ضعف المرأة العربية في الحياة السياسية، لا يقتصر على العراق. غير أنّ انتخابات يوم غد، تمثّل مناسبة جديدة لإظهار إلى أي مدى لا يزال نصف المجتمع مهمّشاً، إلى درجة أنّ الوصول إلى موقع المسؤولية، بات أحياناً، شراً يجب اتّقاؤه

يترشّحن ... ويتمنّين الخسارة!



بتشجيع من المحيطين بها، وأوّلهم والدها وزوجها، رشحت (م) نفسها لخوض انتخابات مجالس المحافظات، التي تجري غداً السبت في العراق، بعدما اشتهرت في محافظتها الصغيرة، كإعلامية ناجحة، وحصلت على رضى المواطنين، لجهودها الإعلامية والاجتماعية في مجال المرأة خصوصاً. وتشعر (م) بإحباط كبير حالياً، وهي تخوض المعركة، بعدما اكتشفت مدى قصور الوعي لدى الرجال والنساء معاً، في ما يخص ترشيح النساء لمناصب قيادية في المجتمع العراقي. وتتمنى (م) أحياناً لو لم ترشح نفسها، أو أن تفشل في الانتخابات، «لتريح وتستريح»، لكنها تعود فتتذكر أعداد النساء المظلومات من الأرامل والمطلقات والمهجرات والمعوزات، ممن التقتهنّ خلال عملها الإعلامي، وحاولت مساعدتهن قدر الإمكان، لدرجة تحمّسها للترشّح وخوض العمل السياسي بهدف تقديم العون إليهن.
لهذه الأسباب، فهي تحاول الصمود في «حرب» لا تصلح أن تكون طرفاً فيها، بسبب «الأسلحة القذرة» التي يستخدمها المتنافسون. أسلحة لم تعتد التعامل بها يوماً، كالإساءة إلى سمعة المرشحات، وتلطيخ أسمائهن بالشائعات الكاذبة، والتقليل من شأنهن «بحجة عجز أقوى الرجال عن تحقيق أبسط المكاسب لأبناء محافظته، فما بالك بالنساء».
وعن ظاهرة احتقار المرأة ــ المرشّحة، تشير الأستاذة في كلية الآداب، منى الحسيني، إلى أنّ النساء أثبتن جدارتهن رغم كل ما يُقال عنهن، معترفةً في الوقت نفسه، بوجود قصور كبير في حجم الوعي السياسي والاجتماعي لدى أغلب العراقيين، لتخلص إلى اعتبار أنه لا يمكن المرأة أن تثبت للرجل العراقي جدارتها «بين يوم وليلة».
وتشيد الحسيني بما حققته القوائم المفتوحة من فضل كبير للمرأة، إذ ملأت صورها الشوارع، وباتت تعبر عن نفسها «لا عن الكتلة أو الحزب الذي تنتمي إليه أو ينتمي إليه زوجها فقط». بدورها، تؤيد رئيسة «جمعية الأمل الإنسانية»، هناء أدور، رأي الحسيني، لأن المرأة العراقية «لا يعيبها أبداً خوض الانتخابات ضمن قوائم مفتوحة تبعد المواطن عن الطائفية وتضع أمامه خيارات عديدة».
في المقابل، ترى أستاذة الأدب في كلية التربية الأساسية، الدكتورة طاهرة داخل، أن حظّ المرأة في المحافظات أكبر منه في بغداد «لسهولة معرفة طبيعة عمل المرأة المرشحة وحجم كفاءتها واستحقاقها الترشّح ومنافسة الرجال».
وعن الطريقة التي يستهجن بها البعض ترشيح المرأة للانتخابات، تلفت داخل إلى أن ذلك لا يقتصر على الرجال فقط، بما أن «هناك نساءً عديدات لا يثقن بالمرأة السياسية ويعتبرنها مسترجلة، وخارجة عن الطريق السوي الذي رسمه المجتمع للمرأة».
وتروي مديرة معهد المعلمات في بغداد، كريمة هاشم، ما سمعته عن الاستفتاء الذي أجري في مجلس النواب، لاختيار رئيس له خلفاً لمحمود المشهداني، بعدما رشّحت النائبة المعروفة ميسون الدملوجي نفسها للمنصب، وكيف أجمعت الآراء على أنّ حظوظ الدملوجي تكاد تكون معدومة لكونها امرأة، رغم امتلاكها الدبلوماسية وقوة الشخصية والصبر المطلوب في شخصية القائد.
وفي السياق، تشكو المرشحة (س)، وهي محامية معروفة بنزاهتها وشعبيتها ضمن منطقة كبيرة في بغداد، من استهزاء الكثيرين من خوضها هذا المجال، وتوقعهم طلاقها من زوجها على سبيل المثال.
فهؤلاء المتشككون، يعتقدون أن أي زوج عراقي لا يحتمل ابتعاد زوجته عن المنزل طوال اليوم، والتقاءها الرجال، وتعرضها للخطر، سواء المادي أو المعنوي، وتوريطها في أعمال «لا تليق بمكانتها».
وتكشف المرشحة عن أن تأثير المجتمع الذكوري بدأ يمتد إلى زوجها الذي صار يصف العمل السياسي بـ«القذارة»، ويخشى عليها من الانزلاق والسقوط في هاوية يصعب انتشالها منها.
وإزاء هذه المعضلة، تعترف بأنها فكرت طويلاً في الانسحاب من السباق الانتخابي، ثم عادت لتتمنى الفشل التلقائي بالحصول على أصوات قليلة.
ويلاحظ أحد المحامين من زملاء (س)، دونية وضعية المرأة في الانتخابات، بدليل وضع صور المرشحات في ذيل القوائم، تحت صور المرشحين الرجال، «وهذا ادّعاء سافر من جانبهم بأنهم قوّامون على النساء»، حتى في مجال العمل السياسي.
في المقلب الآخر، يبدو أن شريحة المتفائلين والمتفائلات لم تنقرض بعد في بلاد الرافدين. فالناشطة النسوية، طاهرة داخل، ترى أن المرأة لن تخسر في انتخابات يوم غد، «مهما كانت نتائجها، لأنها ستفتح الأبواب أمام نساء أخريات»، على اعتبار أن العراقييين سيعتادون مع الوقت « فكرة وصول المرأة للمواقع القيادية ومنافستها الرجال بكفاءتها».

