تفجير المشهد الحسيني في مصر يعني أمراً واحداً: عشّاق الموت يعودون. عودة تحت شعار «الجيل الثالث» من الإرهاب، وذلك بعد أيام من إعلان أمراء الجهاد توبتهم. انتقام سيُبقي مصر طويلاً بين مطرقتين: النظام والإرهاب
وائل عبد الفتاح
موجة جديدة من الإرهاب. هذا ما توقّعه خبراء الأمن السياسي والجماعات الإسلامية بعد دقائق من انفجار المشهد الحسيني. تحمل القنبلة مع البارود، قسوةً، وشعوراً ثقيلاً بالموت. عاد شبح التفجيرات. أصحاب نظرية المؤامرة يرون أنّ هذه تفجيرات مدبّرة ليمرَّر قانون الإرهاب. وهذه تصورات مبالغ فيها، ببساطة لأنّ النظام لا يحتاج إلى تبرير، كذلك فإنّ التفجير يربك الدولة أمنياً واقتصادياً.
هي قنبلة موجهة إلى علاقة المصريين بالعالم. فالسياحة ليست فقط مصدر دخل أساسي، بل أيضاً أحد الأبواب القليلة على عالم يطير، بينما العالم هنا مثقل بالخرافات.
السياح هم أشخاص مدنيون قادمون في رحلة إلى الحضارة. ليسوا جنوداً في جيوش احتلال، ولا مندوبي إمبراطوريات عملاقة. هم مجرّد طالبي متعة وتواصل مع مصر القديمة، مبدعة القيم الكبرى في التسامح وعدم الاعتداء على الآخر أيّاً كان.
قنبلة المشهد الحسيني عودة إلى أيام القلق والخوف وانتظار الموت في أي لحظة، وأي مكان. عشاق الموت يعودون. هل هي عودة عابرة، أم موجة جديدة للإرهاب؟ لم تُكشف بعد التفاصيل عمّا وراء التفجيرات. التفاصيل الوحيدة المتاحة حتى اللحظة، أنها قنبلة بدائية، وعملية ساذجة نفّذها هواة.
ربما ليسوا هواة تماماً. احتمال أنهم هم خبراء أرداوا تنفيذ عملية بهذه السذاجة، لكي تمرّ من تحت عين الأجهزة الأمنية؛ فمن الصعب في مصر تنفيذ عملية كبيرة في قلب القاهرة.
أيضاً، ربما التفجير امتداد لعمليات بدأت في ٢٠٠٦، وفي المكان نفسه تقريباً. عمليات من نوع جديد. «جهاد نائم» لا تعرفه الأجهزة الخبيرة بتنظيمات العنف الإسلامي التقليدية. وفي التوقيت نفسه، برزت مفاوضات الأمن، مع أمراء الجهاد في السجن، لإعلان التوبة. التوقيت مهم، فالرسالة القوية التي تقف خلف هذه التفجيرات، تأتي في مراحل مهمة من صفقة الأمن مع الجماعات «التائبة».
في ٢٠٠٥، بدأت المفاوضات. في الأسبوع الماضي اكتملت الصفقة. إنها إشارة إلى أن الإرهاب لم ينته بالتوبة، وهذه هي الموجة الثالثة من التطرف الإسلامي. الثالثة لأنّ الأولى كانت مع الإخوان المسلمين في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، والثانية بدأت في السبعينيات مع «التكفير والهجرة».
الموجة الثالثة فردية، وتعقد صلاتها بعالم تنظيمات الجهاد من طريق روابط افتراضية، أي عبر الإنترنت. «جهاد افتراضي» يردّ على توبة الجهاديين المقيمين في سجون النظام الذي لم يتغير... والتوبة مفروضة.
الموجة الثالثة أكثر تطرفاً. ولأنّها أكثر فرادة، فإنها أقرب إلى شطحات غير منظمة تناسب عدم التوافق مع المجتمع المستسلم. والنظام الجبار يغلق قنوات السياسة، ويطحن معارضيه ويمتصهم في رماله الناعمة، ولا مجال للتوازن معه، سوى اللجوء لسلطة علوية أقوى ولا خلاف عليها.
الحرب باسم الله ستعود، لأنّ النظام دمّر كل إمكانات المعارضة الأخرى، وأغلق أبواب التغيير، وليس هناك فرصة إلا لجيوش اليائسين تحت راية، إما أن تحقّق له النصر على الحاكم الكافر، وإما أن تضمن له الجنة، وهذا أضعف الإيمان.
اليأس هو أول مصانع التطرف، وعلامات الموجة الجديدة ظهرت في عمليات خان الخليلي وشرم الشيخ وطابا ودهب، حيث بدا أن هناك استخداماً لنظام متبع في شركات البيزنس العملاقة. نظام اسمه «الفرانشيز»، يمنح امتياز العلامة التجارية لوكلاء في مصر أو خارجها، شرط تحقيق شروط أساسية لأصحاب العلامة. وكل ذلك من دون تدخل مباشر في الإدارة، هناك فقط اتفاق على الخطوط والأهداف العامة.
«الفرانشيز» تحوّل من موضة في البيزنس إلى أسلوب لتنظيمات إرهاب مسلّح، تمنح علامتها لتنظيمات صغيرة تعمل بتوجيهات أساسية، لكنها مستقلة ومحدودة العدد والامتداد.
ربما هذه موجة «الفرانشيز» في الإرهاب. والتفاصيل يمكن أن تقدم تفسيراً مختلفاً عن قنبلة المشهد الحسيني. لكنها منذ اللحظة الأولى، تثير أسئلة عن مستوى السذاجة والبدائية في تنفيذ العملية. هل هي عملية انتقام شاركت فيها عناصر خارجية رداً على المواقف الأخيرة لنظام حسني مبارك؟ هذا هو التفسير الأكثر انتشاراً: المشهد الحسيني في مقابل غزة.
لكن العملية تبدو أقرب إلى جيل «الفرانشيز». ربما هو انتقام هذا الجيل من مواقف النظام، لكنه انتقام سيعزز هذا النظام، لا بل سيجدد تبريراته، وسيحولها إلى خوف أبدي. خوف سيجعل مصر بين مطرقتين: النظام والإرهاب.