بحيرة القرعون لم تخزن إلا 22 مليون م3 من أصل 100 مليوناًمحمد وهبة
«نحن في أزمة مائية كبيرة، وخصوصاً أن كميات الأمطار المتساقطة حتى اليوم قليلة جداً ودون المعدلات المطلوبة وسطياً، واستمرار هذا الأمر سيؤدي إلى صيف أعجف»، هكذا عبّر النائب ناصر نصر الله منذ يومين عن الأزمة المقبلة في صيف 2009. وحذّر في اتصال مع «الأخبار» من وجود مشكلة مائية «لم نصادفها منذ 50 عاماً». فقد أشار إلى أن متوسط كمية المتساقطات السنوية يفترض أن يصل إلى 600 ملم في كل الأنحاء اللبنانية، لكنه اليوم لم يتجاوز 250 ملم، كما أن طريقة التساقط لم تؤدّ إلى تغذية الحوض الجوفي والمياه السطحية كالينابيع.
ويستدل على هذا الأمر بما يحصل في بحيرة سد القرعون التي كانت تخزّن في هذا الوقت من السنة (وفي سنة دون المعدل) حوالى 100 مليون متر مكعب، «غير أن الكمية المتراكمة اليوم لا تتجاوز 22 مليون متر مكعب، وهذا المعدل لم نشهده منذ 50 عاماً، وسيكون مؤثّراً على الاستهلاك للشرب والزراعة والصناعة والحياة الحيوانية».
إلا أن هذا الأمر ليس مستجدّاً، فهو نتيجة طبيعية تراكمت على مدى سنوات. فقد قال وزير الطاقة ألان طابوريان لـ«الأخبار» إن هذه السنة «هي الثالثة التي تتراجع فيها معدلات تساقط المطر والثلوج، وهي أقل بنسبة كبيرة من المعدلات المسجلة في السنوات السابقة».
والمتعارف عليه بين خبراء الهيدرولوجيا المضطلعون بدراسة المياه الجوفية أن الكميات المأخوذة من هذه المصادر تتراجع سنوياً، فيما تلبية الطلب تحصل عبر مصدرين رئيسيين هما الينابيع والآبار الارتوازية.
وبحسب الخبير في الهيدرولوجيا غابي عبد النور، فإن الحاجة القصوى إلى الطلب على المياه في لبنان تكون في تموز وآب، وبالتالي فإن تلبية هذا الطلب كانت مرتبطة بتغذية الينابيع وبقدرتها وبمستوى إنتاجيتها وبتوقيت تفجّرها. ويعتقد أن هذه الينابيع كانت تتفجّر، سابقاً، في شهري أيار وحزيران، فيما أصبحت اليوم تتفجّر مبكراً في شهر آذار، وذلك بسبب قلة كميات المطر والثلوج المتساقطة.
ويشير عبد النور إلى أن الأمطار تغذّي المياه الجوفيّة طيلة فترة الشتاء، والثلوج تغذّيها في فترة ذوبانها في الربيع حتى مطلع الصيف، ما يوفّر قسماً من الطلب الاستهلاكي. إلا أن تراجع المتساقطات يؤدي إلى فقر في التغذية، بالتزامن مع تأثير عوامل ارتفاع درجات الحرارة في ذوبان مبكر للثلوج، ما يسهم بالتفجّر المبكر للينابيع، ويحوّل بعضاً من هذه الكميات إلى مياه تجري على سطح الأرض وتصبّ في البحر.
وما يعزز الاعتقاد بأن الأزمة مقبلة في وقت قصير، أن هذه الينابيع كانت تلبّي بين 40 و50 في المئة من الطلب على المياه للري ومياه الشفة، وذلك في ذروة الطلب، إلا أنها اليوم تبدو قاصرة عن هذا الأمر، ما سيدفع إلى البحث عن مصادر أخرى لتلبية الطلب الاستهلاكي، مثل الآبار الارتوازية. غير أنّ لهذا المصدر قصة طويلة أيضاً. إذ يرى عبد النور أنه قد استُخدم إلى درجة الاستنزاف في بعض المناطق اللبنانية، مثل الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، حيث لا مياه آبار حلوة، بل مياه مالحة من البحر وغير صالحة للاستهلاك بالشكل الذي هي عليه. فضلاً عن أن منسوب المياه الصالحة للاستهلاك يتدنّى دراماتيكياً. «منذ أعوام، كان مستوى إيجاد المياه في البقاع عبر حفر الآبار يصل إلى 20 متراً تحت الأرض، واليوم نحفر حتى عمق 150 متراً، وفي بعض المناطق نصل إلى 300 متر لنصل إلى المياه الجوفيّة، وهذه الظاهرة تنسحب على كل المناطق، وتؤشّر إلى تدنّي كميّات المياه الجوفيّة».