حصّة النساء تثير جدلاً



لم يكن ينقض العراق من مشاكل، سوى أن يكون قانون انتخابات مجالس محافظاته، غامضاً وخاضعاً لاجتهادات متنوّعة. نسبة المرأة بموجب القانون هي الربع، وهو ما يضمنه لها الدستور، لكن السؤال يبقى هل هي ربع المقاعد أم ربع المرشحين

أمام التوقّعات بفشل المرأة العراقية بحصد عدد مهم من مقاعد المحافظات العراقية المقررة يوم غد، بات الطعن بالنتائج شبه محسوم. فمنذ أيام، أعلنت النائبة المستقلة صفية السهيل أن الكتلة النسوية في البرلمان، ستطعن في الانتخابات، ما لم يتم ضمان نسبة 25 في المئة من مقاعد كل محافظة للمرشحات. وإذا لم تصل المرأة بهذه النسبة، فسيكون للطعن قيمة دستورية، بما أن نظام «الكوتا» منصوص عليه في الدستور العراقي الجديد.
وذكّرت النائبة السهيل بأنّ رئاسة الجمهورية رفضت مسبقاً أي آلية انتخابية «لا تتيح للنساء ضمانات حقيقية في التمثيل بنسبة الربع في مجلس كل محافظة».
غير أنّ السهيل بدت غير واثقة من الطعن الدستوري المنتظر، فسارعت إلى تحميل بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) مسؤولية تثبيت أسس الديموقراطية في البلاد ومبادئها، من خلال تأكيد استحقاقات التمثيل السياسي لجميع الفئات والشرائح الاجتماعية في المجتمع العراقي.
وكانت رئيسة لجنة المرأة، سميرة الموسوي، قد نبّهت في وقت سابق إلى أنّ قانون انتخابات مجالس المحافظات نص في المادة الـ13 على أن تتضمن القوائم المرشحة للانتخابات نسبة الربع من النساء، «لكن هذا النص لا يضمن أن يكون ربع المقاعد في مجالس المحافظات للنساء، لكون الانتخابات تجري وفق نظام القائمة المفتوحة، ومن الممكن أن تذهب الأصوات إلى المرشحين الرجال فقط».
ولحل هذه المشكلة، عقد نائب رئيس البرلمان، الشيخ خالد العطية، ونائبات ونواب من عدد من اللجان البرلمانية، وممثلة عن المفوضية العليا للانتخابات، اجتماعاً قبل أسابيع، بهدف إيجاد آلية لحل هذه المشكلة. لكن اللجنة لم تتوصل إلى نتيجة بشأن تصحيح آلية احتساب المقاعد في ضوء نتائج الأصوات، على ألا تتأثّر نسبة النساء بما أقره الدستور، أي 25 في المئة، بموجب المادة الـ49 منه.
وأمام هذا الغموض، اعترفت مفوضية الانتخابات بأنها ليست متأكدة مما إذا كان قانون الانتخابات يعني أن كل مقعد ثالث يذهب إلى امرأة، أو أن كل مقعد رابع يعطى لها. وتقول مصادر المفوضية، «للوهلة الأولى، يبدو أن ذلك يضمن المزيد من المقاعد إلى المرأة، لكن هذه المقاربة تنطبق فقط على الأحزاب التي قدمت مرشحات، وربما ينفع هذا في المحافظات ذات الكثافة السكانية العالية»، قبل أن تأسف لواقع أنه في محافظات أخرى، «فإن بعض الأحزاب التي تفوز بمقاعد، قد تتكون من واحد أو اثنين من الرجال، ونادراً ما تكون بينهم امرأة».

