«فيقوني. ما بقى بدي نام»، هكذا عبّرت روز طعمة، ابنة العشرين عاماً، عن سأمها من غيبوبتها التي أفاقت منها عقب يومين من إصابتها، من جراء تفجير عكرمة الأخير، في حمص. استيقظت روز الصغيرة، ذات الملامح الوادعة، على حقيقة لم يتقّبلها رأسها الصغير. حروق هشّمت نصف وجهها، ومحاولات الأطباء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أطرافها، بعد حتمية قطع أصابع يدها اليمنى، إضافة إلى أصابع قدمها أيضاً. سخرية الفتاة من الموت واستهزاؤها بالحياة، لم يمنعا الموت عنها، إذ قضت في المستشفى متأثرة بجراحها. انتظار استيقاظها من غيبوبتها، لم يشفِ أهلها من قلقهم، بل أيقظهم، هم أيضاً، على هاجس وحيد: كيف يمكن لجسد روز أن يتأقلم مع الحروق البالغة التي تركت آثارها المروعة، والتي سيكون علاجها صعباً طويل الأمد؟

الفتاة «السورية جداً» كما يلقّبها أصدقاؤها على الفايسبوك، لن تتمكن من متابعة نشاطها. ولن تستأنف نثرياتها حول فلسفة الموت، والاستهزاء بالتفجيرات. غابت روز، مغلقة الصفحة على حكاية سورية تختصر الكثير من ماضي السوريين القريب، باعتبارها طالبة مضت صباحاً إلى جامعتها، فلم تعد.
لم يترك للصبية التي كانت ثمرة لزواج مختلط أن تحقق شيئاً من أحلامها وما ينتظرها، ككثير من أبناء جيلها.
تناقضات عاشتها الطفلة روز وأشقاؤها، حتى وصلت إلى عمر دخول الجامعة، فحملت معها جدلياتها، ليكون لديها ما تقول للآخرين. الوالد، معارض قديم، خجل بمعارضته أخيراً. أصبح لدى الرجل ما يبرر به. سقطات المعارضة بتمردها المسلح، جعلته يخرج من جلبابها غير آسف.
فجأة، أطبقت ابنة قلبه روز جفنيها، رافضة التسليم بمصابها الأخير الذي يشابه مصاب البلاد، ما ساهم في تعقيد المشهد أمامه. فراشة صغيرة، مضت إلى العتمة، بعد عشرين ربيعاً من نور الوجه والعقل. صفحات التواصل الاجتماعي افتقدت روز. الصورة قاتمة بالنسبة إلى كل من عرف الفتاة، إذ كان الأمل كبيراً بأن تنهض إلى الحياة مجدداً، بإصرار تمتلكه، بحسب كل من عرفها. الوالد انهار تماماً، وفشل في الوقوف على قدميه، فيما رفضت الأم التعليق، وغابت في صدمتها. جملة ترن في أذن الجميع قالها الأب في المستشفى: «أبيع منزلي، كي تشفى روز». حالة من الذهول سادت مستشفى الأهلي في حي الزهراء، إذ تعلّق الفريق الطبي بالفتاة العشرينية، وحاول الأطباء جهدهم مساعدتها على مقاومة الألم. ليمضي الأهل بها إلى إحدى كنائس حي الأرمن، بهدف الصلاة لراحة روحها، قبل دفنها في مقبرة فيروزة قرب مدينة حمص. ولتسدل الستارة على حياة فتاة غابت وبقي مقعدها الجامعي فارغاً من روحها اللطيفة، فيما فرغ موقع الفايسبوك من تعليقات «الناشطة» وضحكاتها وصورها، مخلّفة وراءها الكثير من الخيبات.