Strong>وسط الدمار، أبى أطفال غزة إلّا أن يعودوا إلى مدارسهم. استطاعوا أن يتخطّوا أصوات القذائف، والليالي التي عجزوا فيها عن النوم، حتى يزاولوا مجدداً تفاصيل الحياة، ويتشاركوا آلامهم مع أترابهم وأساتذتهمرفضت غزة الموت. عاد نحو 200 ألف طفل إلى مدارسهم، أول من أمس، بعدما فتحت 221 مدرسة تديرها الأمم المتحدة أبوابها مجدداً، وهي التي استقبلت خلال الحرب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.
وقف الأطفال في الطابور استعداداً للتمركز في صفوفهم. بدت على وجوههم دهشة البقاء على قيد الحياة. عيونهم تجول بين الدمار. وحده صوت الجرس يعيدهم إلى يوميات الحياة. كان ينظر بعضهم إلى بعض، يبحثون عن آثار القذائف على أجسادهم. في فناء مدرسة الشاطئ الإعدادية، اصطفّت الفتيات الصغيرات، وبدأن يتبادلن السؤال نفسه: «صباح الخير، هل لا تزالين على قيد الحياة؟».
هي المرة الأولى التي يلتقي فيها تلاميذ غزة بمدرّسيهم، منذ أن بدأت القنابل الإسرائيلية تسقط على غزة يوم 27 كانون الأول الماضي. وبعد انتهاء الحرب، صار اليوم الدراسي يبدأ في وقت مبكر، نظراً لعدم وجود مساحات كافية في حجرات الدراسة لجميع الطلاب، ولذلك تعمل المدارس دورتين يومياً.
في حصة اللغة الإنكليزية، قالت إحدى الفتيات إن «إسرائيل تكره الفلسطينيين وتكره العرب وتكره المسلمين وتكره الإسلام». وأعربت الفتيات عن رفضهنّ لأي اتفاق سلام مع الاحتلال بعد هذه الحرب.
وبدا أن الفتيات شعرن بالسعادة لعودتهن إلى المدرسة معاً، وإن كانت الروايات التي تبادلنها في ما بينهنّ حزينة في معظمها. وقالت إحدى الطالبات «أرى في أحلامي دماء»، آسفة على منزلها الذي «هدم». أما صديقتها، فقد بدت سعيدة إذ «تمكنتُ من إنقاذ ملابسي وحقيبة المدرسة».
وفي حجرة الدراسة، قالت فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً، إن «إسرائيل شنت هجومها في وقت الامتحانات لأنها تريد تدمير تعليمنا»، مضيفة «هي لا تريد قتل حماس. إنها تريد قتل كل الفلسطينيين ومقاومتهم»، فيما علّقت أخرى «إسرائيل لديها أسبابها. هناك انتخابات ستجري، ودماؤنا هي الحبر الذي سيستخدم في أوراق التصويت».
ولم يعترض أحد في الصف عندما قالت إحدى الطالبات: «يجب أن تكون هناك حرب مع إسرائيل بقية أيامنا، حتى تتم استعادة كل فلسطين من اليهود».
ورغم كل المآسي التي مرّت بها الطالبات، إلا أنه كانت تعتريهنّ بعض السعادة. وحين سئلن لماذا؟ قلن إنهنّ فرحات «لبقائهنّ على قيد الحياة، بينما كنّ يخشين أثناء القصف، ألّا يستيقظن مرة أخرى كلما خلدن إلى النوم».
وقالت المعلمة نهى عبد العاطي «تذكر أن هؤلاء تلميذات صغيرات أصبن بصدمة»، مضيفة «إنهن لا يزلن يشعرن بالخوف. وهن في بعض الأحيان يرددن ما يسمعنه».
في المقابل، وفي مدرسة الذكور في بيت لاهيا، تجمّع الأولاد في باحتها حاملين حقائبهم، وهم يصرخون ويلهون بمحاذاة قاعة أحرقت نتيجة استهدافها بقذيفة إسرائيلية.
أحد الطلاب، وهو اناس عباس (12 عاماً)، قال «هدموا منزلنا وقتلوا خمسة من جيراننا.
كان اليهود قريبين جداً من منزلنا». وكغيره من الأولاد، يتذكر محنته بعبارات مقتضبة، وغالباً ما يجيب عن الأسئلة بكلمة واحدة كأنه يحتفظ لنفسه بما عاناه.
وقال مدير المدرسة، رياض مليحة، للأطفال من خلال مكبّر الصوت، «تقدّموا خطوة إذا استشهد والدكم أو والدتكم، وتقدموا خطوتين إذا دمر منزلكم». أكثر من عشرين طالباً تقدّموا خطوة إلى الأمام لتسجيل أسمائهم لدى الأونروا للمساعدة.
وأوضح مليحة أن المدرسة ستخصص «جلسات يحاول فيها الأساتذة تشجيع الطلاب على التعبير عن مشاعرهم»، مضيفاً «سيشجّعونهم على التحدث عما حدث، وأن يرسموا أو يكتبوا للتعبير عن تجربتهم.
تصوّروا ماذا يدور في أذهان عشرات الأولاد الذين عاشوا تجربة صعبة، ويعودون اليوم إلى مقاعد الدراسة».
أما الدور الأساسي، فهو للمعالج النفسي ختام عزيز. يتوجه إليه الطلاب بأسئلة كثيرة عن الحرب.
يقول «يسألونني لماذا قصفوا المدرسة؟
يقولون إنهم يخافون أن يعود الإسرائيليون»، بينما يحاول هو طمأنتهم «اليهود لن يهاجموا المدرسة مجدداً. عليكم ألا تخافوا، وبإمكانكم اللهو براحة بال».
(أ ف ب، رويترز)