لن تكون زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما اليوم للسعودية ذات بعد بروتوكولي فقط لتقديم واجب العزاء بالملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز وتهنئة الملك الجديد سلمان بتبوئه سدة الحكم. الزيارة الثانية لأوباما في أقل من عام يراد لها التأكيد على متانة العلاقات بين البلدين التي عادت للتتجذر أكثر بسبب الحرب على «الإرهاب» المتمثل بتنظيم «داعش» عدا عن التناغم الواضح في ملف أسعار النفط العالمية، والتي أراد من خلالها البلدان ضرب الاقتصادات المناوئة لسياساتهما، وعلى رأسها روسيا وإيران.
واستبق أوباما زيارته للسعودية، بتأكيده «أن العلاقة السعودية الأميركية مهمة من أجل الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط وأبعد من ذلك»، مشدداً على أن «قوة شراكتنا بين بلدينا تشكل جزءاً من إرث الملك عبد الله».

أوباما الذي يصل اليوم برفقة زوجته ميشيل إلى الرياض، قادماً من الهند، سيبحث مع الملك الجديد سلمان، «على الأرجح» الحرب على تنظيم «داعش» والأزمة السياسية في اليمن، بحسب ما أعلن نائب مستشار الأمن القومي الأميركي بن رودز.
وأوضح رودز، في إفادة صحافية في نيودلهي، بأن الملك سلمان ملتزم باستمرار التعاون مع الولايات المتحدة في القضايا الثنائية الهامة.
مستقبل العلاقات بين البلدين سيكون حاضراً أيضاً على لقاء أوباما ـ سلمان في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية، ولعل أبرزها المفاوضات النووية ــ الإيرانية التي تسببت بتصدع في العلاقات بين البلدين بعد الاتفاق بين إيران ومجموعة (5+1)، والتقارب الإيراني ــ الأميركي، ما أجبر الرئيس الأميركي حينها على زيارة الرياض وتأكيد التزام واشنطن بأمن السعودية.
عدا عن ذلك، فإن تراجع واشنطن عن ضرب سوريا وإطاحة نظام الرئيس بشار الأسد ساهم أيضاً في تصدع العلاقة بين البلدين، بالإضافة إلى مواقف واشنطن الضبابية من أزمة اليمن. وحدها الحرب على «داعش» في العراق ساهمت في تهدئة الأجواء بين واشنطن والرياض.
ويمكن الإيجاز أن علاقة الرياض بواشنطن خلال الولاية الثانية للرئيس باراك أوباما كانت الأسوأ في تاريخ علاقات البلدين بعدما كانت قد بلغت مراتب مهمة في عهد الرئيس جورج دبليو بوش الذي عمل على تمتين العلاقات بعيد الحرب على العراق.
إلا أن المسؤولين الأميركيين يقولون إنه على مدار الأشهر القليلة الماضية، عادت العلاقات بين واشنطن والرياض إلى الدفء من جديد، وتعززت بالزيارة التي قام بها أوباما للعاصمة الرياض في آذار الماضي، والأكثر أهمية بتركيز البلدين الأساسي على التصدى لصعود «داعش».
وفي السياق، رأت صحيفة «واشنطن بوست» أن الاضطرابات وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط يضعان العلاقات بين الولايات المتحدة والملك السعودي الجديد محل اختبار. ونقلت «واشنطن بوست» عن أحد كبار مسؤولي الإدارة الأميركية قوله إنه لا يريد أن يرسم صورة للانسجام الكامل في العلاقات. «فالسعوديون يريدون من واشنطن أن تكون أكثر قوة مع إيران ومع سوريا»، إلا أنه أضاف قائلاً إنه يعتقد أنه على كلا الجانبين، كان هناك تطور، ويعتقد أن صعود «داعش» قد قرّب بين البلدين.
وأضاف المسؤول الذي لم يكشف عن هويته إن «السعوديين يرون (داعش) تهديداً مباشراً لاستقرارهم الداخلي»، كاشفاً أن ولي ولي العهد الجديد، الأمير محمد بن نايف، أكد خلال زيارته لواشنطن في كانون الأول الماضي، أنه «ليس هناك خلافات واضحة في الآراء، وقضية بعد أخرى، أصبحنا قادرين على الاتفاق على المضي قدماً».
