سعر الطن يتراجع 63% عالمياً و48.8% فقط محلياًمحمد وهبة
لاحظ عدد من منشئي العقارات ومقاولي التعهدات العامة في مشاريع البنية التحتية، أن تراجع أسعار الحديد العالمية لم ينعكس بالنسبة نفسها على الأسعار التي يفرضها تجار الحديد في لبنان، ويشير هؤلاء إلى أن «كارتيل» تجار الحديد في لبنان يحافظ على فارق في سعر طن الحديد المعد للإنشاءات والبناء بين لبنان وسوريا يبلغ 200 دولار، ويعمد أحياناً إلى رفع الأسعار عشوائياً من دون أن يكون هناك أي رابط مع معدّلات ارتفاعها عالمياً.
وقال مقاولو مشاريع بناء وبنية تحتية لـ«الأخبار» إن تجار الحديد الخمسة المعروفين في السوق المحليّة رفعوا سعر الطن بنسبة 20 في المئة، من 700 دولار إلى 870 دولاراً، علماً بأن السعر في سوريا في الوقت نفسه كان يوازي 530 دولاراً، وبالتالي ارتفع الفارق في السعر بين البلدين من 170 دولاراً إلى 340 دولاراً.
ويؤكد المطوّرون العقاريون والمقاولون أن هذا الفارق موجود في كل أوقات السنة، بمعدل يبلغ 200 دولار للطن الواحد وسطياً. لكنه لا يقتصر على الأسعار في لبنان وسوريا، بل يتعداها إلى فارق واسع بين السعر العالمي والمحلي، فقد تراجع سعر الطن عالمياً بنسبة 63 في المئة منذ تسجيل أسعار الحديد في بورصة لندن أعلى سعر بقيمة 895 دولاراً، وكان يُتداول في الأسبوع الماضي بحوالى 325 دولاراً، أي بانخفاض 570 دولاراً. أما في السوق المحليّة فقد بلغ أعلى سعر للطن 1700 دولار في آب ثم انخفض إلى 870 دولاراً، أي بنسبة تراجع 48.8 في المئة فقط.
وهذا يعني أن سعر طن الحديد محلياً يفوق السعر العالمي بحوالى 805 دولارات عند وصوله إلى الذروة، وحافظ على فارق بقيمة 545 دولاراً عند تراجعه في الأسبوع الماضي.

لا رقابة

وبحسب دراسة لوزارة الاقتصاد، تسيطر خمس شركات على حوالى 68 في المئة من مجمل سوق المعادن، وتفيد أيضاً بأن 3 شركات تجارة معادن تستحوذ على 59 في المئة من السوق، فيما تستحوذ شركة واحدة على 29.4 في المئة من مجمل هذه التجارة. وبحسب مقاولين مطلعين على السوق، فإن التجار الخمسة يسيطرون على سوق الحديد المجدولة وغير المشغولة المخصصة للبناء والإنشاءات عموماً، ويؤلفون «كارتيل» يتحكّم بالأسعار عبر استيراد أكثر من 300 ألف طن سنوياً من أصل 450 ألف طن (معدل عامي 2007 و2008)، وذلك في ظل غياب أي رقابة للدولة على هذا القطاع.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن وزارة الاقتصاد والتجارة لم تتعاطَ إلا مرة واحدة في مراقبة الأسعار في هذا القطاع، لكنها اصطدمت بمشكلات تقنية تتصل بكلفة سعر الطن الواصل إلى لبنان، علماً بأن وزارة الأشغال العامة تحدّد أسعار التعهدات المتصلة بمشاريع خاصة بها، وبالتالي فإن تحكم الكارتيل بالأسعار للقطاع الخاص متفلّت من أي حسيب أو رقيب.
وحتى اليوم لم تسمح الطبقة السياسية بوضع حد للاحتكار، إذ تبين دراسة عن الاحتكار نفذها، منذ سنوات، الخبير الاقتصادي توفيق كسبار ومؤسسة البحوث والاستشارات لمصلحة وزارة الاقتصاد، بتمويل من الاتحاد الأوروبي، تمهيداً لوضع مشروع قانون المنافسة في لبنان، أن ثلثي الأسواق اللبنانية تتسم بطابع احتكاري واضح، وتستحوذ المؤسسات المحتكرة على أكثر من نصف المبيعات المحققة في لبنان عموماً... أي باختصار: لا وجود للمنافسة في لبنان إلا بين القوى السياسية التي تحمي المحتكرين وتغطيهم.
وهذا «الكارتيل» كان قد دفع بالأسعار إلى الارتفاع بين شباط الماضي ونيسان من السنة الجارية بنسبة 35 في المئة، بينما ارتفع السعر العالمي بنسبة 12 في المئة فقط، وفي الأسبوع الماضي رفع «الكارتيل» سعر طن الحديد بنسبة 20 في المئة من دون أي مبرر متصل بمؤشر الأسعار العالمية، فارتفع سعر مبيع الطن في لبنان إلى 850 دولاراً، وبذلك ارتفع الفارق في الأسعار بين سوريا ولبنان إلى 260 دولاراً.

