لم يكن العراق في منأى عن ظاهرة السرور بوصول باراك أوباما إلى الرئاسة الأميركية. موجة تفاؤل تخرقها دوائر المثقفين والأكاديميين الذين لا يرون مبرراً لهذه الفرحة بما أن الضيف الجديد ما جاء إلا ليجمّل بشاعة إمبراطوريته
بغداد ــ زيد الزبيدي
وسط أجواء التفاؤل والأمنيات التي سادت الأوساط السياسية الرسمية العراقية بتولّي باراك أوباما الرئاسة الأميركية، يبدو الشارع العراقي، وخصوصاً كوادره المثقفة، أكثر حذراً؛ فطيف واسع من «مثقّفي» المجتمع يفهمون الظروف التي أسهمت في إسقاط طاقم جورج بوش، والمجيء بإدارة جديدة، في محاولة لإنقاذ ما تيسّر من ماء الوجه الأميركي، ومن التدهور الذي سبّبته الأزمة الحالية للرأسمالية العالمية.
ولاحظ أستاذ العلوم السياسية، الدكتور محسن جاسم الموسوي، أن «القادة الأكراد مثلاً، رغم أنهم الأكثر ولاءً للاحتلال، أخذوا يطلقون التصريحات الرنانة التي تفيد بأنّ الإدارة الأميركية لا يؤتمن جانبها، بما أنّ همّها يبقى محصوراً بمصلحة بلادها». ويذكّر الحكام الأكراد، بأنّ إدارة الرئيس الأميركي الراحل، جيرالد فورد، «خانتهم أشد خيانة»، بتشجيعها على عقد اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران في عام 1975، وهي التي أدت إلى انهيار الحركة المسلحة الكردية بقيادة مصطفى البرزاني، وأدت دوراً كبيراً في وقف الحرب العراقية ـــ الإيرانية عام 1988، ما أفسح المجال أمام نظام صدام حسين لتوجيه الضربة القاسية للحركة المسلحة الكردية. وبعد 34 عاماً على «الخيانة الكبرى»، يدرك الأكراد أنّ إدارة بوش تركت «قضية كركوك» من دون حلّ، ولم تبذل الجهد الكافي لضمها إلى إقليمهم.
وبحسب الكاتب مهدي سعيد، فإن تغيّر الإدارة في واشنطن، جاء نتيجةً حتميةً للفشل الذريع الذي مُنيت به الولايات المتحدة في «الحرب على الإرهاب»، التي كانت «تعني ضمنياً الحرب على كل حركات التحرر الوطني». ويرى أن الخطاب الأول الذي ألقاه أوباما قبل يومين، كان اعترافاً صريحاً بفشل سياسة بلاده، ليس في العراق فحسب، بل على الصعيد العالمي.
بدوره، يشير أستاذ العلوم السياسية، محمد عبد اللطيف، إلى أنّ الاحتفاء الكبير بمجيء أوباما، لا يعني تبديل رئيس برئيس، بل هو «إعلان سقوط»، أو على الأقل «إعلان سقوط وشيك للإمبراطورية الأميركية، التي بدأت تأفل عنها الشمس، شأنها شأن كل الإمبراطوريات التي سبقتها».
ويرى عبد اللطيف أن أوباما اعترف بسقوط «الحلم الأميركي»، وأنّ هذا الإعلان لا يمكن اعتباره مجرد رأي أو موقف شخصي، بل «محاولة من المؤسسة الأميركية لتجاوز الأزمة الاقتصادية، من خلال إظهار نوع من الاعتدال السياسي والاقتصادي إزاء اقتصاد السوق المتطرف».
وفي السياق، يعتقد طالب الدراسات العليا، نبيل مجيد الزاملي، أن أوباما «ليس انقلابياً، لكنه يحاول إضفاء مسحة من الجمالية على الدكتاتورية الأميركية بإصلاحات فوقية لا تمس الجوهر».
وبالنسبة إلى سياسة الرئيس الجديد تجاه العراق، لا يتوقع الزاملي منه أي خير، «باستثناء بعض الترقيعات»، مبرراً تشاؤمه بقوله: «لو كان صادقاً، لاعترف بخطأ وخطيئة الغزو والاحتلال، ولحمّل إدارة بلاده مسؤولية كل الخراب الذي لحق بالعراق، وكل الدماء التي سُفكت على أرضه».
أما عن استراتيجية أوباما بـ«الانسحاب المسؤول» من بلاد الرافدين، و«ترك العراق لأهله»، فليست سوى «تلاعب لفظي لإبقاء الاحتلال بشكل أو بآخر، وإبقاء حراسة متعهدي الاحتلال من العراقيين الذين يتولون رعاية المصالح الأميركية».