بغداد | بعد مرور سبعة أشهر على سقوط محافظة نينوى بيد تنظيم «داعش» والتداعيات الخطيرة التي سببتها، أقدم مجلس النواب على تشكيل لجنة خاصة تحقق بأسباب سقوطها وانهيار القوات الأمنية وتركها المعدات والأسلحة الخفيفة والثقيلة.وبدأت اللجنة التحقيقية، التي تضم 26 نائباً من مختلف الكتل السياسية والمحافظات العراقية، عملها الذي يستمر لمدة شهرين، بعد انتخاب هيئة رئاستها التي تتكون من حاكم الزاملي رئيساً، وأحمد الجبوري وشاخوان عبد الله نائبين للرئيس، ومن المتوقع أن تستضيف خلال الأيام المقبلة كبار الضباط في المؤسسة الأمنية.

وانتقد عدد من السياسيين والمختصين الآلية التي تشكلت على أساسها اللجنة التحقيقية، لأنها تتضمن «محاولة لتسييس الموضوع والتغطية على مجرياته»، وذلك بسبب العدد الكبير الذي يضم اختصاصات لا علاقة لها بمجريات التحقيق، وليس لديها علم بما كان يحصل قبل سقوط الموصل بيد تنظيم «داعش»، إضافة إلى أنها غير قادرة على استضافة كبار المسؤوليين.
وقالت مصادر مطلعة في لجنة التحقيق بشأن سقوط الموصل لـ«الأخبار» إن «اللجنة كشفت خلال الجلسات الأولية عن تورط بعض الشخصيات بنكبة حزيران، وأنها تتعرض حالياً لضغوط سياسية من أجل عرقلة التحقيق». وأضافت إن «اللجنة لن تتمكن من استضافة القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي، إضافة إلى بعض مساعديه»، مؤكدةً أن «اللجنة وجهت كتاباً إلى الحكومة بضرورة منع بعض القيادات العسكرية من السفر خارج العراق». وأوضحت المصادر أن «نتائج اللجنة التحقيقية في حال عرضها ستؤدي إلى نشوب خلافات سياسية والطعن بها».
ولفتت المصادر إلى أنه «سيتم استدعاء جميع الضباط المحتجزين على ذمة التحقيق في وزارتي الدفاع والداخلية، بينما أحيل قائد عمليات نينوى السابق مهدي الغراوي إلى المحكمة العسكرية بتهمة الخيانة العظمى».
وقال نائب رئيس لجنة سقوط الموصل شاخوان عبد الله لـ«الأخبار» إن «لجنة سقوط نينوى باشرت اجتماعاتها شبه اليومية منذ إعلانها... وتمكنّا من استضافة كبار الضباط؛ أبرزهم رئيس أركان الجيش بابكر زيباري ومعاونه وقائد الفرقة الثانية ورئيس أركانها، إضافة الى رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة نينوى».
وأضاف إن «اللجنة ستستجوب محافظ نينوى ورئيس مجلسها وبعض أعضائها، وعدداً من الضباط يصل عددهم إلى 40 ضابطاً»، مؤكداً أن «اللجنة ستستجوب أيضاً جميع الشخصيات السياسية التي أرسلت إلى محافظة نينوى بشكل إيفادات أو أي شخصية ستذكر في التحقيق».
ووجه معاون رئيس أركان الجيش لشؤون العمليات، عبود كنبر، وقائد القوات البرية، علي غيدان، اتهامات لقائد عمليات نينوى السابق، مهدي الغراوي، بأنه يقف وراء «نكبة حزيران»، وذلك بعد تقديمه ــ وفق زعمهم ــ معلومات مضللة عن عدم وجود عناصر تنظيم «داعش» في نينوى. لكن الأخير أكد أنه تلقى أوامر انسحاب القوات الأمنية من نينوى من إحدى الشخصيات، وهي فعلياً إما المالكي أو كنبر أو غيدان، وأصبح كبش فداء وضحية للاتفاقات والتحالفات السياسية.
