لا يختلف واقع زراعة التنباك في عكار عن حال القطاع الزراعي بكامله في لبنان. إهمال، ارتفاع في أكلاف الإنتاج، انقسام نقابي يشرذم المطالب... وآلاف العائلات التي تطلب التمسك بـ«قشة» أمل...
عكار ــ خالد سليمان
يشعر مزارعو التبغ والتنباك في عكار بأن زراعتهم باتت في خطر حقيقي نتيجة بقاء الأسعار على حالها رغم ارتفاع كلفة إنتاج المحاصيل، وخصوصاً مع وجود توجه لدى وزارة المال نحو إلغاء الدعم عن هذه الزراعة التي يعتاش منها آلاف العائلات، ولا سيّما في سهل عكار. وفي وقت وصل فيه الحوار بين إدارة حصر بيع التبغ والتنباك «الريجي» ومعها وزارة الوصاية (المال) واتحاد نقابة مزارعي التبغ والتنباك في الشمال إلى تجميد موضوع بحث مستقبل هذه الزراعة إلى ما بعد الانتخابات النيابية، يواصل المزارعون تسليم محاصيلهم إلى إدارة الريجي في طرابلس حتى نهاية الشهر الحالي ليبدأ الاستعداد للموسم المقبل في شهر أيار في رحلة تمتد لأشهر طويلة... على أي حال فقد وصل اليأس بمزارعي التنباك إلى حد المطالبة بتعويضهم بدلاً من دعمهم، وخصوصاً أن السبل الآيلة لدعم هذه الزراعة تمر عبر خزينة الدولة، التي يشكو المسؤولين عنها من العجز وعدم قدرتها على تكبّد نفقات إضافية، فيما من الواضح أن التوجهات الاقتصادية لدى الحكومة الحالية وسابقاتها لا تزال تعتمد سياسة إهمال القطاع الزراعي.

تراجع الاهتمام

وكحال باقي المزارعين في عكار يشكو مزارعو التبغ والتنباك من تراجع اهتمام الدولة بهم، فقد غاب التقليد السنوي بتكريم مزارع التبغ النموذجي في عكار، الذي كان يقام سنوياً في السهل. كما أن المطالبات المزمنة بإدخال مزارعي التبغ والتنباك إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بقيت من دون نتيجة، إضافةً إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية والأسمدة الزراعية. وما زاد الطين بلة، انقسام مزارعي التنباك بين نقابة «موالية» واتحاد «معارض» لاستمرار زراعة التبغ والتنباك في عكار مما أدى إلى ضعف المطالب وتشتت الجهود.
وقال رئيس اتحاد مزارعي التبغ والتنباك في الشمال عبد الحميد صقر إن هناك حواراً بين الاتحاد ووزارة المال وإدارة الريجي عن مستقبل زراعة التنباك في عكار، مشكّكاً في المقابل بشرعية «نقابة عمر خشفي الموالية لتيار سياسي، التي استحصلت على ترخيص من وزير العمل بالوكالة حسن السبع في الحكومة السابقة»، لافتاً إلى أن هناك طعناً بشرعية هذه النقابة مقدماً إلى مجلس شورى الدولة لإبطال هذه النقابة. صقر كشف أن الحوار مع وزير المال محمد شطح ورئيس إدارة الريجي المهندس ناصيف سقلاوي وصل إلى «نتائج إيجابية لكنّ تدخل بعض النواب في عكار أدى إلى تجميد الموضوع إلى ما بعد الانتخابات النيابية لكي لا يوظّف الإنجاز الذي حققه الاتحاد لمزارعي التنباك في عكار لمصلحة «المعارضة» على حد قوله.

معارضة شطح

وأضاف صقر إن الاتحاد الذي التقى شطح منذ أشهر بحضور سقلاوي طالبه بزيادة الأسعار بمعدل ألف ليرة للكيلوغرام ليصبح 9500 ليرة بعد موجة الغلاء وارتفاع الكلفة فعارض الوزير ذلك «لأن الوزارة لا تستطيع زيادة الأسعار لزراعة هي مدعومة أصلاً وتكلف الخزينة خسائر بمئات الملايين». ورأى شطح أن «هناك صعوبة في تصريف إنتاج التنباك العكاري الذي لا يتمتع بمواصفات جيدة كتبغ الجنوب».
واقترح شطح بحسب صقر، التفتيش عن حلول توازي بين مصلحة مزارعي التنباك من جهة، ومصلحة الخزينة من جهة أخرى، مقترحاً حلّين لذلك، تحفّظ الاتحاد على الأول ووافق على الثاني، لأنه أفضل للمزارعين. يقضي اقتراح شطح الأول بأن يدفع لكل مزارع تنباك في عكار مبلغ 50 في المئة (الاتحاد طالب بـ60 في المئة) من مردود الرخصة، علماً بأن مجموع المأذونيات في عكار يبلغ 4300 مأذونية (رخصة زراعة) تحفّظ الاتحاد على هذا الحل لأنه لا ضمانة بأن تستمر الدولة في الدفع، وقد تأتي أصوات تقول إنّ «هناك مزارعين في لبنان يقبضون ولا يزرعون، كما يقال اليوم إن هناك موظفين يقبضون ولا يعملون». لكن الاتحاد وافق على هذا الاقتراح بعد ضمانات من شطح، الذي قدّم اقتراحاً آخر يقضي بدفع مبلغ مقطوع إلى كل مزارع مقداره 20 مليون ليرة (الاتحاد طالب بـ 30 مليون) تسترد الوزارة بعد ذلك الرخص. وافق الاتحاد وإدارة الريجي على الاقتراحين، ورفعهما إلى وزارة المال التي جمّدت البحث في الموضوع بعد تدخلات سياسية بحسب صقر.

بين الدعم والتعويض

ورداً على سؤال عن أن هذه الحلول قد تقضي على زراعة التنباك في عكار يدافع صقر بالقول «إن غالبية كبرى من المزارعين في قرى سهل عكار وببنين وبرج العرب تؤيد الحلول التي توصّل إليها الاتحاد مع إدارة الريجي ووزارة المال، لأنها تحفظ حقوق المزارعين. وهي غير ملزمة لهم، فمن لا يريد ذلك يمكنه أن يستمر في زراعة التنباك». المزارعة عليا قاسم (بلانة الحيصة) التي تعمل في زراعة التنباك منذ سنوات طويلة قالت إنها سمعت عن مبالغ (تعويضات قد تدفع للمزارعين) وهي تفضّل التعويض على الاستمرار في هذه الزراعة «لأن هذا المبلغ قد يساعد على تحسين أحوالها، وإنشاء مشروع ما، ويمكن أن نزرع محاصيل أخرى كالخضار والفاكهة بدلاً من الدخان»، مضيفةً إن أسعار التنباك (2000 دولار للرخصة سنوياً) لم تعد تكفي احتياجات المنزل مع ارتفاع كلفة المحصول والعمل المضني.