فنيش: مجلس الوزراء سيبت بملف الضمان الاختياري محمد وهبة
الصورة الشاملة التي يعكسها نظام الحماية الاجتماعية في لبنان لا تحتاج إلى إعادة تركيب تساعد على رؤيتها، بل إلى إعادة إنتاج، إذ إنها انعكاس واضح ومكشوف لطبيعة النظام اللبناني سياسياً ـــــ اقتصادياً ـــــ اجتماعياً الذي أصبحت أسيرته، على شاكلة الأحزاب والقوى السياسية ومدى فسادها. هذا ما تفصح عنه جلسات اليوم الأول لورشة العمل التي نظّمتها أمس منظمة العمل الدولية والاتحاد العمالي العام في مقر الأخير بعنوان «التأمينات الاجتماعية في لبنان وموقع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فيها حاضراً ومستقبلاً».

تركيز على الضمان

بدأت ورشة العمل بكلمات تقليديّة، واستؤنفت بنقاش وتحليل عميقين في الجلسة الأولى بين المعنيين والمطّلعين على أنظمة الحماية الاجتماعية، وهي تستمر اليوم وتُختتم السبت بجلسة لصياغة التوصيات.
ففي جلسة الافتتاح كان التركيز على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي كجزء أساسي من نظام الحماية الاجتماعية في لبنان. لكن جميع الكلمات انطلقت من تداعيات الأزمة المالية العالمية، فقد حذّر وزير العمل محمد فنيش من التذرع بها كحجّة لخفض الأكلاف وخفض التقديمات الاجتماعية من هذا الباب، مستحضراً تجربة خفض الاشتراكات في صندوق الضمان التي أدّت إلى انعدام التوازن المالي فيه، وأكّد أنه «لا يمكن إلغاء الصندوق وتقديماته لأن المطلوب التمسك بها أكثر في ظل الأزمة».
وجَزَمَ بتشخيص «مرض» صندوق الضمان، إذ يتمثّل في غياب التوازن المالي والعجز المتراكم، فضلاً عن عجز الضمان الاختياري الذي أُقرّ بلا دراسة فلم تغطّ قيمة الاشتراكات المحصّلة التقديمات المدفوعة، كما أن «الوسائل والآليات المتّبعة بالتعامل مع المضمونين متخلّفة عن تلبية الحاجات... ولذلك يقتضي إعادة التوازن المالي عبر مناقشة اقتراحات زيادة الاشتراكات ومراعاة متطلبات تحفيز الاقتصاد وتنشيطه واستكمال الإصلاحات الإدارية والرقابية»، واقترح أن تفي الحكومة مستحقّاتها للصندوق وأن تبتّ مصير الضمان الاختياري المحال عليها.
واستكمالاً لما أعرب عنه فنيش، رأى رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن أن «الأزمة كانت قائمة بكل مفاعيلها السلبية منذ عقد ونيّف... وإذا كنا قد أعربنا سابقاً عن قلقنا الشديد على صندوق الضمان فنحن اليوم وفي ظل الأزمة أشد قلقاً وأكثر توجّساً».
لكن فنيش ذهب أبعد من ذلك فرسم خطوطاً لسياسة اجتماعية ـــــ اقتصادية يرغب في تطبيقها، فوجّه انتقاداً إلى مجلس النواب في ما خص نظام التقاعد والحماية الاجتماعية بعدما توقّف طرحه على النقاش في اللجان النيابية، مشيراً إلى أنّ الحملات التي أُطلقت عليه «أخرجته عن مسار التصحيح والتحسين باتجاه تجميده»، داعياً المجلس النيابي إلى «فتح النقاش مجدداً». كما أعلن تطلعه إلى إنشاء صندوق ضد البطالة في لبنان.
ورأت المديرة الإقليمية لمنظمة العمل الدولية ندى الناشف أن العالم يواجه بعد الأزمة مجموعة من التحديات مثل زيادة نسب البطالة والأسعار... فيما نصف سكان العالم لا يتمتعون بضمان اجتماعي.

