بغداد ــ الأخباروبعد نحو 6 سنوات على الغزو الأميركي، وما تبعه من بروز لأحزاب دينية على الساحة السياسية علناً، وللمرة الأولى منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، يبدو أن قوة شعبية مؤثرة أخرى تتهيأ للصعود على مسرح الأحداث، ليست سوى العشائر.
ولا يخفى على أحد أن إحدى الأوراق، التي يستقوي بها شيوخ العشائر، أنهم نجحوا في إخراج تنظيم «القاعدة» من معقله الرئيس في محافظة الأنبار منذ أكثر من سنة، في وقت عجزت فيه قوات الاحتلال، بكل ما تملك من أسلحة ومعدات متطورة، عن زحزحته قيد أنملة، من كبريات المحافظات العراقية.
وأغرى هذا النجاح في الأنبار، بقيّة عشائر العراق، وفي مختلف المحافظات، بالمطالبة بدور رئيس في العملية السياسية، مستندةً إلى الطبيعة العشائرية التي لا تزال تغلب على الكثير من شرائح الشعب، والالتزام بأعرافها وتقاليدها، أكثر من الالتزام بالقوانين والتعليمات الوضعية التي تصدر عن الحكومة.
وانبرت أحزاب دينية معروفة إلى استثمار هذا الوضع، خلال حملاتها الانتخابية لمجالس المحافظات، لكسب أصواتها، لما تمثّله من ثقل كبير لا يستهان به، في ترجيح كفة أي حزب أو مكوّن سياسي في ذلك الاستحقاق الانتخابي.
وكانت الحكومة، ممثلة برئيسها نوري المالكي، السباقة في استثمار بروز نجم العشائر، وخصوصاً بعدما ساندت قوات الأمن العراقية من جيش وشرطة، لملاحقة المسلحين في محافظات وسط العراق وجنوبه، لإنشاء ما يسمى «مجالس الإسناد»، التي يعدها المراقبون «النسخة الحكومية» لمجالس «الصحوة» التي ولدت في الأنبار، على يد الشيخ ستار أبو ريشة الذي اغتيل بعد ساعات من تقبيله الرئيس جورج بوش في قاعة الأسد عام 2007.
ومع بدء حملات انتخابات مجالس المحافظات، فإن النتائج صبّت لمصلحة صعود نجم العشائر، التي أدى اقتراب الحكومة منها إلى نشوب حرب إعلامية كان أحد أطرافها التحالف الكردستاني نفسه.
وتشير الجولات والمؤتمرات العشائرية في بغداد، وعدد من المحافظات التي يحضرها المالكي، وكذلك قيادات «المجلس الأعلى الإسلامي» وحتى بعض الأحزاب غير الدينية، إلى ما تعوّل عليه تلك الجهات من كسب أصوات العشائر في هذه الانتخابات، التي يتوقع بعض المراقبين أن تكون «نقطة تحول» في العملية السياسية في «العراق الجديد».
من جهتها، تحاول العشائر استغلال هذا «التودد» لمصلحتها، بهدف حجز مقاعد مهمة لها في مسرح الحياة السياسية، بعدما تقلّص دورها كثيراً بعد سقوط النظام الملكي عام 1958.
في المقابل، يعتقد مراقبون سياسيون أن عودة بعض الأحزاب إلى استقطاب العشائر، وكذلك الحكومة، تؤشر إلى نهج جديد يوضح الدور المعوّل عليها في المرحلة المقبلة، وخصوصاً في الانتخابات البرلمانية المقرّرة في آخر شهر من العام الجاري، لتغيير الخريطة السياسية في العراق، بعدما شهدت الفترة السابقة عنفاً طائفياً كاد يغرق البلاد في أتون حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.
ويشير المراقبون إلى وجود احتمالات قوية بأن تتّجه نسبة كبيرة من الناخبين لانتخاب قوائم غير دينية، يتسم مرشحوها بالاعتدال والكفاءة العلمية والمهنية، والأهم هو بعدهم عن الطائفية ولغة المحاصصة التي أصبح معظم الشارع العراقي يتذمر منها.
وبالنسبة إلى العشائر، فإنها ستكون، وبحسب المراقبين أنفسهم، الأقل ضرراً من التزمّت الديني أو الطائفي، لكون معظمها تضم مكوّنات من مذاهب عدة حسب مكان سكناها، لذا فهي عنصر توحيد لا عنصر تفريق بين أفراد المجتمع. وبالتالي، فإن المراهنة على دور مهم للعشائر في تحديد مستقبل العراق، يُعدّ أحد الخيارات المطروحة لرسم صورة جديدة لهذا البلد، وخصوصاً في السنوات القليلة المقبلة التي قد تشهد تطوّرات تاريخية، قد يكون أبرزها انسحاب آخر جندي للاحتلال الأميركي قبل نهاية عام 2011.