انتخابات العراق أسقطت التحالفين الثُّلاثي والرُّباعيبغداد ــ زيد الزبيدي
إذا كانت القوى السياسية الكلاسيكية، ممثلة بـ«المجلس الإسلامي الأعلى» في الجنوب والوسط العراقيين، قد تلقّت ضربة موجعة في انتخابات مجالس المحافظات العراقية، فإنّ وضعاً مماثلاً واجهه «عميد» أحزاب العرب السُّنّة في المناطق الغربية والشمالية، وهو «الحزب الإسلامي العراقي».
حزب ظلّ أقوى أحزاب هذه الطائفة، ممّن قرر السير بركاب العملية السياسية في ظل الاحتلال، لكنه أصبح بعد الانتخابات الأخيرة، من دون حلفاء أقوياء، إضافة إلى فقدانه أكبر وأهم محافظة عراقية، الأنبار، التي احتل فيها المركز الثالث، بعد «تجمع المشروع الوطني» الذي يتزعمه محمود المشهداني وصالح المطلك وخلف العليان. حتى إن تحالف «الصحوة» والمستقلين، حلّ قبل «الإسلامي» في عقر داره، وهو الذي خسر محافظة نينوى، التي حصل فيها على 6.7 في المئة من الأصوات، في مقابل نحو 50 في المئة لقائمة «الحدباء»، ذات التوجهات القومية، والجديدة نسبياً على الساحة، بينما حصل على المرتبة الأولى في ديالى وصلاح الدين، لكن بأصوات متقاربة مع منافسيه، الذين بات بإمكانهم تكوين غالبية ضده.
كل ذلك من دون أن يغيب عن الذهن أنّ تفوّق «تجمع المشروع الوطني»، وتحالف الصحوة، وبعض الكتل الأخرى، على الحزب الإسلامي، جاء وفق أطروحات ضدّ الطائفية والمحاصصة والفدرالية، وتحت شعارات ليبرالية، تماماً كما حصل على الساحة الشيعية.
وتظهر من خلال هذه المعطيات، إشارات هامة، من شأنها التأثير على الانتخابات البرلمانية المقررة في كانون الأول المقبل، أهمها سقوط قطبي العرب السنة والشيعة في مجلس الرئاسة: «الحزب الإسلامي» و«المجلس الأعلى الإسلامي»، وصعود أطراف لا تمتلك رصيداً تنظيمياً أو سياسياً. وينسحب الوضع إلى داخل أروقة مجلس الرئاسة المقبل، وعلى التشكيلة الوزارية، والأجهزة الحكومية الأخرى، وخصوصاً الوزارات الأمنية والاقتصادية.
ويبقى الطرف المهم الآخر في المعادلة، وهو الطرف الكردي، رغم أنه لم تجرِ انتخابات المحافظات الكردية المقررة في أيار المقبل. غير أن الطرف الكردي، من خلال انتخابات محافظات الجنوب والوسط، هو من أكبر الخاسرين، إلى جانب «الإسلامي» و«المجلس»، إذ لم يعد تحالفه الثلاثي ذا جدوى تُذكر. كذلك تبخّرت قيمة تحالفه الرباعي مع حزب «الدعوة» و«المجلس» و«الإسلامي»، بعد الخسارة الكبيرة التي مني بها «المجلس»، والخلافات الكبيرة مع حزب «الدعوة» برئاسة نوري المالكي، الذي من المرجّح أن يتحالف مع المعارضين لمشروع التقسيم في الجنوب والوسط، وفي المنطقة الغربية، ونينوى شمالاً.
وإذا كان هناك بين الأطراف السياسية الحاكمة حالياً، جهات أغرتها المصالح، للتحالف مع الأكراد، فما يبدو واضحاً هو الاستقطاب الجديد الآخذ في التشكّل، للحدّ من «التمدّد» الكردي، تحديداً في ديالى ونينوى، وكذلك في صلاح الدين وواسط وميسان.
ولم تحصل القائمة التي تضم الأكراد وقوى أخرى، في ميسان وواسط، على أي مقعد، وجاءت في المرتبة السادسة في صلاح الدين، مع 4.5 في المئة من الأصوات. ويدّعي التحالف الكردستاني أن هناك مناطق «مستقطعة» تابعة لإقليم كردستان في هذه المحافظات، وكذلك في نينوى وديالى، اللتين تنتشر ميليشيات وقوى أمنية كردية في بعض أرجائهما.
