وائل عبد الفتاحيقولون في مصر إن اللاعب أبو تريكة هو صانع البهجة الوحيد. تتعلق سعادة المصريين بأقدام لاعب كرة القدم الأشهر الآن. يسرقونها في مقاعد المتفرجين. لكن حين يقرر المحرومون البحث عن الملذات في الملاعب الحقيقية، هنا تبدأ الحكايات المرعبة. رعب لا يخلو من سخرية

«رمز» الدولة في فخّ الحشيشلكن حكاية شعبان عبد الرحيم كانت أقوى من الحشيش نفسه. المغني عابر من طبقة تهرب من مطاردات ضباط الشرطة وتحتفظ وجوه أفرادها بعلامات تذكر بمغامرات عالم البحث عن موقع في الشارع ومكان في دنيا المتع والملذات.
طار شعبان من سجل المطاردين ومن مهنته القديمة «مكوجي رجل» (يستخدم نوعاً قديماً من المكواة يعتمد على قوة الساق والقدم في كي قطع الملابس)، وحط على مكان خاص في قمة المجتمع. أصبح بطلاً شعبياً، غنى ضد إسرائيل ومجّد عمرو موسى في أغنية عن الغرام بكاريزما تتصدى لعجرفة العدو.
أصبح، وهو «الخارج» عن الصورة الرسمية للدولة، أحد رموزها. تحشده الدولة في حملتها الرسمية لتوعية الجماهير من أنفلونزا الطيور، واختاره الداعية الشهير، عمرو خالد، على قائمة المشاركين في حملته ضد المخدرات. وقبل كل شيء، شارك شعبان عبد الرحيم في حملة الرئيس حسني مبارك الانتخابية عام ٢٠٠٥ بأغنية عن «مصر السعيدة في عهده».
شعبان واحد من صناع «بطاقات تذكارية» عن مصر أخرى تراها عبر سحابة دخان خفيفة ومزاج هارب من ثقل الحقيقة. الحشيش في مصر مثل «شعبولا» (الاسم الشعبي لشعبان)، عابر للطبقات. متعة ممنوعة قانوناً، لكنها تكاد تكون معلنة. إلا عندما تقرر الشرطة إعلان وجودها فتكشف عن ضبط كميات ضخمة من المخدر الأكثر شعبية.
تسميات الحشيش هي وعي مدفون في سرية المخدر، ومتطاير مع دخانه الأزرق ورائحته النفاذة الآسرة. الحشيش بالنسبة للشعب المصري كان «نعم الصديق لأنه خفف عن الناس المرارة التي يعيشونها في نهارهم، وكان بمثابة المسكّن للأوجاع في الليل». الرأي قاله نجيب محفوظ لرجاء النقاش في حوارات اعترف فيها محفوظ بأنه عرف الحشيش عن طريق أحد الأصدقاد القدامى. وفي ذلك الوقت كان تدخين الحشيش يتم بطريقة علنية في المقاهي. ويرى محفوظ أن الحشيش ارتبط بظاهرة ميزت الشعب المصري وهي النكتة.
الغريب أن الرئيس المصري السابق أنور السادات حينما أراد شتم الأديب الأشهر في مصر لم يجد غير وصف: «الحشاش». قالها السادات في خطاب علني. كان يقصد بها نجيب محفوظ المغضوب عليه بسبب بيان توفيق الحكيم (سنة ١٩٧٢ حين اعترض بعض المثقفين على حالة اللاحرب واللاسلم). السادات استغرب انضمام الرجل الوقور إلى شلة الشغب. لكنه استغراب على طريقته. بحث عن نزوة وغرام بالمزاج. رغم أن صورته (الرئيس) لدى الناس لم تكن غريبة على مناخ المزاج وأصحابه.
نجيب محفوظ لم يتصور أن السادات سيغضب من البيان. لكن الرئيس غضب وشتم وتصور أنه بالشتم يشوّه صورة الأديب عند شعب محافظ يدخن الحشيش في الليل ويلعن عشاقه في النهار.
قال السادات: «حتى الحشاش اللي اسمه نجيب محفوظ وقع معاهم». وعندما سمع محفوظ قال لمن روى له: «فليتكلم أي أحد آخر غير السادات عن مسألة الحشيش».
نجيب محفوظ لم يكن يكره السادات، بالعكس كان معجباً به. ولم يرد علانية على شتمه «الحشاش» إلا على لسان بطل روايته «يوم قتل الزعيم»، الذي قال: «السادات يلبس لبس هتلر ويتصرف مثل شارلي شابلن».
