«الليكود» يدرس خياراته... و«كديما» يريد المناصفة محمد بدير
على أيّ مشهد حزبي وسياسي ستستيقظ إسرائيل صبيحة الحادي عشر من شباط الجاري؟ حتى فترة قريبة كانت استطلاعات الرأي تتباهى بإعطائها إجابة شبه واثقة لهذا السؤال، حاسمة إلى حدّ كبير أحجام الكتل النيابية في الكنيست المقبل، وتالياً شخصية رئيس الحكومة المقبلة. حتى هذه الفترة، كاد رئيس حزب «الليكود»، بنيامين نتنياهو، أن ينصرف كلياً إلى خياطة بذلة رئاسة الحكومة بوصفه رئيس الحزب الأكبر، وفقاً للاستطلاعات. بيد أن تحوّلات حادة طرأت على وجهة آراء المستطلَعين أعادت خلط الأوراق، واضعة المشهد الحزبي والسياسي المرتقب غداة الانتخابات في بؤر عدد من دوائر الاستفهام.
وبعيداً عن الخوض في أسباب هذه التحوّلات، التي لا يجادل أحد في كون العدوان على غزة أبرزها، فإن سمتها الرئيسة هي الانزياح في الأصوات داخل كلٍ من الكتلتين اليمينية والوسطية لا بينهما، الأمر الذي يعني أن الأحجام الكلية لهاتين الكتلتين بقيت على حالها بحسب ما تتوقّعه الاستطلاعات لها. وهكذا، غدت المعركة الانتخابية فعلياً بين كل من حزبَي «إسرائيل بيتنا» و«الليكود»، الذي بات يفقد مقاعده لمصلحة الأول في إطار الكتلة اليمينية، وبين حزبَي «العمل» و«كديما»، الذي يشهد الظاهرة نفسها في إطار الكتلة الوسطية.
وبحسب آخر الاستطلاعات، فإن استمرار هذه النزعة حتى يوم الانتخابات سيفضي إلى كنيست قد لا يكون فيه حزب أكبر، أو في أحسن الأحوال سيكون فيه الفارق بين عدد مقاعد هذا الحزب، المتوقّع أن يكون «الليكود»، وبين الحزب الذي يليه مباشرة، أي «كديما»، لا يتجاوز المقعدين، إذ تشير آخر التوقعات إلى فوز «الليكود» بـ 25 إلى 27 نائباً، في مقابل 23 إلى 25 لـ «كديما».
في الموازاة، ستبقى لحزب «العمل» المنافسة على المكان الثالث ضد «إسرائيل بيتنا»، الذي يبدو أنه ضمن الفوز مسبقاً، بحسب المقاعد الـ 18 التي تمنحها له الاستطلاعات، في مقابل نحو 15 إلى 17 لحزب «العمل» (مقارنة مع 19 حالياً).
ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي يطرح نفسه يرتبط بتداعيات هذا التوزيع الحزبي المتوقّع على الحكومة المقبلة وأشكالها وفرص نجاحها واستمرارها. فإسرائيل لم تشهد، خلال السنوات الـ 61 لوجودها، وضعاً يكون فيه حزب السلطة المفترض صغيراً وضعيفاً بهذا القدر (حكومة أرييل شارون عام 2001 كانت استثناءً، ناهيك عن أنه انتخب لرئاسة الوزراء مباشرةً وبغالبية ساحقة). ومن المؤكّد أن من شأن هذا الوضع أن يجعل تأليف الحكومة مهمة صعبة لرئيسها المكلف، كذلك سيجعل إدارتها وأداءها أكثر صعوبة.
فأولاً، بدأ «كديما» يتسلّى من الآن بفكرة المداورة في الحكم، أي التناوب على رئاسة الحكومة بينه وبين «الليكود» مناصفة، وذلك انطلاقاً من أن كتلة كل منهما ستكون شبه مماثلة من حيث الحجم.