وقال النائب عن «اتحاد القوى العراقية» الذي يمثل محافظة الموصل، علي جاسم، لـ«الأخبار» إن «مجلس النواب شكل لجنة أولى لأحداث الموصل من خلال رئاسة البرلمان، تضم سبعة أعضاء من لجنة الأمن والدفاع، لكن النائب عبد الرحمن اللويزي قدم طلباً موقعاً من 89 نائباً، لغرض تشكيل لجنة موسعة وشاملة»، مبيّناً أن «اللجنة اختارت 26 نائباً واستبعدت أغلب أعضاء اللجنة الأولى، منهم اسكندر وتوت ومهدي الشمري».
وأشار إلى أن «تسمية اللجنة الجديدة لم تكن مهنية وتدخلت الإرادة السياسية فيها، ونأمل أن تكون محايدة وتظهر الحقيقية».
اللجنة اتفقت على عدم الإدلاء بأي تصريحات صحافية بشأن عملها، والاكتفاء بإصدار البيانات، من أجل الحفاظ على سرية التحقيق، بينما دعا مختصون إلى محاسبة المقصرين بسقوط الموصل وعدم الاكتفاء بعزلهم، من أجل إعادة الهيبة للدولة العراقية وبالتحديد للقوات الأمنية.
من جانبه، قال الخبير الأمني هشام الهاشمي في حديثه إلى «الأخبار»، إن «لجنة التحقيق بسقوط الموصل دون مستوى الطموح، ولا تستطيع أن تكشف الحقائق لأن الأدلة دمرت وأصبحت بعيدة عن متناول اللجنة، فضلاً عن أنها غير متخصصة»، مبيناً أن «القانون يتيح لهم استدعاء الشخصيات السياسية، ولكن توسع عدد اللجنة يهدف إلى عدم استدعاء بعض القيادات السياسية والأمنية في التحقيق أو المشاورة».
ولفت إلى أن «التقرير النهائي سيعلن بطريقة خجولة جداً، ونتيجته الفشل، لأنه سيخفي الكثير من الحقائق التي ينبغي للمواطن أن يعلمها، ولكن التطورات السياسية والأمنية المقبلة كفيلة بنسيان نتائج اللجنة».
وفي حديث إلى «الأخبار»، قال رئيس «المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية»، واثق الهاشمي: «لا توجد رغبة حقيقية من قبل السياسيين في محاسبة المقصرين بسقوط الموصل، لأن التوافق السياسي كان العنوان الأبرز في اختيار لجنة سقوط الموصل البعيدة عن المهنية»، مضيفاً إنه «كان من المفترض اختيار شخصيات لا تتأثر بالمواقف السياسية، وتتمتع بخبرة عسكرية، لأن الذي حدث في الموصل خطير جداً، وتداعياته ما زالت قائمة حتى الآن».
ورأى أن «اللجنة لا تستطيع استدعاء المالكي أو محافظ نينوى أثيل النجيفي، وسيكون هناك تبادل للاتهامات بين أنصارهما داخلها، بينما الطرف الثالث سيتهم العسكر بما حصل، ما سيسوّف النتائج كما سوّفت نتائج قضية سبايكر»، مستدركاً أن النتيجة «قد تؤدي إلى معاقبة أحد الضباط، ولكن الموضوع أكبر من العسكر، فالجميع متورط بما حصل في الموصل».
وفي السياق نفسه، قال المحلل السياسي رحيم الشمري لـ«الأخبار» إن «التحقيق بقضية انسحاب الجيش من ثاني أكبر مدينة عراقية له أبعاده الإقليمية والداخلية، وإن قادة نكسة الموصل مرتبطون بأحزاب، وتعمد تلك الأحزاب من خلال كتلها في مجلس النواب الى تسويف القضية وتذويبها كي تحمي المتخاذلين من الضباط القادة».
وأضاف إن «الموصل مدينة متعددة القوميات والمذاهب والأديان، والصراع على رئاسة اللجنة زاد من المصاعب، فاستقر الرأي على النائب عن كتلة الأحرار حاكم الزاملي بوصفه رئيساً للجنة الأمن والدفاع النيابية ولكونه الحل الوسط لدى العرب والكرد والايزيديين والشبك والمسيحيين، والاطمئنان أكثر إلى عدم ضياع قضية الموصل بوجود وزير الدفاع خالد العبيدي وهو ابن المدينة والمؤسسة العسكرية».