ثنائيّة البرزاني ــ الطالباني مهدّدةبغداد ــ زيد الزبيدي
يدرك المراقبون العراقيون كم يستشعر حكّام كردستان العراق الخطر الذي يهدّد استقلال «دولتهم» في شمال البلاد. وبما أنّ انفراد محافظاتهم الثلاث، أربيل والسليمانية ودهوك، بوضعية إقليم، من بين المحافظات الـ 18، يمثّل نقطة ضعف بالنسبة إلى مشروعية كيانهم السياسي ودستوريته، فهم يسعون إلى تشجيع إقامة أقاليم وتغذية النزعات الانفصاليّة، التي وصلت برئيس «المجلس الإسلامي الأعلى» عبد العزيز الحكيم، أول من أمس، إلى المطالبة بجعل بغداد إقليماً منفصلاً.
ومعروف الدعم الكردي القديم لـ«المجلس الأعلى»، بشأن إقامة «الإقليم الشيعي» في وسط العراق وجنوبه. إلّا أن واقعاً مختلفاً يواجه القادة الأكراد، يتبلور في وعي سكان كردستان، برفض الأقاليم التي تقام على أسس طائفية أو عرقية.
ويقول الكثير من الساسة الأكراد إن «فدراليتهم» إدارية، لا تقوم على أسس عرقية، إلا أنّ جهات سياسية عديدة في بلاد الرافدين تجزم بأن هذه «الفدرالية» غير قانونية، وغير دستورية، بل هي «فدرالية الأمر الواقع»، التي فرضتها الحماية الأميركية منذ عام 1991.
وإذا كانت عبارة «إقليم كردستان» تتكرر في الأدبيات الرسمية، فإن هذه العبارة لم تكتسب الشرعية الدستورية، لأن إقامة إقليم يتطلب إجراءات عدة قبل تقديم طلب تأسيسه، ومن ثم إجراء استفتاء شعبي للمحافظات الراغبة في إقامة أي إقليم، ومصادقة الجهات العليا في الدولة ذلك. وغنيّ عن الذكر، أن كل هذا لم يحصل في حالة كردستان العراق.
وبحسب عدد كبير من المراقبين، فإن «إقليم كردستان» أُقيم على أساس رغبة قيادتي الحزبين الرئيسيين، «الاتحاد الوطني الكردستاني» و«الحزب الديموقراطي الكردستاني»، وتحت ضغوط أميركية، بهدف توحيد إدارتي أربيل والسليمانية، ولم يكن هناك رأي للشعب في منطقة كردستان في هذا الموضوع.
وإذا كانت الفكرة من إقامة إقليم في كردستان هي إعطاؤه سلطات لا مركزية واسعة، فإن سلطات هذا «الإقليم»، تضع نفسها في موقف حرج للغاية، حيث لا يجوز منح الحقوق والامتيازات للأكراد فقط في منطقة شمال العراق، التي تضم أعراقاً أخرى، مثل الكلدان والآشوريين والتركمان والشبك والفيليين وغيرهم، ممن يطالبون بامتيازات وصلاحيات. أضف أن المكوّن الكردي منشطر إلى عدة أقسام، كالسورانيين والبهدنانيين والهورمانيين، وسواهم، ممن يثيرون الآن موضوع الهيمنة «البرزانية» و«الطالبانية»، ما يهدّد «الإقليم» بالتفتت، بأسرع مما يتوقعه الكثيرون.
وفي كل الأحوال، فإن وجود الإقليم أصبح متناقضاً مع التوجه العام الحالي في العراق، الذي يدعو إلى إقامة أقاليم على أساس إداري، لتجنب تقسيم البلاد، أو إعطاء صلاحيات أوسع للمحافظات، بطريقة متوازنة مع صلاحيات الحكومة المركزية، لا على حسابها.
إلا أن المتابعين للشأن الكردي يرون أنّ حجج «الفدرالية الإدارية»، هي مجرّد تضليل، الغرض منه إسكات أصوات المكونات الأخرى في المحافظات الشمالية، ومنعها من المطالبة بالحقوق التي يحصل عليها الأكراد المسيطرون، والمتهمون أساساً بممارسة المركزية، وحتى الدكتاتورية والشوفينية في إطار كردستان.
