الخريطة الشيعية في عراق ما بعد انتخابات المحافظاتبغداد ــ زيد الزبيدي
كرّست انتخابات مجالس المحافظات العراقية الأخيرة مواصلة مشاركة التيار الصدري في «العملية السياسية». صحيح أنه لم ينل ما كان يصبو إليه من مواقع متقدمة بموجب نتائجها، إلا أنه أصبح «بيضة القبان» التي ترجّح هذه الكفة أو تلك.
وأكثر ما يلفت المراقبين السياسيين هو أنّ «تيار الأحرار المستقل»، الذي دعمه التيار، والذي حاز مراتب ثانية وثالثة في بغداد والعديد من محافظات الوسط والجنوب، لم يضمّ أسماءً معروفة بانتمائها إلى الصدريين، بينما أخفقت القائمة الثانية المدعومة من التيار أيضاً، «النزاهة والبناء»، التي يرأسها القيادي في الصدري، لواء سميسم، في تحقيق نتائج تُذكَر، رغم علاقة القربى التي تربط سميسم بالسيد مقتدى الصدر، الأمر الذي يشير إلى إخفاق سياسي للتيار، الذي أصبح مسؤولوه يتحدثون نيابةً عن القائمة الفائزة، بمعزل عن أمينها العام، أمير الكناني.
ويرى البعض أنّ هذا خطأ فادح يرتكبه التيار الصدري، بإعطاء «صفة طائفية» لـ«تيار الأحرار»، الذي يفترض أن يكون مستقلاً وغير طائفي كما ادعى قبل الانتخابات.
ووفق المعطيات الأولية، فإنّ «الأحرار»، ومن خلفه الصدريون، سيتحالف مع قائمة رئيس الوزراء نوري المالكي، «ائتلاف دولة القانون» «الشيعية الدعوية» التي حصلت على الأصوات الهائلة بسبب خطابها ضدّ الطائفية، وسطوة الميليشيات، والتقسيم وضد تسييس الدين، إضافة إلى ما يراه كثر «شراء» عشائر الإسناد.
ومعروف أن حزب «الدعوة»، لا يمتلك الرصيد الجماهيري أو التنظيمي الذي يتناسب مع ما حققته قائمة المالكي من نتائج كبيرة. ويلاحظ المراقبون السياسيون أنّ «حملات وصولات» المالكي العسكرية، كانت تستهدف التيار الصدري و«جيش المهدي» بالدرجة الأولى. إلا أن هذا التيار ظل يعمد إلى تجنّب الاصطدام مع الحكومة، لأنه ربما كان متأكداً من أنّ المدبر لهذه الحملات والصولات، هو طرف آخر، غير المالكي، وتحديداً «المجلس الإسلامي الأعلى».
غير أن أهم ما برز في المعارك مع «جيش المهدي»، هو اندفاع تنظيمات «المجلس الأعلى»، وميليشيات «بدر»، المتغلغلة في الأجهزة الأمنية، للتنكيل بخصومها على الساحة الشيعية، لتتمكن من الانفراد بالمالكي وحزبه لاحقاً، في مقدمة لاحتوائه أو إسقاطه.
لكنّ «المجلس» أدّى الدور نفسه تقريباً، الذي سبق وأداه التيار الصدري و«جيشه» خلال الحرب الطائفية، ما أعطى إشارات واضحة للمتابعين بأنّ الدور آتٍ لا محال على «المجلس الأعلى» وتوابعه. وبعد مرحلة تمزّق «الدعوة» وضرب التيار الصدري وإضعافه جماهيرياً، آن وقت «المجلس الأعلى»، لا لتخلو الساحة أمامه، بل لضربه، ليس عسكرياً، بل عبر الانتخابات المحلية. انتخابات كان يأمل فريق المالكي منها (وهكذا حصل)، أن تُنتج مجالس محافظات لا يروقها وجود قوات أمنية ميليشياوية، وستسعى إلى تفكيكها وضربها «بأسلوب ديموقراطي»، لأنّ الانتساب إلى الأجهزة الأمنية مشروط بعدم الانتساب إلى أحزاب أو ميليشيات، «وهذا ما يشمل الأكراد أيضاً، في مرحلة لاحقة».