وبحسب إحصاءات وتقديرات غير رسمية يعدّها بعض الخبراء في المياه الجوفية، فإن 20 في المئة من مياه الآبار تستخدم للري، وذلك في منطقة البقاع، فيما يستخدم ما نسبته 30 في المئة لمياه الشفة في منطقة جبل لبنان. إلا أن الواقع يلفت إلى إمكان استغلال هذه الموارد الطبيعية استغلالاً أكبر لو كان حفر الآبار يخضع لتطبيق القوانين في ظل سياسة مائية واضحة. فالمياه الجوفية تختلط اليوم بمياه البحر، وهناك معايير للحفر والعمق الذي يمكن أن تبلغه في المناطق، والمسافة بين بئر وبئر... لكن يوافق الجميع على أنّه ليس هناك من يراقب.
وبالإضافة إلى هذه المشاكل الأساسية، كانت التوقعات تشير إلى أن زيادة المساحات المزروعة في لبنان تزيد الطلب على المياه. إذ إن ري 90 ألف هكتار أرضاً زراعية في لبنان يستحوذ على 64 في المئة من الموارد، فيما تتوزع مصادر الري بنسبة 30 في المئة من المياه الجوفية وبنسبة 70 في المئة من المياه السطحية، والتراجع في هذا المورد «سيكون خطراً على المشاريع الزراعية»، بحسب ما يقول النائب نصر الله.
وإذا ما قيس هذا الأمر بالنسبة إلى الزيادة السكانية وتراجع مستوى الموارد الطبيعية، يتبيّن أن شحّ المياه سيبدأ بالظهور أبكر من تلك التقديرات التي كانت تشير إلى عام 2025. فقد يشهد لبنان سنوات متقطعة من الأزمة، فيما الحلول لا تزال تتردد في الندوات ووسائل الإعلام من دون أن تجد طريقاً إلى التنفيذ، وهي تتمثل في الخطة العشرية للسدود التي وضعها المدير العام للموارد المائية فادي قمير، وتشمل إنشاء سدود وبحيرات صناعية تتجمّع فيها 1280 مليون متر مكعب من المياه التي تذهب هدراً إلى البحر، علماً بأن هناك حوالى 300 مليون متر مكعب من المياه الآسنة تصب في البحر المتوسط من لبنان، ويمكن الاستفادة من إعادة تكريرها لري 200 ألف هكتار.
ووفقاً لعبد النور، هناك حلّ علمي لإنتاج طريقة مساعدة لتغذية المورد الطبيعي عبر تغذية الأحواض والينابيع الجوفية من خلال حفر آبار وإيصال المياه الجارية إليها. «لكنّ الحل الأساسي يبقى في السدود»، يلفت طابوريان، «وهذا ما لم يحصل حتى اليوم، وبالتالي ليس لدينا حلّ سريع، وعلى المواطن التخفيف من استخدام المياه».
لكنّ نصر الله يعوّل على إنشاء لجنة أزمة تقوم بحملة إرشادية لاستهلاك المياه وتنظيم حفر آبار ارتوازية للمشاريع الزراعية.


1000 متر مكعب

هي حصة الفرد
السنوية من المياه التي يتوقعها الدكتور بسام همدر إذا استقرّت نسب المتساقطات في السنة الجارية على حالها، علماً بأن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أنها كانت في السنوات السابقة 1400 متر مكعب سنوياً


العجز المائي إلى 400 مليون م3