وثانياً، وعلى فرض فوز «الليكود» بالكتلة الأكبر، فإن هذا سيجعله في مواجهة خيارات لا يبدو أن أيّاً منها سيؤمن له الاستقرار السلطوي الذي ينشده. أبرز هذه الخيارات:
ـ تأليف حكومة يمينية ضيقة، تضمّ كلاً من «الليكود» و«إسرائيل بيتنا» و«شاس» و«البيت اليهودي»، وربما أيضاً «يهودت هاتوراه». وبرغم أن بإمكان ائتلاف كهذا أن يستند إلى قاعدة برلمانية مريحة وشبه منسجمة تتألف من نحو 65 مقعداً، إلا أن احتمال اللجوء إليه يكاد يكون معدوماً في ضوء عدم رغبة بنيامين نتنياهو بتقديم نفسه على الساحة الدولية رئيساً لحكومة متطرفة.
ـ حكومة وحدة وطنية ضيقة، تضم كلاً من «الليكود» و«العمل»، إلى جانب «شاس» و«إسرائيل بيتنا» وبعض الأحزاب اليمينية الصغيرة. ولا تختلف القاعدة البرلمانية لهكذا حكومة عن الحكومة اليمينية كثيراً، وهي تبدو أحد الخيارات المفضلة لنتنياهو الذي لمّح أكثر من مرة إلى نيّته الإبقاء على إيهود باراك وزيراً للدفاع في حكومته، كما سرّب مقربون منه إلى نيّته الإبقاء على «كديما» خارج السلطة أملاً في تفككه.
إلا أن الصعوبات التي سيواجهها نتنياهو في هذه الحالة كبيرة، منها وجود تيار مؤثر داخل حزب «العمل» يعارض الجلوس مع زعيم «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، في حكومة واحدة، فضلاً عن فرص التوفيق بين الحزب الأخير، المتطرف في علمانيّتة، وحزب «شاس» الديني في أمور تتصل بعلاقة الدين بالدولة،
علماً بأن القاعدة البرلمانية الضيقة نسبياً لحكومة كهذه ستمنح الحزبين الأخيرين، وكذلك الأحزاب الصغيرة، قدرة كبيرة على الابتزاز نظراً لكونها قادرة على زعزعة الأكثرية البرلمانية للحكومة أو حتى نسفها حال انسحابها من الائتلاف.
ـ حكومة وحدة وطنية واسعة تضمّ «الليكود»، «العمل» و«كديما» أساساً، فضلاً عن «إسرائيل بيتنا» و«شاس» وما أمكن من الأحزاب اليمينية الصغيرة. البعد الإيجابي في ائتلاف كهذا هو استناده إلى قاعدة برلمانية واسعة (نحو 90 مقعداً) تتيح لرئيسه حيّزاً واسعاً من المناورة بين أطرافه الذين سيفقدون في هذه الحالة جزءاً كبيراً من القدرة على الابتزاز. إلا أنه من جهة أخرى، وفضلاً عن صعوبات الجمع بين بعض هؤلاء الأطراف في ائتلاف واحد، فإن الإشكالية الرئيسة بالنسبة إلى «الليكود» في خيار كهذا هي أنه سيكون من الناحية الفعلية أقلية داخل الحكومة، وسيكون مضطرّاً لدفع أكثر من نصف عدد الوزارات ثمناً لإشراك هذه الأطراف، وخصوصاً الكبار منها (العمل، كديما).
أمام هذه المعطيات، لا يعود مستبعداً، كما يعتقد المراقبون الإسرائيليون على كل حال، أن سمة التعثر التي ستكون لصيقة بالحكومة الإسرائيلية المقبلة ستقودها أولاً إلى الشلل السياسي، وثانياً إلى انتخابات مبكرة قد لا يستغرق الوصول إليها سنوات ثلاثاً، هي الفترة التي عمّرتها حكومة إيهود أولمرت.


معطيات انتخابية يشارك في السباق الانتخابي 33 لائحة انتخابية، تمثّل أحزاباً وتكتلات سياسية مختلفة، إلا أن التوقعات واستطلاعات الرأي تشير إلى أن 12 لائحة فقط ستتخطى نسبة الحسم الضرورية (2 في المئة) للفوز بمقاعد في الكنيست.
وكل إسرائيلي، بلغ الثامنة عشرة، يصوّت للائحة واحدة تمثّله في الكنيست، وتجري عملية توزيع المقاعد بالتناسب مع النسبة المئوية التي تحصل عليها كل لائحة تجاوزت نسبة الحسم من مجموع أصوات كل المقترعين.