استنساب التعاقد مع متقاعدي «الريجي»
محمد وهبة
لا تزال عقلية المحاصصة والمحسوبيّات السياسيّة تسيطر على الإدارات وأصحاب القرار الرسمي في لبنان. هذا ينطبق على كل الإدارة والمؤسسات العامّة، ومنها إدارة حصر التبغ والتنباك «الريجي». إذ هناك لجنة مؤقّتة تكلّف حوالى مليار ليرة من دون أن يكون لها أي مهمات محددة. وقد سعى غير وزير للمال إلى إلغاء هذه اللجنة، وكان آخرهم وزير المال السابق جهاد أزعور، إلا أن رئيس مجلس الوزراء يرفض ذلك بذريعة الحفاظ على التوازنات في الإدارة.

اقتراح بإلغاء اللجنة المؤقتة

يفيد كتاب رفعه أزعور إلى مجلس الوزراء، تحت الرقم 840 في 20 أيار 2006، بأن اللجنة المؤقتة التي تدير «الريجي» تكلّف الدولة «مبالغ باهظة تقارب مليار ليرة سنوياً، من دون أن تؤدي في المقابل أي نتيجة تعود بالنفع العام على الإدارة». واقترح أن يبقى المدير العام للريجي ناصيف سقلاوي في وظيفته كمدير، ويعاد أعضاء اللجنة إلى وظائفهم الأصليّة، فيُعاد عصام سلمان إلى وظيفته الأصلية في إدارة التفتيش المركزي، وجورج حبيقة إلى الأمانة العامة التجارية في إدارة الحصر، ويُعدّ مشروع مرسوم لإلغاء تعيين محمود سنجقدار ومازن حنا المعيّنين بموجب المرسوم رقم 14172 بتاريخ 3 آذار 2005، مع لفت النظر إلى أن سنجقدار كان يعمل في إدارة الحصر وقد أحيل على التقاعد لبلوغه السن القانونية. لذلك ترى وزارة المال ضرورة الشروع في إعداد مشروع قانون ينظّم، نهائياً، الإطار القانوني لاحتكار التبغ في لبنان.

توسيع اللجنة

ويبني أزعور كتابه على أساس أن اللجنة المؤقتة لا وجود قانونياً لها، أي ليس لها توصيف وظيفي. فقد تم اللجوء إلى مجلس الوزراء في 28 تشرين الثاني 1991 لاستصدار قرار تعيين لجنة مؤقتة لإدارة «الريجي»، ثم جرى توسيعها لاحقاً «من داخل ملاك إدارة الحصر»، ثم أُنهيت العلاقة التعاقدية بين الدولة وشركة الحصر «ذات المنفعة العامة». وفي عام 2002، عيّن سقلاوي رئيساً للجنة ومديراً عاماً لإدارة الحصر، وأُضيف كلّ من سنجقدار وحنا في 2005 «من دون أي مبرر أو حاجة إلى خدماتهما».
ويفيد الكتاب بأن اللجان المؤقتة كانت تقوم بمهمات تصريف الأعمال «كما هو واضح من فترات التمديد التي كانت تحصل في كل مرة»، أي إنه لا وجود للجنة في ملاك المؤسسة مكلفة بإدارتها، وبالتالي يجب إنهاء مهماتهم فيها من دون أن يترتب لهم أيّ حق مكتسب عن فترة عملهم فيها، من تعويضات وخلافه.

خدمات إضافية

من جهة أخرى، يثير بعض المطّلعين ظاهرة الاستعانة بخدمات المتقاعدين في «الريجي»، عبر رئيس الحكومة ووزير المال ورئيس اللجنة. إذ إنهم يستنسبون الموافقة أو عدم الموافقة على «الاستعانة بخدمات المتقاعدين» الذين يحصلون على تعويضات شهرية بملايين الليرات قد تصل إلى 7 ملايين ليرة، لكن الأمر ليس واضحاً مع وزير المال محمد شطح بعد، إذ إنه لم يوافق بعد على الاستعانة بخدمات الأمين العام الفني كمال عتريسي، فيما كان السنيورة وأزعور يستعينان بخدمات أيّ من المديرين المحسوبين عليهما بالسياسة، علماً بأن الكتاب الأخير الذي عرضه أزعور على السنيورة يتضمن أن تمتنع إدارة الحصر ابتداءً من أول آب 2008 عن الاستعانة، بأي شكل من الأشكال، بخدمات المستخدمين السابقين الذين أنهيت خدماتهم لبلوغهم السن القانونية، سواء بالتعاقد أو بالفاتورة أو بشراء الخدمات أو بأي صيغة أخرى.
ويشير الكتاب إلى هذا الأمر بوضوح: «وزارة المال سوف لن توافق بعد تاريخ 31 تموز 2008 على أي شكل من أشكال الاستعانة بخدمات الذين بلغوا السن أو على صرف أي نفقات لهم لهذه الغاية». لكن دفع التعويضات الشهرية لهم استمر. لا بل إن بعض المديرين الذين يطرح السنيورة الاستعانة بخدماتهم كانوا قد أوقفوا عن العمل منذ 24 تموز 2002 بسبب أمور ذات منفعة شخصية.
فقد ورد في كتاب لإدارة «الريجي» وموضوعه «عقوبة توقيف عن العمل» رقمه 93 بتاريخ 2002 أن الأمين العام الفني قد اتبع أسلوباً «غوغائياً في المطالبة بمنافع معينة ذات طابع شخصي صرف، ويعتبر من الارتكابات الخطيرة في أصول التعامل الإداري وفي أصول ممارسة الصلاحيات المسؤولة...»، ثم أعيد هذا المدير إلى وظيفته كمدير... واليوم تُطرح على وزير المال محمد شطح «الاستعانة بخدماته»!