عمان - يعتبر ملف الاعتقالات السياسية في الأردن ملفاً شائكاً، إذ لم تكلل، يوماً، محاولات إغلاقه بالنجاح، في وقت لا توحي فيه السلطات بأنّ لديها نية لطيّ قضايا المعتقلين، أو حتى للتوقف عن اعتقال المزيد على خلفية قضايا الرأي.
وخلال الأيام القليلة الماضية، شهد الأردن اعتقالات جديدة، طاولت ناشطين سياسيين، كان من أبرزهم أولئك المحسوبون على تيار المعارضة السياسية الأكبر في البلاد، أي جماعة الإخوان المسلمين. وفيما اعترض العديد من المحامين على محاكمة النشطاء أمام «محكمة أمن الدولة»، إلا أن الدولة حاولت أن تجتاز هذه الأزمة عبر محاكمتهم في محاكم عسكرية يعمل فيها قضاة مدنيون.
واعتبر الخبير، هاني غسان، أن «الجرائم التي يلاحق بها هؤلاء هي جرائم جنائية، ورَدَت فيها نصوص جلية في قانون العقوبات، وعليه فالاعتقالات دستورية من وجهة النظر القانونية البحتة».
في المقابل، كان رأي المحامي، طارق أبو الراغب، الذي تبنى غالبية القضايا منذ خروج الحراكات الشعبية إلى الشارع قبل نحو ثلاث سنوات، مخالفاً. وفي حديث إلى «الأخبار»، قال أبو الراغب إن «محاكمة المدنيين ومعتقلي الرأي أمام محكمة أمن الدولة، وهي عسكرية، تعد خرقاً قانونياً، ولا تتوافق مع القانون ولا مع العدالة».
واعتُقل في الأيام الماضية ناشطون محسوبون على عدة تيارات وأحزاب سياسية، كان من بينهم وصفي السرحان، علاء ملكاوي، حسام العبداللات، ثابت عساف، باسم الروابدة، ووجهت إليهم تهمة «تقويض نظام الحكم» وتهمة «إطالة اللسان». وجاء إلقاء القبض على هؤلاء على خلفية توزيع منشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبرتها السلطات تجاوزاً للقانون وإساءة لرموز الحكم.
كذلك، كانت الأجهزة الأمنية قد أوقفت في وقت سابق عدداً آخر، كان بينهم نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين، زكي بني ارشيد، الذي يحاكم حالياً أمام «محكمة أمن الدولة» التابعة للقضاء العسكري، وذلك بعدما وجه انتقادات لاذعة لدولة الإمارات العربية. واعتقلت الأجهزة الأمنية ناشطين سياسيين وعماليين، كان من أبرزهم محمد السنيد، إضافة إلى اعتقالات طاولت مهندسين وموظفين في النقابات المهنية.
المحلل السياسي، نايف المحيسن، استهجن واقع أنه في الوقت «الذي يقول فيه الملك (عبدالله الثاني) إن حرية الرأي مصونة... فإن المعطيات على أرض الواقع مختلفة تماماً، خاصة أنه لا تمر أيام على اعتقال إلا ويتبعه اعتقال آخر».
وحول الاعتقالات الجماعية، استغرب المحيسن اتباع النهج الأمني، خاصة أن كل الاعتقالات تقع «بسبب كلمة هنا أو كلمة هناك وقد لا يكون المقصود بها التعرض للملك». وتابع قائلاً إن السلطات تخطئ حين تثأر من المنتقدين، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن «المسؤولين الذين يحتمون تحت عباءة الملك، يعتقدون أنه وجد لحمايتهم... متناسين أن الملك يحكم شعب بأكمله».
وطالب المحيسن الجهات الأمنية المعنية بوضع حد للاعتقالات، مؤكداً أن «الكلام ليس جريمة، خاصة إذا كان الهدف منه الإصلاح او تقويم المسار. من المفترض ان ننتهي من هذه القضية... خصوصاً أن هناك استغلالاً لاسم الملك بمثل هذه الاعتقالات المستمرة».
من جهتهم، رأى مراقبون ومحللون أن المنظور الأمني والقبضة الأمنية سيضرب بيد من حديد في الأيام المقبلة، معتبرين أن المقاربة السياسية الحالية تدلّ على عودة المنظور الأمني.
وكانت «جبهة العمل الإسلامي» (إخوان مسلمين) قد طالبت، أول من أمس، بإغلاق ملف الاعتقالات السياسية والإفراج عن جميع المعتقلين، وفي مقدمتهم نائب المراقب العام للجماعة.
وقال الأمين العام لـ«الجبهة»، محمد الزيود، إن «الاعتقالات الأخيرة مسيسة ومبيتة وغير مبررة، وتستهدف إضعاف صوت الحركة الإسلامية في المجتمع، خصوصاً في مجالات الإصلاح ومكافحة الفساد». وأكد أن «استمرار الاعتقالات سيُسهم في تعميق الأزمات في البلاد ويزيد من حالة الاحتقان الشعبي والتوتر داخل المجتمع الأردني ويزيد (أيضاً) من تصحير الحياة السياسية، بدل العمل على تنميتها، بحيث لا يبقى صوت معارض للسياسات الحكومية في الوقت الذي يحتاج فيه الوطن إلى تعزيز الجبهة الداخلية والمحافظة على الأمن والاستقرار، في ظل إقليم ملتهب وأوضاع داخلية في غاية الصعوبة».