أما في ديالى، فقد أحرزت القائمة المدعومة من الأكراد 17 في المئة، بعد «جبهة التوافق الإصلاح»، ثم «تجمع المشروع الوطني»، فالقائمة العراقية، وأخيراً قائمة المالكي مع 6 في المئة. تجدر الإشارة إلى أنّ مجلس محافظة ديالى السابق، كان خاضعاً لسيطرة الأكراد و«المجلس الأعلى» و«جبهة التوافق» والتيار الصدري.
وتمثّل محافظة نينوى التحدي الأكبر بالنسبة إلى الأكراد الذين يحاولون السيطرة عليها منذ الاحتلال. وكان نظام صدام حسين قد استقطع من نينوى قضاء دهوك، وجعله محافظة، سيطر عليها الأكراد ضمن المحمية التي أقامتها لهم أميركا والغرب بعد حرب 1991. وحتى اليوم، يطالب قادة الأحزاب الكردية بضمّ مناطق أخرى من نينوى إلى دهوك، وخصوصاً سهل نينوى، ومناطق سكن المنتمين إلى الشبك والإيزيدية، الذين صوّتوا ضدّ مرشّحي «الكردستاني».
وكانت أكبر مفاجآت الانتخابات في نينوى، حيث حصلت قائمة «الحدباء» على أعلى نسبة، تليها القائمة الكردستانية، ما دفع البعض إلى الترويج أن المقاومة العراقية، أو «القاعدة»، كانت تقف وراء فوزها. والدليل على ذلك، أن هذه المحافظة التي لا يزال نفوذ المقاومة فيها قوياً، لم تشهد أي عنف خلال الانتخابات، بينما كانت المقاومة قد أوقفت عملياتها في العراق كله خلال التصويت، لأسباب عزتها إلى تجنيب المواطنين أي أذى.
وكانت هناك معادلة طُرحت عندما أطلق المالكي حملة «أم الربيعين» الأمنية في نينوى في أيار الماضي، تقوم على وقف عمليات المقاومة، في مقابل إنهاء الوجود العسكري والأمني الكردي. وقد فشلت التسوية بسبب رفضها من الأحزاب الكردية.
ويعزو المراقبون النسبة العالية من الأصوات التي حصلت عليها قائمة «الحدباء»، إلى أنها رد فعل على تصرفات الميليشيات الكردية، ومحاولاتها استقطاع مناطق من المحافظة.
والغريب أن بعض المسؤولين الأكراد، صرحوا قبل إعلان النتائج الأولية، بأنّ نسبة التصويت العالية لمصلحة قائمتهم في بعض الأقضية أو النواحي، هو دليل على كونها مناطق «مستقطعة»، ويجب استعادتها فوراً، وضمّها إلى إقليم كردستان.
وقد سخر أحد السياسيين من هذه الحجة بالقول إنّ «غالبية من المواطنين في حي الأكراد، الواقع قرب جامع الخلفاء، في قلب بغداد، صوتت لمصلحة القائمة الكردستانية، لذا فهو مستقطع ويجب إعادته إلى إقليم كردستان».


الإسلامي والأكراد والمجلس في الهمّ سواوإذا أراد المالكي أو من يسعى إلى حكومة مركزية إلى التحالف مع قوى غير طائفية أو عرقية، فلا بد من إيجاد موازنة جديدة، ستفرزها الجهات الفائزة بتخليها عن التوجهات التقسيمية، وكذلك القوى الجديدة المتمثلة بـ«المشروع الوطني»، وبـ«حدباء» نينوى، وغيرهما.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن من أهم أسباب فشل التيارات الليبرالية والعلمانية، هو تقاربها مع الأحزاب الكردية الرئيسية، تحت ذريعة كونها بعيدة عن التيارات الدينية والطائفية، بينما كانت مصالح تلك الأحزاب «الشوفينية»، تجعلها أقرب إلى الأحزاب الطائفية، وخصوصاً «الإسلامي» و«المجلس الأعلى».