strong> تتضمن التسليم بنفوذها في لبنان وإغلاق ملف المحكمة الدوليةيريد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، نظاماً جديداً في الشرق الأوسط، على أساس الدبلوماسية والحوار، لا المقاطعة والقصف. بدورها، تريد إسرائيل تحطيم «محور الشر» الذي يهدّدها، من إيران إلى غزة، مروراً بدمشق ولبنان. في المقابل، تريد سوريا تحسين علاقاتها مع اميركا، وتعزيز سيطرتها في لبنان، من دون أن تنحني أمام إسرائيل. كيف يمكن الدمج بين كل هذه المصالح؟ وهل توجد صيغة ترضي تل أبيب ودمشق وواشنطن، وتحدث تغييراً استراتيجياً في المنطقة، وتتلاءم وقدرة الامتصاص السياسي للأطراف ذات الصلة؟ بحسب صحيفة «هآرتس»، ثمة فكرة يجري تداولها في أوساط بنيامين نتنياهو، تقوم على تسوية بين تل أبيب ودمشق، تمنع الحرب ولا تحقق السلام

محمد بدير
كشفت صحيفة «هآرتس»، أمس، النقاب عن فكرة يجري تداولها وسط مقرّبي رئيس الوزراء المكلّف، بنيامين نتنياهو، تتمحور حول العمل على بلورة «تسوية انتقالية» بين إسرائيل وسوريا، يعلن فيها الجانبان «حالة عدم القتال»، في مقابل انسحاب الاحتلال من منطقة صغيرة في هضبة الجولان. خطّة فنّد بنودها مراسل الصحيفة للشؤون السياسية، ألوف بن، موضحاً أنها ترمي، بالنسبة إلى تل أبيب، إلى تقليص خطر اشتعال الجبهة الشمالية، وإضعاف التهديد الإيراني، إضافة إلى إظهار أن حكومة نتنياهو مستعدّة للتقدم المدروس والحذِر في عملية السلام.
من جهة أخرى، ورغم تنازلها عن بعض الأراضي، سيكون بوسع دولة الاحتلال أن تختبر، مع الوقت، «سلوك دمشق لجهة استعدادها للابتعاد عن كل من طهران وحزب الله وحماس، من دون أن تغامر تل أبيب بخطوات تتضمن مخاطر على أمنها». أما بالنسبة إلى سوريا، فإن التسوية الانتقالية في الجولان، يمكن أن تكون «مدخلاً لانعطافة في العلاقات مع واشنطن، وتحسين وضعها اقتصادياً وأمنياً». وبحسب الصحيفة نفسها، فإنّ السوريين سيحصلون على شرعية لتعزيز سيطرتهم على لبنان، تحت غطاء «كبح جماح حزب الله والمنظمات الإرهابية». وإضافةً إلى ذلك، يؤكّد بن، أنّ التسوية المفترضة هي بمثابة «فرصة مناسبة لإغلاق ملف التحقيق الدولي ضدّ الرئيس بشار الأسد ومقرّبيه في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري».
وفي موازاة احتفاظ الدولة العبرية بالسيطرة على الجزء الأكبر من الجولان، «سيكون بوسع سوريا الاستمرار في سلوكها البارد (حيال تل أبيب)، ولن تكون مضطرة إلى استضافة دبلوماسيين وسيّاح إسرائيليين». ورغم حرص أوساط نتنياهو على عدم ربط فكرة التسوية الانتقالية بزعيمهم مباشرة، فإنهم شدّدوا على أنها «تتناسب بالتأكيد مع تفكيره»، وتدمج ما بين «شك اليمين بالنسبة إلى التسوية الشاملة، مع تفاؤل اليسار الذي سيدعم كل تقدم سياسي».
ومن المعروف أن نتنياهو معارض دائم للانسحاب من الجولان، بسبب خوفه من تحوله إلى «قاعدة إيرانية». إلا أن بن رأى أن «تسوية تتضمن انسحاباً محدوداً تبقى فيه إسرائيل في الجولان، لا تتناقض مع مبادئ نتناياهو».
كيف ستبدو التسوية على الأرض؟ سؤال يعالجه بن بالكشف عن أنّ قوات الاحتلال ستنسحب من القرى الدرزية في شمال الجولان، أو من بعضها، بحيث «يكون بإمكان سوريا أن تقول إنها استعادت حرية مواطنيها بعدما حاولت تشجيعهم في السنوات الماضية، على المقاومة». ويضيف بن إنه من أجل إضفاء صدقية على هذا الانسحاب الجزئي، «قد يكون ممكناً التفكير أيضاً في إخلاء مستوطنة يهودية أو اثنتين، رغم أن ذلك سيكون عسيراً على الهضم من جانب أحزاب اليمين» التي ستمثّل حكومة قريباً.