نسخة عن السياسة

والأبرز في الجسلة الأولى هو ما تعمّق في تحليل مظاهره وأسبابه الأمين العام لجمعية مصارف لبنان مكرم صادر والزميل محمد زبيب، بشأن نمط النظام الاجتماعي المعمول به في لبنان وأثر السياسات المتّبعة ومكوّنات الدولة فيه، وذلك في تعقيب على المحاضرة التي قدمتها كريستينا بهرنت من منظمة العمل الدولية. إذ اشارت إلى 8 مبادئ أساسية تمثّل الحد الأدنى من معايير الضمان الاجتماعي، منها منافع ضد البطالة والإعاقة فضلاً عن مسؤولية الدولة وتمويل التقديمات الصحية وضمان التقاعد والشيخوخة... فهل هذه المنافع تصل إلى مستحقيها؟ وهل هي فعالة في إخراج الناس من الفقر؟ هل يمكن تقويمها؟ وهل توفر الإعانات المناسبة للعائلات المناسبة؟
أجمع صادر وزبيب على مسؤولية الأحزاب السياسية وتفلّت الكتل النيابيّة من مسؤولياتها في تطوير نظام الحماية الاجتماعية وتعزيزه في لبنان. فأجاب صادر عن أسئلة بهرنت محمّلاً الدولة مسؤولية عدم وصول الإعانات أو التقديمات الاجتماعية إلى مستحقيها، راسماً صورة أشمل لنمط المساعدات الاجتماعية غير الرسمية، معتبراً أنها نسخة من آلية عمل الأحزاب السياسية المرتبطة طائفياً بحساباتها الخاصة.
ولفت إلى مؤشرات مقلقة اجتماعياً، منها مستوى الأجور وكفايته على الحاجيات اليومية للعامل، وتوزع المداخيل، مستهجناً تعاطي الأحزاب مع الفقراء، حيث حوّلوا المساعدات المقدمة إليهم إلى توظيف سياسي «لا يؤدي إلى بناء مجتمع منتج».
وانتقل إلى دراسة تأثير النمو الاقتصادي في نظام الحماية الاجتماعية، فأكّد أنه لا يمكن تحسين النظام وتطويره من دون نمو يبلغ معدله 7 في المئة و8 في المئة بطريقة مستدامة وعلى فترات متوسطة (بين 7 سنوات و10)، علماً بأن لبنان لم يحقق في الفترة الأخيرة إلّا ما معدله 3 في المئة. لكن النمو، بحسب صادر يحتاج إلى ثلاثة محاور أبرزها إعادة هيكلة قطاع المؤسسات وإيجاد أسواق لتصريف منتجاتها، وعدم تحميل ميزانية المؤسسات زيادة في تمويل أي مساهمات اجتماعية لا في الضمان الاجتماعي ولا في غيره، وأخيراً إيجاد صيغ تمويل متوسط وطويل الأمد للمؤسسات.
أما زبيب، فقد رأى أن غياب الدولة تعبير عن النظام الطائفي الذي لا يؤمّن العدالة وتكافؤ الفرص، إذ فرض هذا الأمر على الاقتصاد التحوّل إلى طبيعة ريعية تفتقد قيم الإنتاج، وباتت أنظمة الحماية الاجتماعية مشتّتة وضعيفة بكلفة مرتفعة ولا تصيب مستحقيها بل انتهت كقنوات «توزيع سياسي»... واستدل بما أقرّته الكتل النيابية وتفلّتت منه لاحقاً في ورشة عمل للاتحاد الأوروبي، فقد توافقت كل الكتل على نظام للتقاعد والحماية الاجتماعية وأقرّت نقيضه في اللجان النيابية المشتركة.


60 في المئة

هي نسبة الأجراءالمياومين غير المشمولين بأي نظام تغطية صحية وينطبق عليهم وصف «الحرمان الصحي» أي إنهم لا يستطيعون الاستفادة من أيّ من الخدمات الصحية التي توفّرها وزارة الصحة أو وزارة الشؤون الاجتماعيةأو غيرهما


لا للتعميم