تمكن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو من تسجيل نقطتين في مرمى خصمين، أحدهما خارجي (أميركا) والثاني داخلي (إسرائيلي)، فهو من جهة التف على الرئيس الأميركي باراك أوباما، بطريقة مهينة، ورتب كلمة لنفسه أمام الكونغرس، كذلك تمكن من تسجيل هدف «مُرجِّح» في مرمى منافسيه في الانتخابات المقبلة، وخاصة أن زيارته للولايات المتحدة وإلقاءه كلمة في مكان مهم كالكونغرس، تنطويان على رسالة موجهة إلى الجمهور الإسرائيلي، وفيها أنه رغم تمسكه بمواقفه الايديولوجية وتصلبه السياسي على المسار الفلسطيني، تبقى المظلة الأميركية تحتضن تل أبيب، بقيادة اليمين، ونتنياهو أيضاً.

وقد استفاد نتنياهو من دعوة رئيس مجلس النواب الأميركي، الجمهوري جون باينر، إلى إلقاء خطاب في الكونغرس في الحادي عشر من شباط المقبل، لكنه عاود إرجاء الزيارة إلى وقت لاحق من العام الجاري، ليكون في مطلع آذار، حتى يحضر مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأميركية ـ الإسرائيلية «أيباك» في واشنطن.
رغم هذه المناورة، أعلن البيت الأبيض، يوم أمس، أن أوباما لن يلتقي نتنياهو أثناء زيارة الأخير. وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي، التابع للبيت الأبيض، برناديت ميهان، إن «سبب إحجام أوباما عن دعوة نتنياهو لمحادثات في البيت الابيض هو تجنب الظهور كمن يحاول التأثير في الانتخابات الإسرائيلية (المقررة) في وقت لاحق من ذلك الشهر (آذار)».
وإذ يشير قرار أوباما إلى تصاعد التوتر بين الزعيمين، فإنه أيضاً غير معتاد بدرجة كبيرة، لأن الرؤساء الزائرين من إسرائيل، الحليف الوثيق للولايات المتحدة، تقدم لهم الأخيرة فرصة لإجراء محادثات مع الرئيس الأميركي.
أوباما علم بالزيارة من بيان الجمهوريين... ورئيس التكتل الديموقراطي نفى استشارته في الأمر

مع ذلك، من الصعب تجاوز بعد آخر للخطوة لجهة أنها تعبر عن محاولة أميركية «جمهورية» للتأثير الإيجابي لمصلحة نتنياهو في التنافس الانتخابي، رغم سياقها الداخلي الأميركي. وعلى هذا، تنطوي هذه الخطوة على «إنجاز» سياسي سوف يحفر له مكاناً في سجل نتنياهو السياسي، وخاصة أن لتوقيتها دوراً حاسماً في بلورة مفاعيل داخلية إسرائيلية، بل ليس من المبالغة القول إنها تنطوي على إمكانية أن تشكل عاملاً مرجحاً في التنافس في الانتخابات العامة. كذلك لا تخفى البراعة التي يتمتع بها نتنياهو، وتحديداً عندما يكون معتلياً منصة الكونغرس الأكثر تأييداً لإسرائيل من أي جهة أخرى في أميركا نفسها، أو العالم.
ونقلت صحيفة «معاريف الأسبوع» عن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أن «نتنياهو مدعوّ لإلقاء كلمته في الأراضي الأميركية في أي وقت»، لكن كيري استغرب صدور الدعوة عن مكتب رئيس مجلس النواب، وليس عبر القنوات الدبلوماسية المعروفة.
أيضاً، قال زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي، هاري ريد، أمس، إن زعماء الجمهوريين في الكونغرس لم يستشيروه بشأن دعوة نتنياهو لإلقاء كلمة أمام جلسة مشتركة لمجلسي الكونغرس. وأضاف ريد، للصحافيين: «تربطني علاقة جيدة بنتنياهو الذي اتصل بي بشأن إصابتي في عيني، وهو ما أقدّره... لكنكم تعرفون أنه زعيم دولة، وسيأتي لإلقاء كلمة، لذلك سننصت لما سيقوله».
أما عن دوافع نتنياهو للإساءة إلى إدارة أوباما، فستبقى موضع تساؤل في ظل أنه ليس مضطراً إلى خطوة مشابهة، ولا سيما أن أوباما علم بالأمر عن طريق بيان الجمهوريين، وهي خطوة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين. تقول تقارير إعلامية عبرية إنها «نبرة غير مسبوقة، وغيظ لم يكن مكبوتاً كما اعتدنا، بل غضب عارم... بل إهانة مدوية». كذلك يأتي الإعلان عن دعوة نتنياهو بعد ساعات على تأكيد أوباما، في خطاب «حالة الاتحاد»، أنه يعتزم استخدام حق النقض «الفيتو» ضد أي قرار يصدره الكونغرس يتضمن فرض عقوبات إضافية على إيران.