شعبان الآن يرقد في مستشفى نصف حكومي، عليه حراسة بعدما تحفظت عليه النيابة لأنه «تناول مخدرات» كما هو مثبت من التحاليل الطبية. كما أنه عند التفتيش عثر معه على قطعة حشيش (طولها 15 سنتيمتراً). شعبان لم يرد حتى الآن على الاتهامات. لكنه أصبح في مرمى الجهات الأمنية مرة أخرى متلبساً بالمخدر وشاعراً بالاضطهاد، وتسأل عائلته: من وشى بشعبان؟ ولماذا تفتشه الشرطة وهو مريض لاجئ لغرفة العناية المركزة؟ ابنه روى: «كان أبي يرتدي الكلسون (رداء داخلي طويل) وتي شيرت، أي لم يكن لديه جيوب؟».
من وشى بنجم الغناء والمسرح والسينما ورمز الرجل الشعبي؟ كيف تتخيل عائلته الواشي؟ هل هو ضحية تصوراته عن حصانته؟ أم ضحية انتقام مجهول المصدر؟ هل هو نجم في حالة تلبس تريد الشرطة أن تثبت بها أنها تطارد الممنوع؟ أم أن القصة كلها صدفة من صنع الدخان؟

«فياغرا» جماعيّة لثورة القطيع«عائلات فقط»، بهذه العبارة منع رجال الأمن دخول الشباب الفرادى إلى أشهر مركز تجاري في مدينة نصر في العيد. هذه كانت إجراءات وقائية من حفلات التحرش الجنسي، التي كانت حاضرة هذا العيد أيضاً
الشرطة المصرية الآن تفخر بحملات القبض على المتحرشين، بعدما ظلت تنكر وجودهم طويلاً. إنكار يعبر عن نرجسية الشرطة. كما أن إعلانها الآن عن موسم القبض على صبيان التحرش هو نرجسية من نوع جديد توجه فيه التهم إلى مجتمع منفلت. افتقد نخوة الدفاع عن شرف البنات. واصطيادها من «ثوار الجنس العشوائي» هو دليل إدانة على «أخلاقية» جهاز الأمن وترصّده للانفلات واستنفاره للدفاع عن الشرف.
الصحف في أيام العيد صوّرت مطاردات جماعية في الشوارع، والشرطة ألقت القبض على ١٣٧ «متحرشاً». أصبح العيد موسم انفجار جنسي، موعداً مع «ثورة» مؤقتة يتحرر فيها الشباب من الكبت بالفرجة والإشارة وربما اللمس.
أبطال الثورة الموسمية غالباً من سكان العشوائيات (الأرقام تقول إنهم ١٢ مليوناً). هؤلاء يعيشون من دون الحد الأدنى من الحياة: المسكن والمأكل والمشرب والأمان. كل هذا غير موجود. وغيابه يعني، كما يقول أساتذة علم النفس، أن الفرد لا ينتمي إلى وطن أو دين أو أي جماعة بشرية. ويركز كل مشاعره وحركة وعيه على إشباع ملذاته الغائبة.
الانفجار الجنسي علامة فوارة على المطالبة بالحق السياسي الضائع. الحق في حياة آمنة تضمن أبسط الحقوق الإنسانية. وهذه أحلام بعيدة في مجتمع تحكمه الأنانية المفرطة ويعيش في غيبوبة تشبه حلقات الذِّكْر.
في حفلات الذِّكْر يذوب المتصوف في ذات أعلى، وفي حفلات التحرش يعلن الهائج عن ذات غير موجودة، مسحوقة. لا تعرف من الجنس إلا الجوع. والجوع هنا يقابله إفراط في مستعمرات الرفاهية المغلقة على أصحابها، حيث تقام حفلات جنس جماعي أسطورية لكن بقوانين أخرى وطقوس ترتدي فيها الهمجية قفازات من حرير.
على مقهى شعبي كان المشهد غريباً، إذ استحوذ وجود فتاة على انتباه المارّة. لم يمر أحد إلا وأدار وجهه وجسده كاملاً. كانت مثل قنبلة مشتعلة يخاف الجميع من انفجارها في لحظة. ورغم أنها كانت ترتدي قميصاً عاديّاً من دون أكمام، إلا أن كل رجال المقهى انتابتهم حمى، كما لو كانت الفتاة تجلس عارية تماماً.