ولعلّ من أبرز ما يدحض الادعاء «بالفدرالية الإدارية» من جانب القادة الأكراد، ذلك الإصرار على طرح مفاهيم «المناطق المتنازع عليها» و«المناطق المستقطعة»، وخصوصاً في محافظات الموصل وديالى وواسط.
ولا يتذكّر العراقيون متى حدث نزاع في هذه المناطق، وبين من ومن، ومتى استُقطعت، ومن أين... بل لا أحد يعرف على مدى تاريخ الدولة العراقية، منذ متى هناك حدود لكيان اسمه إقليم كردستان حتى تصبح المطالبة بتوسيع حدوده الحالية، قائمة على تبريرات جغرافية ــ سياسية.
ففي المحافظات المذكورة، لم يحدث أي تغيير ديموغرافي على امتداد التاريخ، إذ إن الحدود الإدارية لمحافظتي ديالى وواسط كانت كما هي الآن حتى قبل تأسيس الدولة العراقية الحديثة في مطلع عشرينات القرن الماضي. أما الموصل، فقد جرى فيها تغيير وحيد في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، الذي فصل قضاء دهوك التابع للموصل وجعله محافظة لأسباب إدارية، وهو الآن تحت السيطرة الكردية. كما فصل صدام، بموجب القرار نفسه، قضاء النجف عن كربلاء وجعله محافظة، وكذلك فصل قضاء السماوة عن القادسية (الديوانية) وجعله محافظة أيضاً، تحمل اسم المثنى.
ويقود الحديث عن «المناطق المستقطعة» أو «المناطق المتنازع عليها»، إلى دور انتخابات مجالس المحافظات الحالية، في إقامة الأقاليم مستقبلاً. غير أنّ إقامة هذه الأقاليم قد لا تصب في مصلحة الساسة الأكراد، لأن مطالبهم التوسعية جغرافياً، التي تلاقي معارضة شعبية وحكومية، ستدخلهم في صراع جديد مع المحافظات المجاورة. صراع قد تكون عواقبه وخيمة جداً، لأن أي مجلس محافظة جديد لن يقبل أن يستقطع القادة الأكراد جزءاً منه، بحجة وجود أكراد فيه، وهو الأمر الذي يلغي مبدأ الفدرالية الإدارية.
وفي السياق، شجعت الانتخابات الحالية للمحافظات العراقية بقية المحافظات في «إقليم كردستان» على المطالبة بانتخابات مماثلة لمجالس محافظات «الإقليم»، وبإيجاد لا مركزية مماثلة للمحافظات العراقية الأخرى، وهو ما لا يروق حتماً للقبضة الحديدية التي تمارسها سلطات الإقليم، ويؤدي بالنتيجة إلى تشظّيه أكثر مما هو عليه الآن، ويعزّز الفرقة بين أربيل والسليمانية، إضافة إلى احتمال مطالبة محافظة دهوك، التي تسيطر عليها التنظيمات الدينية، بنوع من الحكم الذاتي، وربما بالانفصال عن الإقليم.


الأكراد يريدون «التغيير»كما رأى 54 في المئة، ضرورة إيجاد بديل لآلية تقديم الخدمات، و41 في المئة أشاروا إلى ضرورة تطوير القطاع الصحي. وكشف الاستطلاع أن 67 في المئة من المشاركين، يرون أن نظام التربية والتعليم بحاجة إلى تغيير شامل.
وبحسب الاستطلاع نفسه فإن 92 في المئة من سكان الإقليم الشمالي، يرون ضرورة التغيير بالطرق المدنية، حيث رأى 76 في المئة منهم أن أفضل الوسائل المدنية للتغيير، هي وسائل الإعلام.
وعندما يطالب 92 في المئة من السكان بـ «التغيير»، فإن ذلك يعني أن مستقبل «الإقليم» سيكون على كف عفريت، إذا ما استمر قادته في نهجهم الحالي.