«العلمانيّة» موضة الموسم والمعركة ضمن طرف واحدبغداد ــ زيد الزبيدي
يلاحظ المراقبون كيف أنّ العملية الانتخابية المقرّرة في 31 من الشهر الجاري، لا تزال محصورة داخل الإطار العام الذي ظهر بعد غزو عام 2003، مع بعض التغييرات الشكلية التي أوجبتها المرحلة الراهنة، بما يشبه البعض بأنه «نبيذ قديم... في زجاجات جديدة». ومع ذلك، ينبّه البعض من خطر تصنيف كل من يشارك في هذه العملية السياسية، من ضمن المدفوعين من قبل الإرادات الخارجية، لأن هناك من «يجتهد» في استخدام الطريقة التي يعتبرها «مصلحة عامة».
ومن أكثر ما يلفت النظر في الانتخابات الحالية هو كيف باتت القاعدة في عدم الميل إلى التوجه الطائفي الذي أصبح شبه منبوذ في الشارع العراقي. حتى إنّ رموز الطائفية والمذهبية في مرحلة ما بعد 2003، عمدوا إلى تغيير شعاراتهم، وادّعاء العلمانية والليبرالية.
وبما أنّ الحرب الأهلية الطائفية بلغت ذروتها في حكومتي إبراهيم الجعفري ونوري المالكي، فإن الأول بات يقدم نفسه اليوم على أنه «ديموقراطي»، ضمن تيار «الإصلاح الوطني» الذي أسسه بعدما كان رئيساً لـ«الدعوة الإسلامية» الحاكم، والثاني بات شعاره «العلمانية» ودولة القانون، على الرغم من أن «الدعوة» هو حزب ديني. وعلى هذا الأساس، فقد دخل المالكي الانتخابات، تحت مسمّى «ائتلاف دولة القانون» (الوضعي).
وهذه الظاهرة هي عامة وغير محصورة بالمالكي أو الجعفري أو نائب الرئيس طارق الهاشمي، لأنها ناتجة من الفشل الكارثي للسياسات الطائفية التي أوجدها وغذّاها الاحتلال، ليكتشف أقطابها أنهم لعِبوا الورقة غير الرابحة، وأن حكم البلاد لن ينجح بهذه الطريقة القبيحة التي لم تسفر إلا عن «حكم عصابات»، على حدّ وصف المالكي نفسه، بدلاً من «الديموقراطية» التي دُمّر البلد فداءً لها.
وفي دورتَي الانتخابات عام 2005، خاضت الأحزاب الشيعية الأساسية الانتخابات النيابية العامة، ضمن قائمة «الائتلاف العراقي الموحّد». لذلك لم يكن بالإمكان معرفة الشعبية النسبية لكل حزب منفصل، ما أوجد صراعات داخلية أدت بالنتيجة إلى تفكك الائتلاف. وأمام هذا الواقع، ستخوض الأحزاب الشيعية الاستحقاق بلوائح منفصلة، لتكتشف قدرتها الحقيقية على الاستقطاب السياسي والشعبي.
فضلاً عن ذلك، فإن العرب السنّة وعدداً كبيراً من أنصار التيار الصدري، الذين قاطعوا انتخابات مجالس المحافظات السابقة في كانون الثاني 2005، من المحسوم أنهم سيقترعون هذه المرة بكثافة. وسيكون للتيار الصدري على الأخص تأثيره في ترجيح كفة أيّ من المتنافسين، إلى جانب دعمه للمستقلين، وخصوصاً قائمتي «تيار الأحرار» و«النزاهة والبناء».
كذلك تبرز في الانتخابات الحالية تكتلات «كبيرة»، تنافسها أعداد غفيرة من المرشحين المستقلين. فالمالكي يخوض الانتخابات المحلية بتحالف يضم سبع قوى في 13 محافظة، من أصل 14 يشملها الاستحقاق، بقائمة «ائتلاف دولة القانون». وهذه القوى هي: «الدعوة الإسلامية»، وتجمع «مستقلون»، وحزب «الدعوة الإسلامية ـــــ تنظيم العراق»، و«التضامن»، و«الاتحاد الإسلامي لتركمان العراق»، و«حركة الإخاء الكردي الفيلي»، و«كتلة الانتفاضة العراقية الشعبانية ـــــ1991».