أمّا عن مصير جبل الشيخ، ومنشآت الإنذار المبكر الموجودة فيه، فسوف تبقى تحت سيطرة الدولة العبرية، بينما المنطقة التي سيحصل عليها السوريون ستكون مجردة من السلاح تماماً، كما هي الحال في القنيطرة اليوم. وفي مقابل ذلك، لن تُتخذ أي خطوة نحو التطبيع.
ويرى الكاتب أن تحقيق «التسوية الانتقالية»، ونجاحها، منوطان باستعداد سوريا للابتعاد عن «شركائها الطبيعيين» في إيران ولبنان وفصائل المقاومة الفلسطينية، والتخلي عن مكانتها المركزية في «معسكر المقاومة». كما أنهما منوطان باستعداد واشنطن لمنح دمشق «إغراءات كافية، على شاكلة الاعتراف بنفوذها في لبنان، وإغلاق ملف محكمة الحريري، وتقديم مساعدات اقتصادية، وكل ذلك لكي تنتقل إلى الطرف الآخر».
ويتابع بن في كشف أسرار المخطّط ليوضح أنّ إيجابية «التسوية الانتقالية»، تكمن في تخطّي العوائق التي اعترضت المفاوضات السورية ــ الإسرائيلية في الماضي. وتتلخص هذه العوائق، في ارتكاز المفاوضات على صيغة «الحلّ الكامل دفعة واحدة»: انسحاب من كامل الجولان، في مقابل توقيع اتفاق سلام شامل يتضمّن ترتيبات أمنية. وفي السابق، كانت المشكلة المزمنة، تتلخّص بأن إسرائيل «رفضت الانسحاب إلى الخط الذي يطالب به السوريون، الذي يمنحهم السيطرة على الشاطئ الشمالي الشرقي لبحيرة طبريا، فيما رفض نظام البعث، خطوات التطبيع والدبلوماسية غير العلنية». وفي المقلب الآخر، تستند «التسوية الانتقالية» إلى تحطيم «الصيغة المقدّسة التي تقول: إمّا كل شيء أو لا شيء». فوفق تقرير «هآرتس»، تتنازل إسرائيل عن حلم «تناول الحمص في دمشق»، والسوريون عن «إنزال أقدامهم في مياه البحيرة (طبريا)».
ويذكّر الكاتب بتجارب سابقة شبيهة بـ«التسوية الانتقالية»؛ وهو ما حصل بين تل أبيب والقاهرة عام 1975، حين انسحب الجيش الإسرائيلي من نقاط استراتيجية في سيناء، في مقابل تطبيق ترتيبات أمنية في هذه المناطق، كبناء محطة إنذار مبكر تشغّلها طواقم أميركية.
لكن ماذا عن احتمال نجاح مثل هذه التسوية بالنسبة إلى الطرفين؟ في إجابته عن السؤال، قال رئيس «مركز ديان للأبحاث» في جامعة تل أبيب، البروفسور أيال زيسر، إن الأسد سيرفض أي صفقة جزئية تبقي على احتلال الجولان. أكثر من ذلك، يعتقد زيسر أن الأسد لن يتخلى عن تحالفه مع إيران، وسيحافظ على علاقة وثيقة معها حتى في ظلّ رغبته في تحسين العلاقات مع الغرب.
وعلى الجبهة الأخرى، لا يبدو التجاوب مع هذه التسوية سهلاً أيضاً. فبحسب الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات، الجنرال أوري ساغي، الذي أشرف على ملف التفاوض مع سوريا في عهد رئيس الحكومة في حينها إيهود باراك، فإنّ إقرار الخطوة إسرائيلياً «سيكون صعباً، لكون الجمهور سيفضل تأييد رزمة شاملة مع تطبيع العلاقات».


strong> تهويد الجولان بالتاريخ والأرقام
بحسب مكتب الإحصاء المركزي في إسرائيل، يعيش في الجولان السوري المحتل 40 ألف نسمة: 21.5 ألف سوري، و18.5 ألف مستوطن يهودي. ويتوزع السوريون على 4 قرى درزية، هي بقعاتا ومسعدة وعين قنيا ومجدل شمس. أما المستوطنون اليهود، فيتركّز العدد الأكبر منهم في مستوطنة كتسريم، فيما يتوزع الباقون على نحو 31 مستوطنة صغيرة. وفي عام 1991، أقر الكنيست «قانون هضبة الجولان»، الذي عُرف لاحقاً بقانون ضمّ الجولان، والذي نص على كون الهضبة المحتلة «أرضاً إسرائيلية». وأعقبت ذلك، محاولة حكام الدولة العبرية فرض الجنسية الإسرائيلية على المواطنين السوريين المقيمين فيه. كما أقر الكنيست عام 1999 «قانون حصانة الجولان»، الذي يشترط موافقة غالبية 61 نائباً قبل أي تنازل عن «أرض سيادية إسرائيلية»، في إشارة إلى الجولان والقدس المحتلين، إضافةً إلى إجراء استفتاء شعبي على قرار التنازل يصادق عليه الكنيست.