ولفتت الصحيفة إلى أن «المخاطر في هذه العلاقة عالية. فالولايات المتحدة تريد مساعدة من السعودية في تعقب الإرهابيين ووقف تمويل الجماعات الجهادية المسلحة، وباعتبارها أكبر مصدر للنفط في العالم، فإن استقرار السعودية هام للاقتصاد العالمي. كما أن الرياض من جانبها تريد مساعد الولايات المتحدة في حماية بنيتها التحتية النفطية الشاسعة وممرات ملاحية لناقلاتها النفطية».
من جهته، الخبير في الشؤون النفطية والاستراتيجية، جان فرنسوا سيزنيك، يؤكد أن «السعوديين على كل المستويات يرون أن الأميركيين لم يعودوا محل ثقة».
ويضيف سيزنيك إن السعوديين يرون أن «الأميركيين سينسحبون (استراتيجياً) من المنطقة بكل الأحوال، وبإمكانهم أن يتوصلوا بدورهم إلى اتفاق مع إيران بعد اتفاقها مع القوى الكبرى، وبإمكانهم بموجب هذا الاتفاق أن ينسقوا مع الإيرانيين لترتيب شؤون المنطقة من سوريا إلى اليمن».
وخلص سيزنيك إلى القول "قد يكون هناك مناسبة الآن للتلاقي بين واشنطن والرياض"، لكن «السعوديين فقدوا ثقتهم بالأميركيين على المدى الطويل».
وعما إذا كان السعوديون قلقين ازاء إمكانية توصل مجموعة (5+1) إلى اتفاق نووي مع إيران، قال سيزنيك إن «السعوديين لا ينظرون في الواقع إلى هذا الاتفاق بشكل إيجابي».
لكن أوباما قد يكون يحصل حالياً على هدية ثمينة من قبل السعوديين بفضل سياستهم النفطية التي ساهمت في انخفاض أسعار الخام عبر عدم التدخل لخفض الإنتاج.
وقال الخبير المتخصص في شؤون الشرق الأوسط فريديريك ويري إن «انخفاض أسعار النفط هدية لأوباما لأن انتعاش الاقتصاد الأميركي يرتبط بذلك وعلى أوباما أن يكون ممتناً لذلك». ورأى أن تسلم سلمان الحكم يمكن أن يفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، ما يساهم في إعادة ثقة الرياض بواشنطن، وعزا ويري هذا الرأي إلى أنه لم يكن هناك علاقة شخصية جيدة بين الملك عبد الله وأوباما.
وأضاف ويري إنه «على المستوى التنفيذي، ليس هناك أي تغيير من الجانب السعودي لأن أشخاصاً مثل وزير الداخلية، الأمير محمد بن نايف (الذي يمسك بالملف الأمني وأصبح ولياً لولي العهد) ما زالوا موجودين لا بل تعزز موقعهم».
بدوره، لفت رئيس مركز «الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية، أنور عشقي، إلى أن «هناك ملفات لا بد أن يكون هناك تفاهم حولها بين (الملك سلمان) و(الرئيس باراك) أوباما، لأن المملكة تتفق مع واشنطن على كثير من الأهداف، لكن الاختلاف واضح حول عدد كبير من المسائل».
وأوضح عشقي أن «السعودية تختلف مع واشنطن في الاستراتيجيات حول ملفات متنوعة»، مشيراً إلى أنه «في التعامل مع الإرهاب وتنظيم الدولة الإسلامية، ترى السعودية أنه يجب زوال السبب وهو غياب العدالة في العراق والعنف في سوريا الذي يشكل حاضنة للإرهاب، وليس فقط التعامل مع الظاهرة».
أما على صعيد الملف الإيراني، فيقول عشقي إن الرياض ترى أن الولايات المتحدة «تركز فقط على مسألة السلاح النووي، لكن المملكة تريد منها أن تواجه سياسة زعزعة الاستقرار في المنطقة».
وتتهم السعودية إيران بالتدخل في شؤون الدول العربية في المنطقة، ولا سيما في اليمن وسوريا والعراق ولبنان والبحرين.
كما تتطلع السعودية إلى التزام أميركي أكبر في ليبيا وفي اليمن «لإجبار الجميع على العودة إلى العملية السياسية» بعدما سيطر الحوثيون على صنعاء وما تلاها من استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)