Strong>الاحتلال يغادر أرض القطاع... ويبقى في سمائه وبحرهانتهت الحرب. أنهت قوات الاحتلال إعادة انتشار جيشها. لا جنود إسرائيليين على أرض غزة. لكن الطيران الحربي أبى المغادرة، أصر على احتلال سماء القطاع. أما بحر غزة، فبات مرتعاً لزوارق حربية تجوبه من الشمال إلى الجنوب، ولا تكف عن إطلاق قذائفها، إن لم يكن باتجاه قلة من الصيادين الذين تجرأوا على نزول البحر، ففي مناطق خالية

غزة ــ قيس صفدي
مع إصرار الغزاويين على استئناف حياتهم، انسحبت جميع القوات الإسرائيلية من القطاع، وأعلن المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي، مارك ريغيف، «أعدنا الانتشار في جانبنا من الحدود وسنراقب الأحداث عن كثب»، مضيفاً «إذا انتهكت حماس وقف إطلاق النار، فإننا بالطبع نحتفظ بحق التصرف لحماية شعبنا».
في المقابل، ألقى رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل، مساء أمس، خطاباً هنّأ فيه الشعب الفلسطيني على «الانتصار» الذي تحقّق على العدوّ الإسرائيلي. وبعدما شكر مشعل كلّ من ساند المقاومة وشعبها، وجّه التحية إلى القادة العرب «لدعمهم غزّة في قمّتي الدوحة والكويت»، معرباً عن أمله بإنجاز مصالحة فلسطينية على قاعدة المقاومة لا «المفاوضات العبثيّة».
وتعهّد مشعل باسم الحكومة المقالة في غزة بتغطية التعويضات وإعطاء العائلات المنكوبة في غزّة مبلغاً من المال، مناشداً الجهات المانحة، أكانت دولاً أم منظمات، اعتماد أحد أسلوبين في توزيع المساعدات والأموال: «إما إعطاء المساعدات إلى الحكومة الشرعية التي يرأسها إسماعيل هنيّة ذات الأيدي النظيفة»، أو أن توزّع مباشرة إلى أهل القطاع، محذّراً من «إعطاء المال إلى الفاسدين». ورأى مشعل أن «الانتصار العظيم هو الأول الذي يتحقق في حرب حقيقية على أراض فلسطينية».
وعن مرحلة ما بعد العدوان، حدّد مشعل أولويّتين: فتح معبر رفح وفك الحصار، جازماً بأنّ المقاومة «ستبقي أيديها على الزناد، لأن العدو مخادع ويعاني من توالي الهزائم، من لبنان إلى غزة».
وخاطب قادة دول العرب والعالم بالقول «آن لكم الاعتراف بحماس التي نالت كل الشرعيات، السياسية والوطنية».
في هذا الوقت، استعادت الحياة في غزّة نبضها ببطء ملموس. دبت الحركة نسبياً في شوارعها. شهدت حركة السيارات بين مدينة غزة، كبرى مدن القطاع، وباقي المدن نشاطاً ملحوظاً وضغطاً من الغزاويّين، الذين تبادلوا الزيارات والتهنئة بالسلامة، وغالباً تقديم واجب العزاء في شهداء دفنوا خلال الحرب من دون معزّين. وواصل الغزّاويّون لملمة جراحهم وتفقد منازلهم المدمرة، بينما شغلت فرق الإسعاف والطوارئ لليوم الرابع على التوالي، بالبحث عن شهداء مفقودين تحت الأنقاض وركام المنازل والمباني المدمرة.
وعاد المدرّسون والموظفون في سلك التعليم إلى مدارسهم أمس، تمهيداً لاستئناف المسيرة التعليمية، واستقبال الطلاب بغد غدٍ السبت، بعد انقطاع أربعة أسابيع بسبب الحرب الإسرائيلية التي استمرت 22 يوماً.