قصّة «كوتا» الأقليات



صحيح أنّ الجزم بأنّ العراق ما قبل الاحتلال كان خالياً من الطائفية والمذهبية، لا يحمل قيمة تاريخية كبيرة. إلا أنّ الأكيد أيضاً، هو أنّ المحتلّ بعث الموتى من القبور. هكذا فإنّ «الإحباط» الطائفي والمذهبي «المكبوت» في ظل حكم صدام حسين كان يطال جميع الطوائف من دون استثناء. وبعد 2003، تغيّرت المعادلة، ليصبح العراق ساحة إما لحرب طائفية بين السنة والشيعة أساساً، أو لتظاهرات «مسيحية» تبكي «حقها الضائع»، بنتيجة قلة عديد رعاياها، وهجرة الآلاف منهم هرباً من نتائج احتلال بلاد الرافدين.
وفي 24 أيلول الماضي، صوّت مجلس النواب العراقي على قانون انتخاب مجالس المحافظات، الذي جاء خالياً من المادة 50 التي تعطي للأقليات نسبة ثابتة من المقاعد في المناطق التي تتركز فيها من البلاد.
وطيلة أسابيع طويلة، حسمت الكتل السياسية الكبيرة تأجيل انتخابات كركوك، وحصل ما يشبه الاتفاق على فتح «جبهة» أخرى، لم تكن أساساً مرشحة للتصعيد، وهي «تمثيل الأقليات». وقد أدى هذا الإجراء إلى خروج تظاهرات للمسيحيين، وخصوصاً في بغداد ونينوى، تطالب بإعادة المادة 50 إلى القانون.
وكانت مصادر برلمانية عراقية قد عزت سبب حذف هذه المادة من قانون الانتخابات إلى خلافات بين ممثلي الشبك والايزيدية في البرلمان من جهة، والتحالف الكردستاني من جهة أخرى، بعدما اعترضت «قائمة التحالف الكردستاني» على تحديد نسبة للشبك ووصفهم بالقومية لأنها تعد الشبك جزءاً من القومية الكردية.
كذلك اعترض «الائتلاف العراقي الموحد» (الشيعي)، حينها على عدم إدراج الشبك ضمن الأقليات. وأوضح للتحالف الكردستاني أنه «مثلما يجري تمثيل الكلدو آشوريين بكوتا الأقليات، ينبغي تمثيل الشبك وباقي الأقليات بمثلها».
وفي السياق، اتهم رئيس «الكتلة العربية للحوار الوطني»، صالح المطلك، كلاً من «التحالف الكردستاني» و«الائتلاف الموحد»، «بإقصاء هذه المكوّنات من خلال الاتفاق الذي عقد بينهما، والذي يتضمن إذابتها، تمهيداً لضمها إلى كردستان» العراق.
وإزاء هذه التجاذبات، اتفقت الكتل السياسية على شمول 4 من الأقليات بنظام «الكوتا» في انتخابات مجالس المحافظات، هي المسيحيون والصابئة المندائيون والايزدية والشبك، وتحديد المحافظات التي هم فيها، وهي البصرة وبغداد ونينوى. ويضمن النظام المذكور، للمسيحيين 13 مقعداً موزعة على 6 محافظات، بواقع 3 مقاعد في بغداد، و3 في نينوى، ومقعدين في كركوك وأربيل ودهوك (المستثناة من استحقاق يوم غد)، ومقعد واحد في البصرة، ولكل من الشبك والايزيديين مقعد واحد في محافظة نينوى.