تونس | أعلن رئيس الحكومة التونسية، الحبيب الصيد، أمس، طاقمه الوزاري، وبدل أن تنفرج الأمور بولادة الحكومة الجديدة، وجد الصيد نفسه في موقف لا يحسد عليه. فتوزيعه للحقائب الوزارية لم يكن محل إجماع حزب «نداء تونس» الحاكم ولا الأحزاب الأخرى، بل أغضب الحلفاء قبل الأعداء، ما ينذر بأن لا تنال الحكومة ثقة البرلمان الأسبوع المقبل (ثقة 109 نواب).
وأحدثت التشكيلة الحكومية نوعاً من الصدمة لدى أغلب الأحزاب، فالإعلان جاء مفاجئاً ودون سابق انذار. وشهدت الساعات الأخيرة تغييرات كبيرة في الأسماء الوزارية، فمن كان مقرراً عدم مشاركته فيها، عاد وتسلم في الوزارة أمس عدداً لا بأس به من الوزارات، ومن كان مطمئناً وضامناً لعدد من الحقائب وجد نفسه، فجأة خارج الحكومة.

الحكومة الجديدة ضمت أسماء من قيادات الصف الأول في «نداء تونس»، فعين الأمين العام للحزب، الطيب البكوش وزيراً للخارجية، والناطق الرسمي، الأزهر العكرمي في منصب وزير مكلف بين الحكومة والبرلمان، والقيادية، سلمى الرقيق وزيرة للتكوين المهني والتشغيل. والعروسي الميزوري وزيراً للشؤون الدينية وسعيد العايدي الذي أسندت إليه حقيبة الصحة، وسليم شاكر وزيراً للتجارة.
«النهضة» لم تتمثل
بقياديين منها و «آفاق
تونس» لم يشارك

ولم ينس «نداء تونس» حلفاءه ومن ساندوا زعيمه الباجي قائد السبسي للوصول إلى موقع الرئاسة، فأسند حقائب إلى المقربين منه كالعميد محمد صالح بن عيسى (وزير العدل) والتوهامي العبدولي (كاتب دولة ـ معاون وزير ـ مكلف الشؤون العربية) ومجدولين الشارني كاتبة دولة مكلفة بالشهداء والجرحى.
ويبدو أن الرابح الأكبر في هذه الحكومة كان حزب «الاتحاد الوطني الحر» الذي كان قد أعلن يوم الخميس انسحابه منها وحسن بذلك شروط تفاوضه، وتمت ترضيته بوزارة السياحة (لناطقه الرسمي محسن حسن) ووزارة الشباب والرياضة لأمينه العام ماهر بن ضياء.
وبدا من التشكيلة الحكومية أن «نداء تونس» اختار لنفسه حكومة تقيه التصدعات والزلازل.
واعتبرت القيادية في «النداء»، بشرى بالحاج حميدة أن «الحزب اختار تشكيل حكومة كفاءات سياسية، باعتبار أنه يرفض فكرة التغول، علاوة عن أن التركيبة الحالية غلبت المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية».
ولم تنف القيادية في تصريح لـ«الأخبار» أن عدم تشريك «نداء تونس» لحركة «النهضة» بأسماء بارزة أنقذه من التفكك، خاصة أن مقارعة «النهضة» وإضعاف قوتها كان أساس حملته الانتخابية، واعتبرت أن تمثيل «النهضة» في الحكومة «حل مقبول يبين أن جميع الأطراف واعية بظروف الأحزاب التي تمر بصعوبات إثر الانتخابات، والأكيد أن الناخبين سيحاسبون النداء على التزاماته ووعوده تجاههم».
حركة «النهضة» لم تشارك بأسماء معروفة منتمية إليها، لكنها وافقت على الأسماء التي تقلدت المناصب السيادية. فوزير الداخلية الجديد ناجم الغرسلي، هو رئيس سابق لمحكمة الاستئناف في القصرين. ويأتي اختيار وزير الداخلية من محافظة القصرين (وسط غرب البلاد) التي تعاني ويلات الإرهاب ويتحصن في جبل الشعانبي داخلها مجموعات إرهابية خطيرة لطمأنة الأهالي، فالوزير الجديد (كسابقه لطفي بن جدو) عالم بخبايا المنطقة ويعرف أهلها.
وأوضح القيادي في «النهضة»، عبد اللطيف المكي لـ«الأخبار» أنه «منذ آخر لقاء بين زعيم الحزب راشد الغنوشي ورئيس الحكومة المكلف، تحدث الغنوشي عن عدم التوصل إلى توافق في إشارة إلى ظهور صعوبات أمام تشكيل حكومة وحدة وطنية، خاصة في ما يتعلق بالبرنامج والتركيبة، وهو ما أدى إلى عدم مشاركة حركة النهضة في الحكومة».
ولفت المكي إلى أن الموقف من الحكومة ومنحها الثقة سيتخذه المكتب التنفيذي للحركة، وفي موقف يوضح ما يمكن أن تؤول إليه مشاورات الحركة قال المكي: «في تقديرنا لن تستطيع هذه الحكومة ترجمة الثورة اقتصادياً واجتماعياً والقيام بإصلاحات عميقة، هي ليست حكومة الوحدة الوطنية التي طالبت بها حركة النهضة».
حزب «آفاق تونس» خرج من المشاورات في اللحظة الأخيرة ولم يمثل في الحكومة.
القيادي في الحزب، نعمان الفهري نفى أن يكون الانسحاب ناجماً عن إسناد وزارات «دون مهام» لم ترض حزبه، وأكد لـ«الأخبار» أن «الأسباب التي دفعت الحزب إلى عدم المشاركة هي كثرة المستقلين»، مفسراً «أن الحكومة يجب أن تحظى بإسناد حزبي كي تحقق إصلاحات وأن المرحلة التي تمر بها تونس تفرض اختيار كفاءات متحزبة، أما اختيار مستقلين فيعتبر رسالة سلبية، مفادها أن الفائزين في الانتخابات غير قادرين على الحكم».
وكشف الفهري أن حزبه لم يجد برنامجاً حكومياً واضحاً، بل مجرد إعلان نيات دون الحديث عن آليات ووسائل التنفيذ، مضيفاً أن حزب «آفاق تونس» سيدرس أسماء الوزراء ليحدد موقفه النهائي من منح الحكومة الثقة.
وإذ أغضبت الحكومة الجديدة المشاركين في المشاورات على غرار «النهضة» و«آفاق تونس»، فإن «الجبهة الشعبية» اتخذت موقفاً أكثر راديكالية؛ فقد أكد عضو مجلس أمناء «الجبهة الشعبية»، الجيلاني الهمامي أن «الحكومة تم تشكيلها على قاعدة محاولة إرضاء أحزاب سياسية، ما جعل توجهها أقرب إلى المحاصصة الحزبية». وشدد الهمامي لـ«الأخبار» على أن «الحكومة الجديدة لا تحظى بتوافق واسع، ولا سيما أنها لم تشكل من قوى سياسية واسعة من داخل المجلس وخارجه، فضلاً عن كونها حكومة تم تشكيلها على قاعدة اتفاقات سياسية لم يسبقها حديث عن برنامج ولا إجراءات مستعجلة ولا أولويات»، لافتاً إلى أن الجبهة لن تقف إلى جانب في صف هذه الحكومة، وأقرب الظن إلى عدم منحها الثقة، على حد تعبيره.