القاهرة | بينما كانت العمليات العسكرية ضد القوات المصرية في سيناء تتصدر تبنيها مجموعات جهادية مسلحة، معروفة للدولة، فإن سلسلة التفجيرات التي تضرب العاصمة والمحافظات بين حين وآخر، لا يعرف بالضبط من يقف وراءها. وإن كان التقدير أن هؤلاء «المجهولين» ليسوا على حرفية عالية بناءً على القنابل البدائية التي يستخدمونها، مع أنها تودي بحياة اثنين أو ثلاثة في كل تفجير.
واليوم، تحل ذكرى ثورة 25 يناير في ظل تشديد أمني كبير، فيما تتزايد معدلات «عمليات الانتقام» من منتسبي قوات الأمن والقضاء، عبر «المجهولين»، وفق وصف البيانات الرسمية. وسجلت بيانات وزارة الداخلية عدداً من عمليات الاعتداء على المنشآت الرسمية وأماكن تابعة قوات الأمن، طاولت حتى محيط القصر الجمهوري في منطقة حدائق القبة في القاهرة.

نظرياً، فإن القاعدة الجنائية المشهورة تربط بسهولة بين «المجهولين» وجماعة الإخوان المسلمين المحظورة، فيجري اعتبارهم إحدى أدوات الجماعة في صراعها مع النظام منذ 18 شهراً. إذ يصعب التحقق الكامل من وجود توجيهات «مؤسسية» داخل صفوف الجماعة باعتماد «العمليات الانتقامية»، لكن حالة من الاحتفاء بأخبار هذه العمليات ترصد بسهولة بين أنصار الإخوان ومواقع الجماعة الرسمية وشبه الرسمية. فيلتقط من ذلك دلالة على تأييد الإخوانيين وأنصارهم هذه العمليات، رغم إعلان الجماعة في بياناتها الرسمية أنها تلتزم سلمية الحراك المناهض للعسكر، في إطار ما تصفه بـ«السلمية المبدعة».
عمليات «المجهولين» وأهدافهم تتعدد، فهم يزرعون القنابل الحارقة والعبوات الصغيرة أسفل سيارات ضباط الجيش والشرطة ووكلاء النيابة والقضاء، ويهاجمون منازل من يتهمونهم بـ«البلطجة» المعتدين على المسيرات، وممتلكاتهم التجارية، ويحرقون بعض المحولات الكهربائية والمباني الإدارية النظامية، ونقاطاً للتمركز الأمني والمروري والاستراحات الرسمية للضباط والقضاة. ولا تخلو أعمالهم من مهاجمة وحرق سيارات الشرطة، فيما تظهر «على استحياء» التصفيات الجسدية لبعض منتسبي الأجهزة الأمنية في فئاتها الأدنى، مثل أمناء الشرطة والمخبرين، لكن هذه الأخيرة تتبعها حملات أمنية عنيفة على المناطق التي تشهد استهداف منتسبيها.
أما داخل الجماعة، فتتضارب الأنباء عن صلتها بـ«المجهولين»، ففيما يؤكد أكثر من مصدر، له دور تنسيقي في إدارة التظاهرات والاحتجاجات أن الجماعة تدير تنظيمياً عبر أحد قطاعاتها أعمال «المجهولين»، ينفي آخرون بشدة انتساب هذه المجموعات تنظيمياً إلى الإخوان، مبررين الاحتفاء بعملياتهم بحالة الغليان الناتجة من الانتهاكات التي يتعرض لها منتسبو الجماعة في السجون والتمييز القضائي ضدهم، وخاصة «التوسع في اعتقال الفتيات والسيدات ومحاكمتهنّ، وهو ما يولّد رد فعل عنيف ضد قوات الأمن باعثه الأساسي اجتماعي وليس سياسياً».
ويستدل الطرف الأخير بأن الجماعة عقدت لأنصارها جلسات «توضيح رؤية» غير دورية، لتوضيح الموقف الرسمي عبر الأطر التنظيمية في الأحداث الطارئة، إذ تشدد هذه الجلسات على السلمية وعدم الانسياق وراء دعوات العنف والانتقام.
ولتقريب المسافة بين الرأيين، المؤكد والنافي، يمكن القول إن القطاع المستحدث (المجهولين) هو قطاع استثنائي لا يعلم به إلا القائمون عليه اتقاءً لـ«الضربات» الأمنية التي تتلقاها الجماعة منذ عزل الرئيس محمد مرسي، قبل أكثر من عام ونصف. لكن من الصعب فهم حدوث تحول فكري في صفوف الجماعة وانتقالها إلى إطار الحركات الجهادية على الساحة المصرية، مثل أجناد مصر وأنصار بيت المقدس. ومع ذلك، من المؤكد وجود مخزون كبير من الغضب والرغبة في الانتقام في صفوف شباب الجماعة، وهو توجه سهلته الضربات الأمنية العنيفة ضدهم، ومحاصرتهم اجتماعياً واقتصادياً. كذلك إن القبض على الصفوف الأربعة القيادية في التنظيم أسهم في حالة من السيولة والتفكك، رغم أنه مشهور بالقبضة الحديدية والسيطرة الكاملة والمطلقة على أعضائه.
في المقابل، لا يمكن تحميل أنصار الجماعة ومنتسبيها وحدهم مسؤولية عمليات «المجهولين» ضد قوات الأمن، فانتهاكات النظام لم تقف عند حدود الإخوان فقط، بل توسعت دائرة المعارضين والراغبين في الانتقام، لأسباب اجتماعية أو متعلقة بالمرأة. فعلى سبيل المثال، سجلت محافظة الشرقية ما يزيد على 20 تصفية لأفراد قوات الأمن، ما بين ضابط وضابط صف وأمين شرطة ومخبر، وهو أمر أرجعته مصادر مسؤولة إلى حصول انتهاك يتعلق بالشرف ضد امرأة على يد أحد منتسبي قوات الأمن، فجر عائلتها إلى الانتقام، نظراً إلى انتساب نسبة كبيرة من سكان المحافظة إلى القبائل.
وفي ظل دعوات الحشد والتظاهر في الذكرى الرابعة للثورة، يترقب كثيرون ما يمكن أن تؤدي إليه عمليات المجهولين في حال حدوث أيٍّ منها، رغم أنها لم تستطع حتى اللحظة استهداف تمركزات لقوات الأمن، فيما الخوف من استهداف للحشود يظل قائماً.