Strong>المستهلك يدفع 305 ملايين دولار للدولة والقناني والصهاريجالمسألة بسيطة وغير معقّدة: لبنان قادر على تأمين احتياجاته المائية حتى عام 2030 إذا نفّذ الخطة العشرية للسدود والمياه التي تشمل 27 سداً وبحيرة صناعيّة. وعلى الرغم من هذا الأمر سيقع في عجز مائي بعد ذلك، إلا أن «الطامة الكبرى» تقع اليوم قبل الغد، فرئيس الحكومة ووزير المال يرفضان تمويل إنشاء أيّ من هذه السدود!

محمد وهبة
تردد صدى كلمة وزير الطاقة والمياه ألان طابوريان في ورشة العمل التي انعقدت أمس في مجلس النواب بعنوان «رؤية استراتيجية لقطاع المياه في لبنان»، في زوايا وأروقة مجلس النواب وكررها كثيرون في فترات الاستراحة التي فصلت بين الجلسة والثانية، إذ أعلن أنه سيصوّت ضد مشروع موازنة 2009 إذا لم تُلحظ الاعتمادات المطلوبة لإنشاء السدود وتحديداً الاستملاكات الخاصة بمشاريع السدود.

عرقلة شاملة

أوضح طابوريان أن النقص الحاد في المياه سببه عدم تخزين كميات كافية أثناء الوفرة للاستفادة منها لاحقاً، وهذا مردّه إلى «عرقلة خطة بناء السدود والبحيرات الجبلية وهي 27، ولم ينفذ منها إلا سدّ شبروح طوال 10 سنوات، فيما تقبع 12 دراسة جاهزة للتلزيم بلا تخصيص اعتمادات ولا التزامات». وبعد «جهود» تمكن طابوريان من الاتفاق مع وزارة المال على تخصيص 90 مليار ليرة للسدود في مشروع موازنة 2009، لكن «جرى خفض المبلغ إلى 45 ملياراً خلال عرض الموازنة في مجلس الوزراء... وأيضاً لم تتضمن الموازنة أي تعويض للاستملاكات التي تحتاج إليها هذه المشاريع، إذ إن وزارة المال ربطت تأمين مبالغ الاستملاكات بمشروع قانون تخصيص اعتمادات لكل الاستملاكات ولا نعلم متى يبصر النور».
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن مشاركين في الورشة قالوا لـ«الأخبار» إن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ووزير المال محمد شطح يرفضان تخصيص وزارة الطاقة بأي اعتماد خاص بقطاع المياه حتى لو كان هدفه مواجهة شحّ المياه الذي قد يحدث في فصل الصيف المقبل نتيجة تراجع معدلات تساقط الأمطار والثلوج، إذ يمكن القيام بحملات ترشيد استهلاك المياه والتخفيف من الهدر في شبكات مياه الشفة والبالغ 30 في المئة، وبالتالي يعد اللبنانيين أنفسهم بغضب الطبيعة و«شحّ» حكومي.

أثرٌ مزدوج

إذاً، ماذا سيفعل المواطن الذي «يدفع ثلاث فواتير مائية: فاتورة مؤسسات المياه، فاتورة أصحاب الصهاريج، فاتورة مياه الشرب»؟ وماذا يحلّ بمصادر المياه الطبيعية نتيجة فوضى وسوء استخدامها؟ يقول طابوريان إن تأخير إنشاء السدود يترك أثراً سيئاً مزدوجاً، إذ يدفع إلى استنفاد المياه الجوفية عن طريق حفر الآبار، ما يؤدي إلى طغيان مياه البحر على خزانات المياه الجوفية، ومن جهة ثانية يتعذّر تأمين خدمة الصرف الصحي للمياه المبتذلة لأن المواطن يتحمل كلفة الفاتورة الثلاثية ولا يمكن مطالبته بتحمل عبء تصريفها، فيما تعجز الدولة عن تأمين المياه له. ولذلك قد يكون «أجدى إنشاء السدود بكلفة مرتفعة لأنها ستكون أقل من أي كلفة تترتّب على الاقتصاد الوطني نتيجة عدم إنشائها».
ويوافق النائب ناصر نصر الله والخبير في الشؤون المائية معتصم الفاضل على هذه المقولة، ويعتقد الأخير بأن أكثر من 80 في المئة من الخطة المائية موجود، لكنه يحتاج إلى التطبيق والتنفيذ، ويلفت إلى أن بيروت وحدها ستحتاج بعد سنوات إلى تنقية وتحلية مياه البحر لتغطية الطلب على المياه من سكانها حتى لو أنشئت كل السدود والبحيرات. فهل بإمكان السنيورة تحمّل شحّ المياه في بيروت وهو الذي أوقف تقنين الكهرباء عنها (ليكون التقنين عادلاً بين كل المناطق) ساعتين يومياً؟ وبحسب الفاضل، فهناك معوقات كثيرة تمنع تنفيذ الخطة العشرية، أبرزها الهدر عبر شبكات الري وتلوث المياه، عدم تنفيذ القوانين والتوظيف السياسي، بلوغ فترة هطول الأمطار في السنة 80 يوماً، صعوبة تخزين المياه السطحيّة وخسارتها في البحر، عدم قدرة مؤسسات المياه على استرداد الكلفة.
لكن نصر الله يدعو إلى «توفير الاستثمارات لتمويل المشاريع المائية، إذ إن المشاريع في هذا القطاع تستلزم وضع سياسة استثمارية مالية واضحة وخاضعة للمحاسبة منعاً للفساد... والعمل على تأمين الالتزام السياسي بإعطاء أولوية لدور المياه في الأنشطة التنموية».