كما دعت وزارة التربية والتعليم في حكومة «حماس»، جميع طلابها إلى «التوجه إلى مدارسهم السبت المقبل»، لافتةً إلى أن «الدمار لحق بنحو 80 في المئة من مدارسها في القطاع، وأنها تقوم بأعمال صيانة سريعة لاستقبال الطلاب، واستخدام تلك المدارس لفترتين إلى حين إعادة إعمار المدارس المدمرة تدميراً كاملاً». وألغت الوزارة امتحانات نهاية الفصل الأول مراعاة للحالة النفسية والاجتماعية للطلاب الذين شرّدوا من منازلهم واستشهد ذووهم، لافتة إلى أن «تقويم مستوى الطالب سيجري بناءً على الامتحانات الشهرية والفصلية السابقة».
في هذا الوقت، انتشر شرطيون تابعون للحكومة المقالة برئاسة إسماعيل هنية، بالزي الرسمي لتنظيم حركة المرور في الشوارع والميادين الرئيسة. وفتحت مصارف ومؤسسات خاصة ومحال تجارية أبوابها، فيما انهمك عمال البلديات والصيانة في شركتي الكهرباء والاتصالات، في جمع النفايات وركام المنازل والمباني المدمرة، وإصلاح شبكات الهاتف والكهرباء.
ودعا الأمين العام لمجلس الوزراء في الحكومة المقالة، محمد عوض، الموظفين الحكوميين إلى «العودة إلى أعمالهم السبت المقبل، لاستئناف تقديم الخدمات المدنية للسكان من مقار بديلة عن تلك المقار والوزارات التي طاولها القصف والتدمير». وقال إن «الحكومة ستقوم بتوزيع الموظفين على الوزارات التي لم يشملها القصف والتدمير خلال الحرب الإسرائيلية»، التي استهدفت غالبية الوزارات والمقارّ الأمنية التابعة للحكومة على امتداد القطاع.
في السياق، أصدرت وزارة الداخلية، التي فقدت وزيرها سعيد صيام في عملية اغتيال إسرائيلية، أوامر لعناصرها بالالتزام بالزي الرسمي وأداء المهمّات الأمنية لحماية المواطنين وممتلكاتهم وحفظ الأمن.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية، إيهاب الغصين، إن «الوزارة تواجه تحديات حقيقية وكبيرة جراء الدمار الواسع الذي أصاب جميع مقارّها ومراكزها وسياراتها في أنحاء القطاع». وأكد أن «عناصر الشرطة والأمن كانوا يقومون بمهماتهم بالزي المدني خلال الحرب لحفظ أمن السكان ومنع الاستغلال والاحتكار».
وبالتوازي، كشفت مصادر رسمية لـ«الأخبار»، عن ملفات أعدها جهاز الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية في حكومة «حماس» خلال الحرب، «تتعلق بالمتعاونين مع الاحتلال، والتجار المحتكرين الذين استغلوا الظروف الطارئة لجني الأرباح، وحتى ملفات لعناصر ونشطاء من حركة فتح، كانت لهم ممارسات شائنة». وأضافت إن «عناصر الأجهزة الأمنية عالجوا حالات عدة ميدانياً خلال الحرب، وأعدموا عدداً من العملاء».
إلى ذلك، أعلن وزير الأشغال العامة والإسكان في حكومة هنية، يوسف المنسي، أن الحكومة «لا تمانع من التنسيق مع أي جهة كانت بما فيها السلطة الوطنية، لإعادة إعمار غزة. لكن يجب أن تتولى الحكومة في غزة جهة التنسيق والإشراف بالشكل المباشر». وقدّر ما تحتاج إليه عمليات إعمار غزة، بما فيها مراحل الإغاثة والإيواء، «بنحو مليارين و215 مليون دولار أميركي»، لافتاً إلى أن «إعادة الإعمار تتطلب فتح المعابر ورفع الحصار رفعاً كلياً».
ولفت المنسي إلى أن «الحكومة وضعت الخطط الشاملة للإيواء والإغاثة وإعادة الإعمار، وقدمت حتى الآن ما يزيد على مليوني دولار كمعونات عاجلة لإيواء المشرّدين».