والغريب في هذا التحالف أن بعض أطرافه دخل في بعض المحافظات ضمن تشكيلات علمانية، وخصوصاً في محافظة البصرة، التي تشارك فيها «الانتفاضة الشعبانية» كمكوّن من «التجمع الوطني»، الذي يضم إلى «الحزب الوطني الديموقراطي»، كلاً من الحزب الشيوعي العراقي وحركة الاشتراكيين العرب ومنظمات المجتمع المدني.
أما «الفضيلة الإسلامي»، فيخوض الانتخابات بقائمة «مستقلة»، ترفع شعارات «لا سلطان علينا، لا من الشرق ولا من الغرب». ويشكّل «المجلس الأعلى الإسلامي»، بزعامة عبد العزيز الحكيم، استثناءً في الانتخابات، إذ يخوضها بشعارات طائفية واضحة، تحت اسم «ائتلاف شهيد المحراب»، الذي يضم 5 كيانات شيعية هي: «المجلس»، «منظمة بدر»، «مستقلون»، «منظمة شهيد المحراب» و«حزب الله» .
وفي الشارع السني، وخصوصاً في الأنبار، اختلفت المكوّنات بشأن التحالف مع «الحزب الإسلامي»، أقوى أحزاب العرب السنة من ناحية نيله حصّة الأسد من جبنة المناصب الرسمية تحت ظل الاحتلال.
أمام هذه الوقائع، انفرد «مجلس إنقاذ الأنبار»، برئاسة حميد الهايس الذي ينتمي إلى حزب «المؤتمر الوطني» بزعامة أحمد الجلبي، بالتضامن مع العشائر الموالية له، بعيداً عن «مجلس صحوة العراق» بقيادة أحمد أبو ريشة، الذي تحالف مع «الإسلامي» و«مجلس عشائر العراق» بقيادة الشيخ علي حاتم السلمان. وتدخل ضمن المتنافسين قوى أخرى مثل كتلة الشيخ خلف العليان المتحالفة مع تجمع شيوخ ومثقفي الأنبار، وحركة الوفاق الوطني، والحزب الشيوعي، والمرشحين المستقلين.
ويبدو الليبراليّون أكثر المستفيدين في الانتخابات الجديدة، من حيث استثمار الفشل الذريع، والاعتراف به، من قبل القوى الدينية والطائفية التي أدارت خراب البلاد طوال السنوات الماضية.
ويكفي التذكير بأنّ الإدارة الطائفية والعرقية وضعت البلاد في أسفل سلّم الفساد في العالم، بحيث أصبحت مصطلحات «التوجهات الدينية» بالنسبة إلى معظم العراقيين، مرادفة لـ «اللصوصية» والارتهان للاحتلال.
إلا أن «البديل الليبرالي» لا يزال غائباً، بسبب تشتت الكيانات، وبروز كتل كثيرة تحمل شعارات الليبرالية والديموقراطية، إضافة إلى الأعداد الهائلة من المرشحين «المستقلين»، الذين يطرحون الأهداف والوعود الانتخابية نفسها.


الانتخابات بالأرقاموبحسب المفوضية العليا للانتخابات، فإن عدد الكيانات السياسية المسجلة، بلغ 401 كيان، بينها 36 كياناً ضمن ائتلافات، و365 كياناً آخر بشكل مستقل. ووفق أرقام المفوضية فإن أكبر عدد للمرشحين موجود في محافظة بغداد، وهم 2482 مرشحاً، ينتمون إلى 103كيانات سياسية، ويتنافسون على 57 مقعداً، بينما يجري التنافس في محافظة نينوى على 37 مقعداً، وفي البصرة 35 مقعداً، فيما يبلغ عدد أعضاء مجلس محافظة السماوة الجنوبية 26 مقعداً.