هدر مائي وعجز مستقبلي

وفي دراسة أعدّها المدير العام للموارد المائيّة والكهربائيّة فادي قمير، يُتوقع ارتفاع الطلب على المياه للزراعة التي تمثل 75 في المئة من مجمل حجم الاستهلاك بنسبة 80 في المئة في عام 2030، بالتزامن مع هدر مائي لا يقل عن 1.2 مليار متر مكعب تذهب إلى البحر وازدياد الطلب على مياه الشرب والصناعة من 643 مليون متر مكعب في 2010 إلى 840 مليوناً في 2020 وهذا ناتج من زيادة عدد السكان وارتفاع المساحات المروية من 130 ألف هكتار إلى 160 ألفاً، وبالتالي فإن العجز في فترة الشحائح (بين تموز وتشرين الأول) سيرتفع من 690 مليون متر مكعب إلى 1660 مليوناً في عام 2030 بسبب ارتفاع الطلب من 985 مليوناً إلى 1955 مليوناً، فيما حجم التخزين المتوقع سيبلغ بعد إنجاز السدود الملحوظة 858 مليوناً، ما سيخفض العجز إلى 802 مليون.
وتفيد الخطة بأنه يمكن تخزين مليار متر مكعب سنوياً من مياه السيلان السطحي، وتوسيع الرقعة الزراعية المروية إلى 280 ألف هكتار (100 ألف حالياً)، والتخفيف من كلفة الطاقة المستعملة في ضخّ المياه إلى المستهلك، علماً بأن سد شبروح وفّر وحده 6 ملايين دولار وبدأت المياه تصل إلى كسروان وأدونيس... وتتضمن الخطة تنفيذ 27 سدّاً وهي تتوسع حالياً إلى 40 سدّاً، إلا أن كلفتها تبلغ 1.3 مليار دولار كانت مُجدوَلة على امتداد 10 سنوات عبر الموازنة العامة وقروض ميسّرة ومشاريع (BOT)، لكن جرت إعادة جدولتها «وقُذفت الاعتمادات عبر تمديد فترة تنفيذ الخطة وتعديل توزيعها من عام 2014 ثم إلى عام 2018، علماً بأن أموال الاستملاكات لم ترصد. ولم نعلم حتى اليوم لماذا جرى تجميد الخطة ثماني سنوات، فمشاريع السدود لم تصدّق من المراجع المختصة بعد».
ولإدارة السدود يجب أن تكون هناك مؤسسة عامة تعنى بهذا الأمر، ولسدّ العجز بعد 2030 تلحظ الخطة إعادة استخدام المياه المبتذلة للري والصناعة.


3.5 ملايين متر مكعب

هي الكمية التي لا تزال موجودة في سدّ شبروح من الكميات المجمّعة من 2008 بحسب المدير العام للموارد المائية فادي قمير، الذي نفى ما يشاع عن تسرّب من هذا السد، واصفاً إياه بـ«تحفة فنيّة» أسهمت في تدفق الينابيع في المنطقة المحيطة خلال آب وأيلول


3 ساعات يومياً في الصيف