السنيورة يعطّل التعيينات لإخراج سلامة والحاكم لن يُحرجمحمد وهبة
وَقَعَ مصرف لبنان ضحيّة للصراع القديم بين رئيس الحكومة، فؤاد السنيورة، وحاكم مصرف لبنان، رياض سلامة. فالأول، بحسب سياسيّين مطّلعين، يستخدم كل الأدوات المتاحة لعرقلة تعيين أربعة نواب لحاكم مصرف لبنان، بهدف تعطيل المجلس المركزي فيه (وهو صاحب الصلاحية باتخاذ معظم القرارات النقدية الحسّاسة) لإحراج سلامة بهدف إخراجه قبل انتهاء مدة ولايته الباقي منها سنتان، وقد سوّق السنيورة الوزير السابق جهاد أزعور لمركز الحاكمية قبل أن ينتقل هذا المرشّح إلى قريطم التي باتت تسعى لمحاصرة السنيورة وإضعافه عشيّة الانتخابات النيابية.
هذه الفوضى التي أرساها السنيورة قابلها سلامة باستخفاف شديد، إذ يتردد أنه نجح مجدداً في حشد تأييد سياسي واسع لاستمراره في مهماته بعدما وضع استقالته «شفهياً» في عهدة رئيس الجمهورية، وبالتالي ازدادت قوّته قوّة، ولا سيما في ظل «المديح» الذي يناله الآن تحت عنوان «بقاء القطاع المصرفي بمنأى عن الأزمة العالمية» وهو، أي سلامة، لم (ولن!) يُحرج، ويقوم بـ«تسيير» أعمال «المركزي» بحرية واسعة، في ظل غياب النواب الأربعة الذين يؤلّفون الركن الأساس للمجلس المركزي، بحسب ما أفادت به مصادر مصرفية واسعة الاطّلاع.
العلاقة المتردية بين سلامة والسنيورة لم تكن وليدة ما بعد 30 تموز الماضي حين انتهت مدة ولاية النواب الأربعة (أحمد الجشي، مروان النصولي، مجيد جنبلاط، ألان باليان)، كما أنها لم تكن ناتجة من رغبة السنيورة بتغيير النصولي بسبب صلة القرابة مع النائب المغضوب عليه بهيج طبارة، بل هي تعود إلى تجاذبات عمرها سنوات، منذ التقى الطرفان في موقعين رسميين (سلامة لحاكمية مصرف لبنان، والسنيورة وزيراً للمال)، فبحسب أحد نواب الحاكم السابقين «كانت هناك مضايقات أسبوعية من السنيورة الذي لم يكن يردّ أيضاً على مراسلات المركزي». ويروي نائب مقرب من قريطم آنذاك، أن الرجلين لم يتعاونا إلا اضطرارياً على إيقاع «الحَكَم»، أي الرئيس رفيق الحريري، فالراحل كان «يدير الخلاف بينهما»، ولذلك فإن الأمور متفلّتة من عقالها بسبب غيابه.
إلا أن هذا التفلّت انسحب أيضاً على الطبقة السياسية المستهترة والمستخفّة بأهمية المجلس المركزي وبضرورة وجوده لتنظيم عمل القطاعات المالية والمصرفية، ولا سيما في ظل الأزمة المالية العالمية التي لا يمكن أن يكون لبنان بمنأى عن تداعياتها. فالمعنيون بالمحاصصة لم يبذلوا جهداً جدياً لتحييد «المركزي» كما فعلوا مع الجيش، بل تركوا السنيورة يذهب إلى أبعد الحدود في سعيه لدفع سلامة إلى الاستقالة، ظنّاً منهم أنهم بذلك يحكمون الطوق على سلامة نفسه بإنقاذه ودعمه... ولذلك لم تلق الصرخة التي أطلقها طبارة أيّ صدى سياسي.
وبحسب معلومات متداولة، يمارس بعض زعماء الطوائف لعبة إحراج متبادلة، فهم يربطون تعيينات نواب الحاكمية بتعيينات في مراكز مختلفة للفئة الأولى، فالسنيورة متمسك باعتماد آلية جديدة للتعيينات في مراكز الفئة الأولى. فهي تهدف إلى «إقصاء» بعض المرشحين وقوننة المحاصصة! لكن وزير المال محمد شطح أبلغ «الأخبار» أنه يميل حالياً إلى تعيينات من خارج هذه الآلية.
