الجزائر | أربك تراجع أسعار النفط النظام الجزائري، واضعاً إياه تحت ضغط رهيب شعبياً وسياسياً، خصوصاً بعد رفض سكان جنوب البلاد استغلال الغاز الصخري الذي لجأت إليه الحكومة لمواجهة الأزمة، وهي الاحتجاجات التي توسعت إلى أن خرج الوزير الأول عبد المالك سلال عبر التلفزيون الحكومي، محاولاً تهدئة الأوضاع. قال سلال إنه لا وجود لعمليات استغلال الغاز الصخري، وإن الأمر يتعلق بإجراء دراسات فقط، وإن هذه الطاقة سيُشرَع في استخراجها بداية من 2022. كذلك حاول بث الطمأنينة بقوله: «لسنا بحاجة للغاز الصخري حالياً، فالجزائر تمتلك احتياطات من الغاز الطبيعي والبترول إلى غاية 2037»، ليجد النظام نفسه في ورطة أمام انخفاض أسعار النفط الذي يعتبر المصدر الأول لاقتصاد الجزائر ومداخليها المالية.
وكان تقرير لوزارة الطاقة الأميركية حول احتياطات المحروقات غير التقليدية صدر في 2013، قد أشار إلى أن الجزائر تحتل المرتبة الثالثة عالمياً بعد الصين والأرجنتين من حيث احتياطات الغاز الصخري، وقدرها بـ 19800 مليار متر مكعب، وموقعها جنوب البلاد.
الجزائر في «أزمة» بسبب تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية التي لن تعود إلى سابق عهدها قبل 2019. اعترف سلال بهذه الحقيقة، وهو ما فهمته الأوساط الاقتصادية والسياسية على أنه إشارة لتبرير الإجراءات التي سجري اتخاذها والمتعلقة بالتقشف، رغم أنه نفى استعمال هذا الوصف، وقال إن الحكومة ضبطت مجموعة من الخيارات لمواجهة الأزمة من خلال ترشيد النفقات العمومية، وإن السوق المالية كفيلة بتعويض الخزينة في تمويل المشاريع، مؤكداً أن احتياطات الصرف خط أحمر، لأنها صمام أمان استقلالية القرار الجزائري. وشدد على أنه لا مجال للعودة إلى الاقتراض، ولا مساس بحياة المواطن، وأوضح أنه حقيقة حدثت ارتدادات على التوازنات الاقتصادية، حيث سُجِّل عجز مالي يقدر بـ14.7 بالمئة، في تناقض صارخ مع ما ذكر بأنه لا تخوف.
«الاستيراد الفاحش» لم يخلق فرص عمل

وجاء تقرير صندوق النقد الدولي ليكشف المستور، حيث قال مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا بصندوق النقد الدولي مسعود أحمد، إن خسائر الدول المصدرة للنفط مثل الجزائر، إيران، العراق، ليبيا، واليمن، ستصل إلى نحو 90 مليار دولار، أو ما يمثل 10 في المائة من الناتج المجلي الإجمالي، محذراً من تعرض النظام المصرفي الحكومي في الجزائر لمخاطر نتيجة تعرض الشركات الكبيرة في الصناعات المختلفة المملوكة للدولة لتأثيرات مالية نتيجة انخفاض أسعار النفط.
وأوضح مسعود، في مؤتمر صحافي في مقر الصندوق، أول من أمس، لإطلاق تقرير التوقعات الاقتصادية الإقليمية، أن انخفاض أسعار النفط له تأثير على الدول المنتجة للنفط، ويتمثل في خسائر في الصادرات والعائدات المالية من النفط المصدر، إضافة إلى تأثيرات على الإنفاق الحكومي والنمو الاقتصادي غير النفطي، متوقعاً أن تستمرّ الأسعار في مستويات 50 دولاراً خلال عام 2015 ، وأن ترتفع خلال السنوات الخمس المقبلة إلى ما فوق الـ70 دولاراً للبرميل.