تهريب الحديد!

وتعتقد مصادر مطلعة أن هذا الأمر يشجّع عمليات تهريب الحديد إلى لبنان، وخصوصاً أن كميات من الحديد التركي، لا بأس بها، تدخل إلى لبنان عبر سوريا. إلا أن الملاحظ أن مصادر استيراد الحديد المخصص للإنشاءات والبناء تكمن في أوكرانيا، تركيا ومصر. فالحجم ليس مانعاً للتهريب إلى لبنان، إذ إن حاويات بكاملها تدخل إلى لبنان من دون المرور على الجمارك، إلا أن الهدف من تهريب الحديد إلى لبنان ليس التهرّب من دفع قيمة الرسوم الجمركية، بل بسبب الفارق في الأسعار. فقد جرى خفض الرسم الجمركي في تموز 2007 من 15 في المئة إلى 5 في المئة، ولكن هذا الأمر لم يكن مساعداً في خفض السعر ولا في كلفة البناء، كما أنه لم يفتح المنافسة بين التجار.
وكان نقيب المهندسين بلال العلايلي قد قال في وقت سابق إن التجار الخمسة الذين يحتكرون السوق لا يمكن مواجهتهم، لأنهم مشتركون في هذا الأمر مع الشركات الخارجية التي بدورها تحتكر صناعة الحديد وتجارته في العالم، إذ إن حصة شركة «ميتال» الهندية من مجمل تجارة الحديد في العالم تبلغ 70 في المئة، وهذه الشركات تسيطر على الأسواق مع شركات محليّة في مختلف دول العالم.
تجدر الإشارة إلى أن مستوردات لبنان من الحديد ارتفعت في عامي 2006 و2007 بنسبة 25.2 في المئة، بسبب ورشة إعادة إعمار البنى التحتية والمباني السكنية التي دمرها العدوان الإسرائيلي في صيف 2006. فقد ارتفعت كميات الحديد المستوردة من 363 ألف طن إلى 486 ألف طن، فيما بلغت في أول تسعة أشهر من السنة الجارية 414 ألف طن.


7 مصانع

هو عدد مصانع الحديد في سوريا التي تستحوذ على كل السوق، علماً بأن بينها مصنعاً واحداً تابعاً للدولة وستة مملوكة من القطاع الخاص.


25 كيلو حديد

هي الكمية الأدنى التي يحتاج إليها كل متر بناء سكني من الحديد المجدول، وترتفع هذه الكمية بحسب نوع البنية، ولا سيما إذا كانت جسراً.


2 مليون طن

هي كمية الحديد الخاص بالبناء التي دخلت إلى لبنان في السنوات الأربع الأخيرة وأول 10 أشهر من
عام 2008.

«كارتيل» الحديد: بطاقة هوية


تقول مصادر مطلعة إن الشركات الخمس التي تحتكر سوق الحديد في لبنان هي: شركة «السفري» التي يملكها تاجر من آل الموسوي معروف بأنه تاجر كبير، ويسيطر على قسم كبير من تجارة البلاط أيضاً، شركة «دمكو» التي يملكها الوزير السابق آغوب دمرجيان، وهي الأكبر حجماً من حيث الاستحواذ على الاستيراد، شركة «بردويل»، شركة «طنوس ـــ فرنجية»، وشركة يملكها تاجر من آل «البعيني»