مزاج المقهى ليبرالي إلى حد ما. من الطبيعي بالنسبة للزبائن التقليديين حضور النساء حتى ساعات متأخرة من الليل. ما سرّ التوتر؟ إنها الجرأة. وجودها يتحدى استقرارهم على أن الأجساد الفاتنة تختفي تحت أطنان القماش. اتفاق غير معلن. هناك مناطق للملابس؛ منطقة لملابس تغطي الجسد، وأخرى لملابس لا تغطي شيئاً، ومنطقة للملابس الحرة.
المنطقة الأولى هي العمومية الآن. لكن تتحرر الفاتنات تحته، تبرز الأنوثة في موضة حديثة من الجينز أصبحت تتواءم مع الحجاب وربما النقاب. في المنطقة الثانية هناك قبول بالعري في المراقص وعلب الليل. وتبقى منطقة الملابس الحرة هي منطقة القلق، فهي جزر معزولة وفي أحياء راقية (مثل الزمالك أو مصر الجديدة أو مارينا). ترتدي فيها النساء ملابس خفيفة تمنح للمرأة حرية وشعوراً بالراحة.
المدهش أن هذه التقسيمة مربكة، ومن يتابع الشارع المصري الآن فلن يتعرف إلى العصر ولا إلى الناس. هناك أقصى موجات الحجاب والنقاب: من الحجاب السعودي إلى الأفغاني والإيراني والتركي ونقاب الجزيرة العربية. في المقابل هناك أحدث صيحات الموضة مستوردة من باريس وروما ونيويورك.
بين هذا وذاك لا مكان لملامح المرأة المصرية الآن. جسدها مخنوق في ملابس صممتها عقليات لم تفكر فيه. جسد محشور في ملابس لم يصنعها، استورد أذواقها وطريقة صنعها.
وفي مقابل هذه العشوائية، هناك عشوائية «التحرش الجماعي» أو «ثورة المقهورين» اجتماعياً. ثورة العشوائيات المعمارية والأخلاقية على المدينة التي تحتضر. وما حدث كان أقوى علامة على تحلل الدولة أو تفككها أو عدم قدرتها على السيطرة على ثورة رعاع قادمة من المحرومين من أبسط حقوقهم، وتحاول إشباع الملذات البعيدة عن متناول اليد بالقنص أو الاستيلاء. وطبعاً أسهل فريسة هو جسد المرأة.
أصبحت الحبة الزرقاء صديقة الرجل في الريف والمدينة. بها استمرت سلطة الرجل فى البيت. وأخرجته مؤقتاً من طابور الـ40 في المئة من المصابين بالعجز في مصر. وربما تكون أنقذته من الدخول في دائرة الدراويش أو المتطرفين. كلاهما محاولة للخروج من الأزمة مع متعة الدنيا إلى انتظار متع ما بعد الموت. وتعويض الهزيمة أمام نساء الدنيا بجائزة إلهية من حور العين؛ ملكات جمال وعذراوات دائمات. وحلم الجنة مرتبط أيضاً بانتصار الذكورة النهائي على الأنوثة المتوحشة المختفية تحت تلال من الأقمشة.
«الفياغرا» في مصر (وأرقام استهلاكها حسب بعض الإحصائيات تجاوزت 500 مليون جنيه) هي علامة على استهلاك معجزات الطب في العالم ووضعها في ماكينة جنس معطلة، من دون تغيير فى مفاهيم الجنس نفسه.
«الفياغرا» دليل على الرغبة في استمرار قوة الرجل الجنسية فقط. وهي رغبة تزداد معها هستيريا تغطية المرأة حتى في لحظات الاستمتاع بالماء والهواء. وهي علاقة تحتاج إلى تأمل من نوع خاص.
فالفياغرا تعبر عن رغبة في قوة الفرد. والحجاب ثم النقاب رغبة في أن تكون المرأة جزءاً من القطيع. هناك صراع خفي لبقاء قوة السلطة (الرجل)، التي تسعى إلى أن تكون فردية وخالدة ومعلنة بقوة.
وفي المقابل تُقهر المرأة ولا تحصل على اعتراف إلا عندما تشبه زميلاتها في القطيع. غير ذلك تصبح منبوذة، وشاردة عن القطيع، وتخرج عن الحماية لتكون فريسة لذئاب مكبوتة جائعة محرومة من حقها في اللحم العاري.
المرأة بدون حجاب أو نقاب عارية ومنتهكة. ليس لأنها غير متدينة، بل لأنها خارجة عن القطيع. اختارت، واختيارها خاص بجسدها، وهذه وحدها كارثة لا تقدر عليها حتى أقراص الفياغرا الجماعية.