بغداد ــ زيد الزبيديتسود بغداد، وغيرها من المدن العراقية، حال من القلق والحذر والترقب، لما ستؤول إليه الأوضاع في الأيام المقبلة، عند تسلّم مجالس المحافظات الجديدة مهامها، عبر تحالفات جديدة، وأجهزة أمنية جديدة أيضاً، وسط محاولات لضبط النفس من أجل الحيلولة دون تجدد العنف الطائفي.
وبحسب المراقبين، فإنّ لحالتي القلق والحذر، الكثير ممّا يبررهما؛ فكبح جماح العنف الطائفي في معظم المحافظات العراقية، جاء عبر معادلة أمنية، من أهم خطوطها الرئيسية «ضرب جيش المهدي في مقابل القضاء على القاعدة»، وهما الطرفان الأساسيان في الحرب الأهلية الطائفية. وبقيت ميليشيات «المجلس الأعلى الإسلامي»، وخصوصاً منظمة «بدر»، في منأى عن هذه المعادلة، لكونها تشكل الغطاء الحكومي، الذي ينفّذ، أو يستغلّ الآخرين، لتنفيذ «الأعمال القذرة».
واليوم، يوشك تحالف نوري المالكي ـــــ عبد العزيز الحكيم، على الانفضاض. ولكن في المقابل، يعود حلف المالكي مع التيار الصدري، الذي تبنّى قائمة «الأحرار المستقلة»، الأمر الذي يعني في نظر الكثيرين، قرب عودة «جيش المهدي»، ما أثار نوعاً من «الفزع» في الشارع العراقي لما فعلته بعض خلاياه خلال السنوات السابقة.
ومجرّد احتمال عودة «جيش المهدي»، المجمّد شكلياً في الوقت الحاضر، يعني عودة طيف «القاعدة»، لأنّ المناطق «السنية العربية» تشعر بالحاجة إلى الحماية من «الخطر العائد». وهذا ما يحصل الآن فعلياً، في ظل عودة المسلحين ذوي الملابس السوداء (فرق الموت) إلى الشوارع، وافتتاح عملياتهم في قلب بغداد بمداهمة قاعة «أهلاً وسهلاً»، ليل أول من أمس، واختطاف عدد من الموجودين فيها، واقتيادهم إلى مكان مجهول... بسيارات حكومية.
وتحاول بعض الأجهزة الحكومية حالياً، تبرئة «جيش المهدي» من عمليات القتل الطائفي، وإلقاء المسؤولية على عناصر وزارة الداخلية، التي يسيطر عليها «المجلس الأعلى الإسلامي».
ويشير المراقبون إلى أن هذه الأجهزة الحكومية، لم تأتِ بجديد، لأنّ عمليات التطهير العرقي التي نفذتها خلايا من «جيش المهدي»، حصلت بإشراف وحماية عناصر وزارة الداخلية.
فمن المعروف مثلاً أنّ مجزرة حي الجهاد في بغداد عام 2006، التي راح ضحيّتها في يوم واحد 17 مواطناً، إضافة إلى تهجير مئات العائلات، نفذها عناصر كانوا ينتمون إلى «جيش المهدي»، بينما كانت سيارات وقوات وزارة الداخلية توفّر لهم الحماية والغطاء الرسميين.
إلا أنّ وزارة الداخلية باتت تدّعي اليوم، في تصريحات وبيانات رسمية، بأن «مجموعة تنتمي إلى الشرطة نفذت مذبحة طائفية في حي الجهاد غرب العاصمة بغداد»، وذلك في سياق الكشوفات الجديدة وغير المعهودة بين الحكومات المتعاقبة التي نشأت في ظل الاحتلال.
وجاء الإعلان الرسمي عن مسؤولية مجزرة حي الجهاد، بعد يوم واحد من إعلان وزارة الداخلية أنّ عناصر من الشرطة الحكومية، اغتالوا ميسون الهاشمي، شقيقة نائب الرئيس طارق الهاشمي في نيسان عام 2006، في منطقة السيدية في عاصمة الرشيد. وحينها، ألقي القبض على أربعة من المنفذين الذين «ينتمون إلى عصابة مكونة من 12 شخصاً، غالبيتهم من عناصر الشرطة المتورطين في أعمال قتل وخطف وتهجير، طالت عدداً كبيراً من الأشخاص في بغداد».
وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت، في كانون الثاني الماضي، اعتقال نحو 10 من عناصرها، ضالعين في «عمليات اغتيال وأعمال عنف طائفي» وقعت عام 2006. إلا أنّ هذه الإعلانات تكاد لا تعني شيئاً، بالمقارنة مع إعلان الوزارة قبل أيام، طرد أكثر من 62 ألفاً من منتسبيها، لأسباب تتعلق بالفساد وسوء التعامل والتورط مع الميليشيات. فمثل هذا الرقم يكشف مدى التورط الحكومي في كل أعمال العنف الطائفي التي شهدتها بلاد الرافدين في زمن الاحتلال.
ويرى المراقبون أنّ المالكي، وهو الفائز الأكبر في الانتخابات الأخيرة على أساس نبذ الطائفية والميليشيات، أصبح معتاداً على استبدال تحالفاته الطائفية مع التشكيلات ذات التنظيمات الميليشيوية. فقد سبق أن كان متحالفاً مع التيار الصدري، ثم أسهم في ضربه مستعيناً بـ«المجلس الأعلى»، ويعود الآن للاستعانة بالتيار الصدري ضدّ المجلس نفسه.
ومن هنا، يبدو من الصعب التشكيك في صحة المعلومات التي يتداولها الشارع العراقي، وخصوصاً في «المناطق السنية»، عن اتفاقات يعقدها تنظيم «القاعدة»، مع عدد من فصائل المقاومة غير التكفيرية، ومع قيادات «مجالس الصحوة»، لـ«توحيد البندقية» ضدّ «جيش المهدي» العائد.
اتفاقات فحواها الرئيسي السماح بنشاط عناصر «القاعدة» في مناطق تواجدها، وعدم الإبلاغ عنهم أو محاربتهم، في مقابل عدم استهداف القوات المحلية وعناصر «الصحوة»، وعدم تنفيذ عمليات ضدّ الشيعة خارج إطار الميليشيات، وتجنب الاحتكاك بالقوات الأجنبية داخل المدن.