موازنات 2006 ـ 2008 قيد النزاع السياسي والحلول لم تنضج بعدرشا أبو زكي
تلتزم «حكومة الإرادة الوطنية» في البند 48 من البيان الوزراي بـ«العمل مع المجلس النيابي على المناقشة بهدف إقرار الموازنات العامة للسنوات الثلاث الماضية (2006-2008) بما تتضمنه من إجراءات إصلاحية والعمل على إقرار مشروع قانون موازنة عام 2009 وإرسالها إلى المجلس النيابي ضمن المهلة الدستورية ومن خلال الاستمرار في اعتماد الإطار الإصلاحي الشامل»... مادة عصفت بها الصراعات المستمرة بين فريقي «الأكثرية» و«الأقلية»، فلا مشاريع موازنات الأعوام (2006 ــ 2008) وصلت إلى مجلس النواب، ولا مشروع موازنة عام 2009 قد تمّ الاتفاق عليه ضمن المهلة الدستورية، وحتى لو حصل ذلك فهي غير قابلة للإقرار قبل الانتهاء من ملف الموازنات الثلاث السابقة، التي لا تزال مجمّدة في «برّاد» الأسباب نفسها: «هذه الموازنات أصدرتها حكومة غير شرعية». «الحكومة كانت شرعية ولن نتنازل عن هذا الكلام». وبين الشرعية واللّا شرعية، تستمر الحكومة «المتوحدة» في السير على نهج سابقاتها، المرتكز على خرق الدستور، ومخالفة الأعراف، متأخرة عن إقرار موازنة العام الحالي 4 أشهر... والسبب صراعات كيدية أصبحت تصيب الناس بالنعاس ... والاشمئزاز!
هل ستقرّ موازنة عام 2009؟ وما هو المخرج القانوني لإقرارها إن بقيت المواقف ثابتة من الموازنات السابقة؟

قطع حسابات لا موازنات

في كواليس مجلس الوزراء الكثير من الكلام، والقليل من الحلول التي قد تليّن المواقف المتشنجة، وشرح الخروق الدستورية قد يطول، لكن المادة 32 من الدستور واضحة «يجتمع مجلس النواب يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول وتخصّص جلساته للبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر وتدوم مدة هذا العقد إلى آخر السنة»... ويوضح الرئيس حسين الحسيني لـ«الأخبار»، أن مخالفة المهل الدستورية تحولت إلى عرف سيّئ، فحتى موازنة عام 2009 قد تخطت المهلة المحددة في تشرين الأول الماضي، ويقول «إنها استباحة للدستور، وكل فريق يحاول تحصيل مصالحه، وأصبح الإنفاق من دون قواعد وقيود». فحتى لو أقرت الموازنات، يرى أن كل الإنفاق الحاصل في الأعوام السابقة خارج الدستور، إذ إنه عادة إذا تأخّر إقرار الموازنة عن شهر كانون الثاني يجري الإنفاق وفق القاعدة الاثني عشرية، ولكن الاستمرار في الإنفاق على مدى هذه السنوات من دون أية قواعد يعدّ خرقاً واضحاً لكل المعايير الدستورية التي تحكم هذا الموضوع... وهذا ما يؤكده عضو كتلة التغيير والإصلاح غسان مخيبر، الذي يفيد أن هنالك بالطبع هرطقة قانونية في موضوع الصرف من دون موازنة، فالموازنة استباق لمصروف مستقبلي للحكومة «وما نحن بصدده هو قطع حساب لا موازنة لأن المصروفات كانت على القاعدة الاثني عشرية»... معتبراً أن «المخرج الوحيد هو ما اتّفق عليه على سبيل التسوية، والذي ورد في البيان الوزاري، أي إرسال كل الموازنات مع موازنة عام 2009 وإقرارها معاً». ولكن حتى اليوم لا وجود لاتفاق على كيفية إخراج الموازنات السابقة من جدل الإقرار أو عدمه، وخصوصاً أن هذه الموازنات تتضمن عدداً كبيراً من مشاريع القوانين التي تنحرف عن مفهوم «قطع الحساب» الرقمي، إلى مشاريع تحمل أحكاماً اقتصادية ومالية تستوجب قراراً حكومياً واحداً... وهذه العقبات ستؤثر في تأخير إقرار موازنة عام 2009 بعد الاتفاق على بنودها، فما العمل؟

حلول التوائية... ولا ضمانات!

