لم يطل الأمر كثيراً، حتى أعلن الملك السعودي الجديد، سلمان اسم وليّ وليّ العهد: محمد بن نايف ليكون بذلك أول أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز من يتبوأ المنصب، وبالتالي حمل راية «آل سعود» في حكم السعودية مستقبلاً.
وقال الأمر الملكي بتعيين الأمير محمد بن نايف الذي بقي في منصبه وزيراً للداخلية، الذي بثته وكالة الأنباء السعودية «واس» إنه «بعد الاطلاع على ما عرض على أعضاء هيئة البيعة حيال اختيار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود ولياً لولي العهد، وتأييد ذلك بالأغلبية، وبناءً على ما تقتضيه المصلحة العامة، فقد اخترنا صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود ولياً لولي العهد وأمرنا بتعيين سموه نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للداخلية».
منصب وليّ وليّ العهد استحدثه الملك عبد الله في 27 آذار من العام الماضي، وعيّن أخاه غير الشقيق الأمير مقرن في هذا المنصب، على أن «يبايع ولياً للعهد في حال خلوّ ولاية العهد، ويبايع ملكاً للبلاد في حال خلوّ منصبي الملك ووليّ العهد في وقت واحد».

تعيين مقرن ألغى العمل وفق الآليات المعينة التي حددها نظام هيئة البيعة لتعيين وليّ العهد. وتنص المادة السابعة من نظام هيئة البيعة على أنه «يختار الملك بعد مبايعته، وبعد التشاور مع أعضاء الهيئة، واحداً، أو اثنين، أو ثلاثة، ممن يراه لولاية العهد ويعرض هذا الاختيار على الهيئة، وعليها بذل الجهد للوصول إلى ترشيح واحد من هؤلاء بالتوافق لتجري تسميته ولياً للعهد. وفي حالة عدم ترشيح الهيئة لأيٍّ من هؤلاء فعليها ترشيح من تراه ولياً للعهد».
الملك الجديد أبقى على خطوة أخيه عبد الله الذي كان قد ترك للملك القادم الحق في الإبقاء على الأمر الملكي القاضي بتعيين وليّ وليّ العهد من عدمه. ونص الأمر الملكي حينها على أنّ «للملك ـ مستقبلاً ـ في حال رغبته اختيار وليّ لوليّ العهد أن يعرض من يرشحه لذلك على أعضاء هيئة البيعة، ويصدر أمر ملكي باختياره بعد موافقة أغلبية أعضاء هيئة البيعة».
وبتعيين محمد بن نايف، تكون الأسرة المالكة قد حسمت عملياً مسألة الانتقال إلى الجيل الثاني.
ولد محمد بن نايف بن عبد العزيز في 30 آب 1959، وهو أحد أبناء وليّ العهد الراحل، الأمير نايف بن عبد العزيز من زوجته الأميرة الجوهرة بنت عبد العزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود.
تقول السيرة الذاتية المنشورة عنه إنه خريج علوم سياسية من الولايات المتحدة في عام 1981 عمل في القطاع الخاص إلى أن عين مساعداً لوزير الداخلية للشؤون الأمنية بالمرتبة الممتازة بأمر ملكي في عام 1999، ثم عيّن بعدها بعام مساعداً لوزير الداخلية للشؤون الأمنية بمرتبة وزير بأمر ملكي، وفي ذات الوقت ضمّه وليّ العهد حينها عبد الله بن عبد العزيز إلى عضوية المجلس الأعلى للإعلام، وبقي في منصبه لأربع سنوات.
عينه الملك الراحل، عبد الله، في منصب وزير الداخلية في 5 تشرين الثاني من عام 2012 خلفاً للأمير أحمد بن عبد العزيز آل سعود.
أخذ محمد بن نايف على عاتقه ضمن عمله الأمني مواجهة التنظيمات المتشددة في السعودية، وعلى رأسها تنظيم «القاعدة»، وقد نجح إلى حدٍّ كبير في تقويض «القاعدة» المسؤول عن موجة هجمات دامية في البلاد بين 2003 و2006، وهو يشرف على التنسيق الأمني مع الولايات المتحدة.
ويرى البعض أن وصول محمد بن نايف إلى منصب وليّ وليّ العهد يعني أن «الملك المقبل سيولي مهمة الأمن أولوية قصوى»، خصوصاً في ظل الأخطار الأمنية التي تواجه السعودية، وأهمها خطر تنظيم «داعش» على الحدود مع العراق، وفي ظل اشتراك السعودية في «التحالف الدولي» لمحاربة التنظيم. ويضيف أن «هذا يريح الشركاء الخارجيين وخاصة الولايات المتحدة»، وهو يعتبر صديقاً «مهماً» لواشنطن ورجلها «الأمين» بين أحفاد الملك المؤسس.