أما السنيورة، وبحسب تقاطع معلومات أدلى بها عدد من المصادر، فقد سعى باتجاه دفع النائب وليد جنبلاط إلى التخلي عن تمسكه بمجيد جنبلاط، لأن الرئيس نبيه برّي، في هذه الحالة، لن يتخلى عن أحمد الجشي، ما «يُحرج زعماء الطائفة السنيّة في تغيير مروان النصولي لوحده فقط، ولا سيما أن حزب الطاشناق أعطى السنيورة ثلاثة أسماء، بينها ألان باليان الذي كان يشغل مركز النائب الرابع، وذلك تحسّباً للتجديد»، علماً بأن السنيورة متمسكً بتعيين محمد البعاصيري أو عبد الحفيظ منصور. للمعقد السنّي.
من جهته، لم يتأثّر سلامة بغياب نواب الحاكم الأربعة، فقد «مدّته» الأزمة المالية العالمية بالقوة وبالجرأة ليستأنس بالفراغ، إذ يقول مصرفيون إنه «يسيّر» أعمال المصارف تحت «موافقة مبدئية طبقاً لقاعدة استمرارية المرفق العام». علماً بأن مصرف لبنان مؤسسة مستقلة وليس مرفقاً عاماً، وهذه القاعدة التي اتبعت في انتهاء مدة ولاية النواب الأربعة، وإلا كانوا استمرّوا بأداء مهماتهم إلى حين تعيين غيرهم.
وتفيد المراجعات مع قانونيين (أعضاء مجلس شورى الدولة وقضاة حاليين وسابقين)، بأن «الموافقات المبدئية» تشكّل خطراً على أي جهة تنفذ مضمونها، لأنها لا تحمل أي صفة قانونية ولا تخوّل حاملها القيام بأي إجراء تنفيذي. وبالتالي، فإن الجهة التي تمنحها تلتفّ على صلاحيات المجلس المركزي المنصوص عليها في قانون النقد والتسليف بما قد يشكل ضرراً بمصالح الشركات والقطاع المالي.
وأوضحت المراجع أن استعمال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لأيّ من صلاحيات المجلس المركزي، تحت أي شكل أو ذريعة، ولا سيما نظرية تسيير المرفق العام، هو أمر غير قانوني.
والمتداول في «المركزي» أن مدير الشؤون القانونية بيار كنعان المعروف بعلاقته القوية بسلامة، أفتى له بهذا الأمر شفيهاً وخطياً.
والمعروف أن كل ما هو غير إداري في «المركزي» يخضع للإقرار في المجلس المركزي الذي يتألف من حاكم مصرف لبنان ونوابه الأربعة والمديرين العامين لوزارتي المال والاقتصاد، ويحتاج إلى أربعة أعضاء ليكتمل نصابه القانوني. ولذلك فإن عدم وجود المجلس ينعكس على كل وظائف القطاع المالي من مصارف ومؤسسات مالية وشركات تأمين... ومن أبرز وأهم الأمور التي يتذاكر بها المجلس المركزي ويقرّ خطوات بشأنها: التغيير في بنية الاحتياط النقدي بالحجم وبنوع العملة وكل ما يتعلق بسياسة مصرف لبنان النقدية والتسليفية، تحديد معدلات الفوائد والحسم والتسليفات وكل التدابير المتعلقة بالمصارف، الإصدارات بمختلف أنواعها، القروض المدعومة، إدارة محفظة مصرف لبنان العقارية، التفرغ عن الأسهم، فتح فروع للمصارف في لبنان وخارجه، الترخيص بإنشاء صناديق استثمار، الترخيص للصرّافين، وضع صرّاف آلي، إعفاء المصارف من بعض التجاوزات...


8570 مليار ليرة

هي قيمة ديون الدولة التي يحملها مصرف لبنان من خلال سندات الخزينة بالليرة في نهاية تموز، في مقابل 22211 مليار ليرة تحملها مصارف لبنان و5774 ملياراًً يحملها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومؤسسات عامة وخاصة تحت بند مختلف


خسائر شخصية في الأسواق المالية