وإلى جانب الأبعاد السياسية لما جرى، بدت الخطوة كأنها نكران للجميل، وخاصة أن نتنياهو لم يتوقف عن إرسال المطالب تلو المطالب، مرة عن محكمة الجنايات الدولية، وأخرى بشأن مجلس الأمن، وثالثة من أجل القبة الحديدية، وأيضاً المساعدة في الأمم المتحدة... وصولاً إلى أنه «لا يمر أسبوع من دون مطالب، وبعد ذلك نسمع في وسائل الإعلام أنه (نتنياهو) يرتب لنفسه دعوة للكونغرس»، وفق تعبير صحيفة «معاريف».
في السياق نفسه، قدَّرت الصحيفة أن تكون الأضرار التي يمكن أن تترتب على ذلك تتضاعف عن مراهنة نتنياهو على الجمهوريين للعلاقات مع البيت الأبيض قبل سنتين، فيما لم تستبعد أن يبادر أوباما خلال السنتين المتبقيتين من ولايته إلى محاسبة نتنياهو حساباً عسيراً، «وليس نتنياهو وحده، بل جميعنا معه».
أيضاً، رأت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن «نتنياهو ليس أول رئيس حكومة يستعين بالمؤسسة السياسية الأميركية في الطريق إلى صناديق الاقتراع»، لكنها قالت إن هذه المحاولة تخفق غالباً في تحقيق هدفها. وما يميز خطوة نتنياهو هذه المرة أن هناك صفقة متبادلة؛ فمن جهة يتدخل الحزب الجمهوري الأميركي في الانتخابات الإسرائيلية، وفي المقابل يتدخل حزب إسرائيلي في السياسة الداخلية هناك، «هم يساعدون نتنياهو للتغلب على منافسيه هنا، وهو يساعدهم على إذلال خصمهم هناك... هذه خطوة خطيرة وسامة».
وتناولت الصحيفة نفسها الموضوع الإيراني باعتباره القضية الخلافية الأساسية بين نتنياهو وأوباما، وأيضاً بين البيت الأبيض والحزب الجمهوري. وقالت: «ترددت أصوات لم يسبق أن سمعناها في مرحلة سابقة داخل الإدارة الأميركية تدعو إلى ضرورة الإيضاح لنتنياهو أن سلوكه هذا سيكون له ثمن، والتوضيح للإسرائيليين أن رئيس حكومتهم يفقد صديقاً حيوياً من أجل ربح سياسي قصير المدى». وحذرت «يديعوت» من أن من الممكن انتخاب رئيس ديموقراطي، لذلك «من الممنوع على تل أبيب أن تخسر الديموقراطيين. ففي الماضي كان الهاجس الإيراني هو الذي يجن نتنياهو من أجله، ولكن لم يعد الأمر كذلك الآن، فالسبب هو 17 آذار»، أي موعد الانتخابات المقبلة.
في الإطار نفسه، ينقل موقع «واللا» العبري أن قادة «الموساد» الإسرائيلي حذروا المشرعين الأميركيين وجهات أميركية أخرى من فرض عقوبات جديدة على إيران، وفقاً لتقرير لوكالة «بلومبرغ». وبناءً على هذا التقرير، فإن مسؤولين في «الموساد» أوضحوا أن عقوبات جديدة على طهران ستلحق الضرر بالمحادثات النووية بين إيران والدول العظمى، وهو ما يخالف موقف نتنياهو الذي دعا المجتمع الدولي إلى فرض المزيد من العقوبات على الجمهورية، في حين أن «الموساد» بعث برسالة إلى أفراد من الكونغرس زاروا إسرائيل، الأسبوع الماضي، في هذا الخصوص.
في المقابل، رأت وسائل الإعلام الأميركية أن الوصول المتوقع لنتنياهو إلى واشنطن «كدفعة إصبع في عين الرئيس أوباما»، في ظل توقعات بأن يشجع خطاب رئيس وزراء الاحتلال على فرض عقوبات إضافية على إيران. وقال الدبلوماسي الأميركي، مارتن انديك، الذي كان مبعوث جون كيري للمفاوضات، إنه «في أعقاب تدخل الجمهوريين في الانتخابات الإسرائيلية، كان على الديموقراطيين أن يدعوا رئيس المعسكر المعارض يتسحاق هرتسوغ ليلقي كلمة في واشنطن».