نجا محمد بن نايف من الموت إثر تعرضه لهجوم في 27 آب 2009 عندما اقترب مسلح منه مدعياً رغبته في تسليم نفسه ثم فجر قنبلة مخبأة في ملابسه تبناها تنظيم «القاعدة»، وقال دبلوماسي غربي لـ«الواشنطن بوست» إثر محاولة الاغتيال إنه «لو نجحت العملية لكانت أكبر تهديد لخطط السعودية في مواجهة الإرهاب». وتعرض محمد بن نايف ـ بحسب وزارة الداخلية ـ لعدة محاولات اغتيال، كان من بينها محاولة في مكتبه في الوزارة، ومحاولة أخرى من خلال إحدى الجماعات الإرهابية أثناء زيارته لليمن.
وصفته صحيفة «الواشنطن بوست» الأميركية قبل سنوات عدة بـ«المسؤول الذي يقود أكبر حملة لمكافحة الإرهاب في العالم»، في تقرير نُشر عام 2003 عن الأحداث الإرهابية التي شهدتها السعودية.
وكانت برقية للسفارة الأميركية يعود تاريخها لآذار 2009 نشرها موقع ويكيليكس قد وصفت الأمير محمد بأنه وزير الداخلية الفعلي، وقالت إنه «يحظى بمكانة عالية لدى العاهل السعودي عبد الله... ويحظى باحترام كبير بين عامة السعوديين».
وبغضّ النظر عن وجهات نظره الشخصية، اتبع محمد بن نايف خطى والده في الحفاظ على علاقات وثيقة مع المحافظين، وهم مجموعة ينظر إليها في الدوائر السياسية السعودية عادة على أنها أكبر تهديد محتمل للحكومة.
وكان المحافظون دينياً وراء انتفاضتين في 1927 و1979 وساندوا حركة الصحوة الإسلامية في التسعينيات. عبّر وليّ وليّ العهد الجديد في أكثر من موقف عن إيمانه الديني المتشدد، وفي تصريح سابق له أكد محمد بن نايف، أن مواقف الرياض تجاه المنطقة تنطلق من «العقيدة الإسلامية النقية من كل تحزب». ويقول صديق لمحمد بن نايف إن مكتبه لا يزال يعمل فيه رجال من غلاة المحافظين.
وفي حديثه عن محمد بن نايف، غرد «مجتهد» سابقاً على صفحته في موقع «تويتر»: «لا يوجد من يعلّق الجرس في الأسرة إلا محمد بن نايف»، موضحاً: «وهذا (محمد بن نايف) شخص حذر لا يتحرك إلا بخطوات محسوبة».
ومنذ توليه وزارة الداخلية قبل عامين، لم تخفّ قبضة الحكومة على المعارضة، إذ ألقي القبض على عدد من النشطاء وسجنوا لاتهامات من بينها الحديث إلى وسائل إعلام أجنبية في ظل ما عرف بأحداث القطيف التي انطلقت في أعقاب «الربيع العربي» في 2011.
لا تزال رؤى محمد بن نايف غير واضحة، فالدبلوماسيون والمحللون السعوديون والأكاديميون غير متأكدين من موقفه من القضية الكبرى الطويلة الأجل المتمثلة في المواءمة بين التغيير الاجتماعي وجيل الشباب وبين التقاليد المحافظة والاقتصاد المعتمد على النفط.
وفي أسرة حاكمة توضع فيها السياسات الكبرى بتوافق الآراء ... قد تسهم آراء الأمير محمد في رسم السياسة الخارجية أيضاً.
وتظهر برقيات السفارة الأميركية التي نشرها موقع ويكيليكس أنه كان متشدداً على نحو ما إزاء إيران وكان يستشير المسؤولين الأميركيين بشأن أفضل السبل لحماية البنية الأساسية «حال نشوب حرب مع إيران».
إلا أن تركيزه على خطر ظهور موجة جديدة من المتشددين في الداخل أهم في رسم السياسة السعودية تجاه سوريا التي أتاحت تقديم المزيد من المساعدات الحكومية للمعارضة مع ثنيهم المواطنين عن التبرع أو السفر للقتال في بلاد الشام.
(الأخبار)