بغداد ــ زيد الزبيديفشل تلو فشل، يُمنى به مجلس النواب العراقي، في انتخاب رئيس له، خلفاً لمحمود المشهداني الذي أُجبر على الاستقالة في 23 كانون الأول الماضي، على خلفية اتهامه بـ«الولاء لأجندات خارجية».
وبحسب التقسيمات الطائفية والعرقية للعملية السياسية الحالية، لا يحق لمجلس النواب التصويت على استقالة رئيسه أو إقالته، على اعتبار أنّ اختياره جاء ضمن صفقة توافقية شملت الرئاسات الثلاث: البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية.
ولا يجوز بقاء المنصب شاغراً، أو إدارته بالنيابة، لأنّ النائب الأول لرئيس البرلمان ينتمي إلى الطرف السياسي الذي يشغل رئاسة الحكومة، بينما ينتمي النائب الثاني إلى حزب رئيس الجمهورية.
وتبدو العملية شديدة التعقيد، لأنّ الاختيار الذي حصل على أساس الانتماءات الطائفية والعرقية، تضمّن تفصيلات داخل المكوّنات التي مثلتها آنذاك كتل «الائتلاف الموحد» و«جبهة التوافق» و«التحالف الكردستاني».
فعندما مُنحت رئاسة الجمهورية إلى جلال الطالباني، تنازل في مقابل ذلك عن رئاسة إقليم كردستان لمسعود البرزاني. وعندما مُنحت رئاسة الحكومة إلى نوري المالكي، تنازل حزبه «الدعوة» عن أي منصب وزاري ضمن حصة «الائتلاف الموحد». وعندما اختير محمود المشهداني لرئاسة السلطة التشريعية، وهو القيادي في «مجلس الحوار الوطني»، حصل ذلك في مقابل تخلّي «الحوار» عمّا يعادل ثلاث وزارات من ست مُنحت إلى «الحزب الإسلامي»، إلى جانب منصبي نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء، ورئاسة ديوان الرئاسة.
هذه المعادلة تعني أنّ التصويت على تبديل رئيس مجلس النواب، لا يكون تصويتاً على منصب معيّن، بل على ما يعادله من مناصب، وكلها يفترض أن تكون من حصة «مجلس الحوار الوطني»، المنضوي سابقاً تحت جناح «جبهة التوافق».
ويعتقد مراقبون أنّ إجبار المشهداني على الاستقالة، لم يكن بالإمكان أن يحصل، إلا إذا حصلت بناءً على مساومات مع «الحزب الإسلامي»، الذي يتمتع رئيسه طارق الهاشمي بحق نقض أي قرار يتخذه مجلس النواب.
وبحسب المراقبين، فإنّ التحالف الكردستاني لم يكن راغباً ببقاء المشهداني، بسبب تمريره المادة 24 من قانون انتخابات مجالس المحافظات، الذي نقضته رئاسة الجمهورية لاحقاً. وكذلك حال «المجلس الأعلى الإسلامي»، الذي اصطدم مراراً مع المشهداني، بالإضافة إلى الحزب الإسلامي الذي يطمح إلى الهيمنة على تمثيل العرب السنّة، بعدما انفرد بقيادة «جبهة التوافق».
ووفق مصادر الحزب الإسلامي، فإن اتفاقاً مسبقاً عُقد لترتيب إقالة المشهداني بين «التوافق» و«الائتلاف الموحد» و«التحالف الكردستاني»، شرط أن يبقى المنصب محصوراً بـ«التوافق». وقد أثار «نقض الاتفاق» غضب الحزب الإسلامي، ولا سيما بعد رفض بعض الكتل، ومنها «الدعوة»، و«الدعوة ـــــ تنظيم العراق»، إضافة إلى كتل أخرى، مرشح الحزب الإسلامي، أياد السامرائي، البريطاني الجنسية.
ويرى رافضو مرشح «الإسلامي» من داخل «الائتلاف الموحد» أنّ الاتفاق السابق نصّ على استبدال المشهداني بأحد مرشحي «التوافق»، لا الحزب الإسلامي حصراً، الذي استنفد استحقاقاته من المناصب. أما الكتل الأخرى الرافضة فهي أساساً تريد البدء بإلغاء المحاصصة الطائفية، وهي «القائمة العراقية» و«جبهة الحوار الوطني» والتيار الصدري وكتلة «الفضيلة» والكتلة العربية المستقلة.
وجاءت نتائج انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة لتفرز واقعاً بالغ الأهمية، وهو أن «المجلس الأعلى» لم يعد يمتلك أحقيّة قيادة «الائتلاف الموحّد»، بعدما نال ما نسبته 5.2 في المئة من أصوات الناخبين. كما أن «الحزب الإسلامي» أصبح هامشياً في معظم محافظات العرب السنّة، إثر خسارته في بغداد والموصل والأنبار، التي حصل فيها، مع المتحالفين معه، على المركز الثالث بنسبة 15.9 في المئة.
وأمام هذا الواقع الجديد من المنطقي أن يكفّ الحزب الإسلامي عن الادعاء بأنه ممثل العرب السنّة، أو أنّه يمتلك أكبر رصيد من التأييد بينهم. ويبدو أنّ الحزب فهم أخيراً المعادلة الجديدة؛ فأمام رفضه التنازل عن رئاسة البرلمان، ويقينه بصعوبة وصول مرشّحه السامرائي، اقترح أخيراً عن طريق المتحدث باسمه سليم الجبوري، حل رئاسة مجلس النواب، أو حل المجلس برمته. وفي كيله الاتهامات للأطراف التي «تريد إضعاف المجلس»، لم يتحدث الجبوري عن الاتصالات والاتفاقات الجانبية، التي أوصلت البرلمان إلى فراغه الحالي. وخير معبّر عن امتعاض «الإسلامي» من «انقلاب» الأحزاب الأخرى على «اتفاق» إطاحة المشهداني، دعوة القيادي في الحزب، عبد الكريم السامرائي، إلى إقالة حكومة نوري المالكي.
وحتّى الآن، ليس هناك حلّ معقول للمشكلة المرتبطة عضوياً بالطائفية العراقية الجديدة، التي تغطّي المناصب الحكومية الأخرى. لكن تبدو معركة رئاسة البرلمان شبه فاقدة للون والرائحة والطعم، لأنّ عمر البرلمان سينتهي بعد أقل من عشرة شهور.