم تستورد من لبنان طوال هذه الفترة سوى بـ 179 مليون دولار. أما فرنسا فقد صدّرت إلى لبنان سلعاً بقيمة 5 مليارات و81 مليون دولار، فيما لم تستورد منه من عام 2003 حتى العام الماضي سوى بـ 265 مليون دولار. واردات ألمانيا إلى لبنان وصلت خلال الفترة المذكورة إلى 4 مليارات و402 مليون دولار، ولم تستورد منه إلا بـ 154 مليون دولار. أما اللافت فإن متوسط الاستيراد من الصين هو 5 مليارات و144 مليون دولار، فيما لا تذكر أية صادرات من لبنان إلى هذا البلد طوال خمس سنوات! والوضع نفسه ينطبق على الولايات المتحدة الأميركية، إذ استوردت من لبنان في السنوات الخمس الماضية بقيمة لا تصل إلى 343 مليون دولار أميركي، بينما صدّرت إليه بقيمة 5 مليارات و537 مليون دولار. أما سويسرا، فقد وصلت وارداتها من لبنان إلى 1779 مليون دولار، وصدّرت إليه بقيمة 2210 ملايين دولار، أي بفارق 431 مليون دولار لمصلحة سويسرا.

الاختلال عربي كذلك!

أما الدول العربية، فمن الملاحظ أن حركة الاستيراد والتصدير غير متكافئة كذلك بالنسبة إلى لبنان في عدد من الحالات. إذ صدّرت مصر إلى لبنان خلال السنوات الخمس الماضية سلعاً بـ 2 مليار و133 مليون دولار، فيما لم تستورد منه سوى بقيمة 412 مليون دولار. وكذلك الحال بالنسبة إلى السعودية فقد وصلت قيمة صادراتها إلى لبنان إلى مليار و830 مليون دولار، بينما لم تستورد منه سوى بقيمة 899 مليون دولار، وينسحب هذا الواقع بشكل ضئيل على سوريا التي صدّرت خلال السنوات الخمس الماضية بمليار و350 مليون دولار سنوياً، واستوردت من لبنان سلعاً بمليار و42 مليون دولار...