ونصح مدير إدارة الشرق الأوسط في صندوق النقد، الدول المصدرة للنفط باستغلال الاحتياطات المالية الموجودة لديها، وتكثيف الجهود في ما يتعلق بتنويع الأنشطة الاقتصادية غير النفطية لتكون الميزانيات أقل اعتماداً على الموارد النفطية، وتقديم حوافز للقطاع الخاص ليكون أقل اعتماداً على الحكومات، وعدم اللجوء إلى خفض الإنفاق الحكومي بنحو دراماتيكي بل بنحو تدريجي. وأشار إلى أن الصراعات والإرهاب والاضطرابات الأمنية تلقي بظلالها على التوقعات الاقتصادية للمنطقة، ليس فقط لأنها تعرقل القيام بالأنشطة الاقتصادية، بل أيضاً لأنها تقلص مساحة التحرك السياسي للقيام بالإصلاحات المطلوبة، إضافةً إلى تأخر عودة الثقة في قدرات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
من الواضح أن الجزائر، بسبب السياسات المتبعة، مقبلةٌ على أزمة اقتصادية حقيقية تفضي لا محالة إلى وضع اجتماعي كارثي، وإلى إفلاس الدولة، على غرار ما حدث عشية انتفاضة أكتوبر 1988. بهذه الإجابة، رد مصدر من وزارة المالية الجزائرية على سؤال «الأخبار» عن مستقبل البلاد بعد انهيار أسعار النفط، وأردف بأنه لم يجرِ استدراك الأمر ونهج مقاربة جديدة ونمط فكري مغاير للذي سبّب الوصول إلى هذه الوضعية، مشيراً إلى أن الجزائر في حاجة إلى تحول سياسي شامل يمكّنها من تحول اقتصادي فعال. المصدر الحكومي قدّم إحصائيات رسمية، تبين أن حجم واردات المواد الغذائية للجزائر ارتفع خمسة أضعاف، وجعلها أول بلد أفريقي مستورد للمواد الغذائية بنسبة 75 بالمئة، بسبب سياسة اقتصاد الريع التي ظلت تتبعها الحكومات المتعاقبة، متهماً تسلّم الملف الاقتصادي للجزائر من قبل مجموعة يجهل الشعب الجزائري هويتها.
وعن أسباب هذا الفشل الحكومي والتخوف الشعبي، أبرز أنور هدام، عن حركة الحرية والعدالة الاجتماعية غير المعتمدة، في تصريح لـ«الأخبار»، أن «الاستيراد الفاحش» لم يخلق فرص عمل، ولم يخلق ثروة للبلاد، لكنه كان مربحاً بالنسبة إلى أولئك المتعصبين للاستيراد، من أصحاب النفوذ في النظام السياسي الحالي القائم على أساس نموذج اقتصادي مضر بالمصالح الوطنية، وتابع أن النظام استخدم الأموال من أجل شراء السلم الاجتماعي، ومع انهيار الأسعار وجد نفسه في ورطة، فاتجه نحو الشعب لدفعه إلى تحمل تبعات الأزمة من خلال سياسة التقشف.
ومع الانخفاض الحاد والمتواصل لقيمة الدينار الجزائري الذي صاحب انهيار أسعار النفط، حذر المتحدث باسم اتحاد التجار والحرفيين الجزائريين، الحاج الطاهر بولنوار، في حديث لـ«الأخبار»، من ارتفاع أسعار المنتَجات والمواد المسوقة، خصوصاً المستوردة خلال الفترة المقبلة، مناشداً الحكومة ضرورة تنويع الاقتصاد للخروج من التبعية للمحروقات والحفاظ على قيمة الدينار الحالية، أو إعادة الاعتبار له لكي لا ينعكس ذلك سلباً على أسعار المواد، وطالب وزارة التجارة بتشديد الرقابة على مستوى التجارة الخارجية، والتعامل بشفافية أكبر مع المواد المستوردة.
تراجعت الاحتياطيات بـ 8 مليارات دولار، جراء انهيار أسعار النفط، بعدما انخفضت من نحو 193 مليار دولار في نهاية النصف الأول من 2014، إلى نحو 185 مليار دولار مع نهاية السنة، بحسب ما كشفه محافظ بنك الجزائر، محمد لكصاسي، الذي حاول التخفيف من قوة الصدمة، وأوضح أن الجزائر تملك ما يكفي من الموارد المالية للتكيف مع هبوط أسعار النفط الذي تعتمد عليه اعتماداً كبيراً في تمويل مشروعات التنمية الاقتصادية والبرامج الاجتماعية، مضيفاً أن هذا المستوى ملائم ويسمح للجزائر بمواجهة الصدمات الخارجية، خصوصاً أن الدين الخارجي الحالي لا يتعدى 3.666 مليار دولار.
حديث رئيس الوزراء الجزائري عن مستقبل بلده مع انهيار أسعار النفط وتأزم الأوضاع في الجنوب بعد رفض السكان لقرار الشروع في استخراج الغاز الصخري، زاد من الغموض، خصوصاً أن كل الإحصائيات والدراسات والآراء التي يقدمها خبراء الاقتصاد، تؤكد أن الجزائر مقبلة على أزمة اقتصادية حادة قد تتحول إلى أزمة سياسية بين المعارضة والنظام، يكون الشارع الفاصل بين الطرفين، بخاصةٍ مع ظهور أولى بوادر التداعيات من خلال ارتفاع المواد الاستهلاكية والحديث عن مراجعة ملفات العلاج المجاني والسكن الاجتماعي والتضييق على المستوردين.