يحلّ موعد الانتخابات المحليّة في العراق نهاية الشهر الجاري، وسط موجة عامّة من تهرّب المرشّحين من الأحزاب الطائفيّة، وحماسة الناخبين للشعارات الليبرالية
بغداد ــ زيد الزبيدي
يقترب موعد انتخابات مجالس المحافظات العراقية في 31 كانون الثاني الجاري. ويبدو الاستحقاق، مجالاً جديداً للتنافس، من أجل الحصول على مقاعد الإدارة في 14 محافظة، من أصل 18، لعدم شمول محافظات إقليم كردستان الثلاث (أربيل والسليمانية ودهوك) بهذه الانتخابات، بالإضافة إلى كركوك.
وفي نظرة إلى المشهد العام قبيل الانتخابات، تتجسّد صورتان أساسيتان في كادر واحد: فرغم أن الأحزاب الدينية لا تزال مهيمنة بقوة على الساحة، فإنّ فعاليتها أخذت تضعف إلى حدّ كبير، ما جعل معظمها يتخلّى عن الشعارات والأطروحات السياسية الدينية، حتى وصل الأمر بهذه الأحزاب، إلى رفع الليبرالية شعاراً لمعاركها السياسية، بالإضافة إلى «نبذ التوجهات والمحاصصة الطائفية»، وهو ما أدّى إلى جعل الشعارات والبرامج التي يطرحها معظم المتنافسين، وإلى أيّ حزب انتموا، متشابهة تقريباً.
وبحسب اعتراف رئيس إحدى أكبر الكتل العلمانية في البرلمان، فإنّ الناخب أصبح مشتّتاً وعاجزاً عن التمييز بين هذا المرشح أو ذاك، وهذه الكتلة أو تلك، لتشابه الشعارات والبرامج. ويعبّر رئيس الكتلة نفسها، عن استيائه لتشتت القوى والشخصيات التي تنادي بالديموقراطية والليبرالية، مستغرباً كيفية بروز آلاف المرشحين، وإنفاق كل واحد منهم عشرات أو مئات الآلاف من الدولارات على الملصقات الدعائية والإعلانات الانتخابية.
وفي المقابل، يعرف الجميع أنه لا يُعقل أن يتحول كل المتطرفين طائفياً، بين ليلة وضحاها، إلى ليبراليين وديموقراطيين، وحتى إلى علمانيين. ومن هنا قناعة معظم العراقيين بأن «تبديل جلد الطائفيين» يأتي بهدف خلط الأوراق تهرّباً من مسؤولية الفساد والفشل والإخفاق الذي منيت به الكتل الطائفية والعرقية التي تحكم بلاد الرافدين برعاية الاحتلال منذ 2003.
ويلاحظ المراقبون أنّ الكثير من المرشحين، الذين يطرحون الشعارات البرّاقة، يجهلون أنهم يخوضون انتخابات محلية، لا انتخابات عامة، ما جعلهم يضعون ضمن برامجهم وعوداً لا صلة لها بصلاحيات مجالس المحافظات. تقرأ مثلاً في المشاريع الانتخابية «إعادة الجيش السابق»، و«محاسبة الوزراء المقصّرين في أداء وزاراتهم»، و«زيادة مناسيب المياه في الأنهار».
كما يلاحظ المراقبون خلوّ البرامج الانتخابية من أي شيء يمس الاحتلال، مثل تحشيد القوى للتصويت ضدّ الاتفاقية الأمنية الأميركية ـــ العراقية المقرر تنظيم استفتاء بشأنها في نهاية تموز المقبل.
وفي السياق، تتحدث لغة الأرقام عن نحو 53 ألف مرشّح يخوضون معركة الانتخابات المحلية المقبلة، للتنافس على 440 مقعداً، بمشاركة 13 مليون ناخب في 14 محافظة، عبر 6500 مركز انتخابي. وقد وصل العدد النهائي للكيانات السياسية المشاركة إلى 427 كياناً، منها 343 كياناً جديداً و84 قديماً.
وتتوزع مقاعد مجالس المحافظات بواقع 57 مقعداً لمحافظة بغداد، و29 مقعداً للأنبار، و35 مقعداً للبصرة، و28 مقعداً للقادسية «الديوانية»، و26 مقعداً للمثنى، و28 مقعداً للنجف، و30 مقعداً لبابل، و29 مقعداً لديالى، و31 مقعداً لذي قار، و28 لصلاح الدين، و 27 لكربلاء، ومثلها لميسان، و37 لنينوى، و28 لواسط.
وأظهرت نتائج آخر استطلاع أجرته المنظمة العراقية غير الحكومية «الأمل»، أن سكان مدينة كربلاء الدينية، يميلون إلى انتخاب أحزاب غير إسلامية. وفي بغداد، أبدى ثلثا أصوات الذين شملهم الاستطلاع تأييداً لمصلحة الأحزاب العلمانية، وكذلك الحال في محافظتي صلاح الدين والأنبار.
أما المشاركون في الاستطلاع من سكان مدينة النجف ـــ التي أعلن فيها مكتب المرجع علي السيستاني عدم تأييده لأي جماعة أو حزب ديني خلال الانتخابات ـــ فهم ينوون التصويت بنسبة 56 في المئة فقط لمصلحة التيارات الدينية.
وتفاوتت نسب تأييد الأحزاب العلمانية وغير الدينية في الاستفتاء لبقية المحافظات العراقية. فـ70 في المئة من المشاركين في الاستفتاء من محافظة البصرة أعربوا عن دعم الشخصيات المستقلة والأحزاب غير الدينية، وهو ما سجّلته نتيجة مماثلة في محافظة ديالى.
يُشار إلى أن عام 2009 في العراق يتشابه مع عام 2005 من ناحية عدد الاستحقاقات الانتخابية. فقبل 4 أعوام، خاض العراقيون ثلاثة انتخابات لاختيار أعضاء الجمعية الوطنية، وشاركوا في الاستفتاء على الدستور وانتخابات البرلمان. ومن المقرر أن يشهد عام 2009، انتخابات مجالس المحافظات، والاستفتاء على الاتفاقية الأمنية، والانتخابات العامة، إضافة إلى احتمال تنظيم الاستفتاء على التعديلات الدستورية، إن تم إنجازها.