وبينما تُجرى المباحثات والمشاورات لتأليف ائتلافات لإدارة المحافظات، يختلف التيار الصدري مع الحكومة والمالكي في نقطة جوهرية: الصدريّون يسعون إلى اتفاق يشمل كل المحافظات، بينما تريد الحكومة ائتلافات في كل محافظة على حدة، بموجب النِّسَب التي حصل عليها كل مكوّن.
كذلك يسعى «المجلس الأعلى» حالياً إلى ما يسمّيه إعادة توحيد «الائتلاف الموحد»، لأنّ كتلة «الفضيلة» تكاد تكون منسجمة مع أطروحات «الدعوة» والتيار الصدري. وحتى لو أراد «المجلس» حواراً لإعادة «الائتلاف»، على قاعدة تخلّيه عن زعامته، يبقى الحوار صعباً، لاختلاف رؤيته ومواقفه عن الآخرين، إضافة إلى كونه المرشح لتلقّي ضربات الإضعاف المقبلة.
وتبرز أهم نقاط الاختلاف في سعي معظم الأطراف الشيعية إلى تحالف يقوّي الحكومة المركزية، لا تأليف الفدراليات، كما يريد «المجلس الأعلى»، المتحالف مع القيادات الكردية.
وبحسب القيادي في الكتلة البرلمانية الصدرية، نصار الربيعي، فإن ذهنية التحالفات المقبلة للتيار الصدري «لن تُبنى على أساس الانتماء المذهبي»، مشيراً إلى أن «نتائج انتخابات محافظات الوسط والجنوب، جاءت بمثابة استفتاء شعبي، جدّد المواطنون فيه، رفضهم لفكرة الفدرالية ومن ينادي بها، ويؤيدون القوى التي تتبنى فكرة إقامة حكومة مركزية قوية».
ويدور الحديث اليوم في الشارع العراقي عن تحالف «شيعي ــ شيعي» في الجنوب والوسط، لأنّ جميع الفائزين هم واجهات سياسية ذات مضمون طائفي، ولأنّ الانتخابات الأخيرة لم تغيّر الخريطة السياسية في الوسط والجنوب، بل غيّرت نسب التمثيل فيها فقط. هكذا تمّت إعادة تعبئة «الشراب القديم بزجاجات جديدة».
وفي إطار الحديث عن الجنوب والوسط، قد تشذّ محافظة كربلاء عن القاعدة، لأنّ الفائز الأول فيها، يوسف الحبوبي، خارج عن الأحزاب الطائفية الشيعية، فهو «بعثي سابق». وتلي الحبوبي، قائمة «أمل الرافدين» التي لا تحمل توجهاً طائفياً أيضاً، ثم قوائم المالكي و«الأحرار» و«المجلس» و«القائمة العراقية».
وإذا كان الطابع السياسي الطائفي هو السائد في محافظات الجنوب والوسط، فإنّ للعاصمة بغداد توجهاً مختلفاً، يتطلب توافقات سياسية، طائفية وعلمانية، إذ تصدّرت قائمة المالكي الكتل الفائزة، بشعارات أقرب إلى العلمانية، وحلّت بعدها بالتساوي قائمتا «الأحرار» و«التوافق» (السنية)، تليهما «القائمة العراقية الوطنية» (العلمانية)، وبعدها قائمة «المجلس الأعلى».


مشاركة... لا مشاركةإلا أنّ كل المعطيات كانت تشير إلى غير ذلك، وأنّ التيار كان يناور لتجنّب منعه من خوض الانتخابات، لكونه يمتلك ميليشيات مسلحة. ما أكّدته الانتخابات، وما سبقها، هو أنّ التيار الصدري لم يكن قادراً على التنازل عن استحقاقه الانتخابي، لغريمه في الشارع «الشيعي»، «المجلس الأعلى الإسلامي»، الذي أسهمت «ميليشياته الرسمية» في توجيه ضربات قاسية إلى التيار، و«جيش المهدي».
ولم يكن التيار ليجرؤ على إعلان إنهاء وجود «جيش المهدي»، المجمد حالياً، لكون ذلك يتناقض مع «مقاومة الاحتلال»، في وقت لم يكن غيه جزء من هذا «الجيش» سوى أداة بيد مشعلي الحرب الطائفية، ما دفع السيد مقتدى الصدر إلى إنشاء «خلايا خاصة بمقاومة الاحتلال».