الحلول تختلف بين قطب سياسي وآخر، إذ يشير وزير المال محمد شطح إلى أن هناك ثلاث موازنات للأعوام 2006 و2007 و2008 يجب إقرارها دفعة واحدة في مجلس النواب، ليكون بالإمكان إقرار موازنة عام 2009. فيما يقول عضو كتلة التحرير والتنمية ياسين جابر إن موازنة عام 2009 لم تظهر بعد، وهي في انتظار التوافق عليها في مجلس الوزراء وإرسالها إلى مجلس النواب، وعن الموازنات السابقة يلفت إلى أن الحل سيكون عبر «إقرار قطع حساب لأن المال أُنفق وانتهى، وبالتالي فإن المخرج الأفضل للموضوع أن تقوم الحكومة الحالية بإقرار قطع الموازنة للسنوات السابقة، وبعد ذلك تُرسل قرارات قطع الحساب وموازنة عام 2009 إلى مجلس النواب».
ولكن ماذا عن مشاريع القوانين المتوقفة والمرتبطة بموازنات (2006 ـــ 2008)؟ يشير جابر إلى أن هذه المشاريع حوّلت إلى مجلس النواب إلا أن رئيس المجلس يرفض تسلّمها، وكان الاقتراح أن تتحول مشاريع القوانين إلى اقتراح قوانين بحيث يدرسها مجلس النواب ويرفعها مجدداً إلى الحكومة، معتبراً أن هذه هي الطريقة الوحيدة لكي تتخطى عتبة مجلس النواب. إلا أن جابر يضيف إن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة يرفض هذا الاقتراح، ويرى أن الحكومة السابقة شرعية ويجب التعامل معها ومع قراراتها وفق هذا المعيار. أما عضو كتلة الوفاء للمقاومة حسين الحاج حسن، فيرى أنه «في لبنان توجد اجتهادات قانونية مطاطة، ولكن أعتقد أنه لإقرار موازنة عام 2009 علينا إقرار الموازنات السابقة بعد أن تقوم الحكومة الحالية بإعادتها إلى مجلس النواب، وفي نهاية المطاف ثمّة ضرورة لإقرار موازنات الأعوام (2006 ـــ 2008)». ويشدد «الحكومة السابقة غير شرعية وغير ميثاقية، وموقفنا واضح جداً ومحدد: على الحكومة الحالية أن تعيد إرسال الموازنات لإقرارها ومن ثم إقرار الموازنة الحالية».
هذا الحل بعيد جداً عمّا يطرحه عضو كتلة المستقبل غازي يوسف، الذي يشدد على عدم وجود أي معطيات قانونية تحجب الشرعية عن موازنات (2006 ـــ 2008)، معتبراً أن الجدل سياسي بحت، وبالتالي لا وجود لأي سيناريو مطروح لإنهاء هذا الجدل، فـ«إما أن يأخذ مجلس النواب الموازنات التي أرسلتها الحكومة السابقة، وإما أن يتحمل رئيس المجلس نبيه بري المسؤولية». ويؤكد: «لا تسويات في هذا الموضوع، ولا تراجع عن الاعتراف بشرعية الحكومة السابقة والموازنات التي صدرت عنها»... ولكن ألا يعتبر ذلك عائقاً كبيراً أمام إقرار موازنة عام 2009؟ «هذا أكيد» يقول يوسف.


2005

هي آخر موازنة أقرها المجلس النيابي في كانون الثاني من عام 2006، أي بعد تأخر سنة و3 أشهر عن الموعد الدستوري، وهذا يعني أن الحكومة تُنفق المال العام من دون أي ضوابط قانونية أو غطاء دستوري منذ عام 2005، حتى إنها خرقت مبادىء الإنفاق على أساس القاعدة الاثني عشرية.


مسار الموازنةـــ درس المشروع في اللجنة البرلمانية للمال والموازنة: حيث يجري إقرار النفقات، درس وإقرار الواردات، درس وإقرار النصوص القانونية والجداول، درس وإقرار آخر قطع حساب.
ـــ الإقرار في الهيئة العامة لمجلس النواب: تحديد مواعيد جلسات عامة، مناقشة المشروع وتصديقه بنداً بنداً، رفعه إلى رئاسة مجلس الوزراء للتوقيع ومن ثم رفعه إلى رئاسة الجمهورية للإصدار والنشر في الجريدة الرسمية.