حذاء منتظر الزيدي: استفتاء على «الاتفاقيّة»بغداد ــ زيد الزبيدي
صحا العراقيون، أمس، بمزاج مختلف عما اعتادوا أن يتملّكهم منذ فترة طويلة. فتعاطفهم الكبير مع منتظر الزيدي، جاء بمثابة استفتاء شعبي على الاتفاقية الأمنية، التي وقّعها الرئيس الأميركي جورج بوش، ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، في بغداد أول من أمس، وتعبيراً عن مدى كرههم للاحتلال.
واحتلّ الصحافي الشاب مرتبة الصدارة في حديث الشارع العراقي ودخل اسمه إلى كل منزل، منذ مساء الأحد، ولا يزال، وسيبقى طويلاً، ما دام هناك من هو مستعد لتشييد «نصب تذكاري» لحذائه الذي رشق به بوش، بينما ليس هناك من يخصص للرئيس الأميركي سوى «نصب من القاذورات»، بحسب تعبير الصحافي، طالب علي، زميل منتظر في كلية الإعلام، التي تخرج منها قبيل الاحتلال.
ويقول طالب: «عرفنا منتظر الشيوعي شخصاً مولعاً بالثقافة، وبميوله اليسارية، ما جعله يتخذ موقفاً معادياً للاحتلال منذ أيامه الأولى». ويستغرب طالب مواقف بعض الجهات «التي تدّعي الدفاع عن الحريات الصحافية»، في إشارة إلى موقف الصحافيين في كردستان العراق، وانتقادهم لما قام به الزيدي، على اعتبار أنه «سلوك غير لائق في التعامل مع ضيف». ويتساءل طالب: «متى وفي أي زمان كان الاحتلال ضيفاً؟».
ويكاد زملاء منتظر يجمعون على أنه لم يتصرّف بخشونة مع أحد. حتى عندما «اختُطف» من إحدى الجهات الطائفية، لمدة ثلاثة أيام في أواخر العام الماضي، لم يشأ التحدث عن تلك الجهة، وكيف اختطفته من داره في الباب الشرقي، ثم ألقت به قرب ساحة النهضة.
ويصف سلمان الزيدي، أحد أقارب منتظر، ما قام به قريبه بأنه كان «عملاً بطولياً»، ولا بد أنه فكر قبل القيام به، وأدرك أنه قد يُقتل على أيدي الحراس الأميركيين أو العراقيين. وما يخشاه زملاء منتظر ورفاقه اليوم، هو أنّ هؤلاء «قد يقومون بتصفيته حتى لو أطلق سراحه أو حكم بالسجن، لأن من يجلب العدو إلى داره لا يؤتمن له جانب».
ومن جانب أفراد عائلة منتظر، لم يكن الرأي مختلفاً في وصف تاريخية تصرف ابن العائلة. فمن منزله في شارع الرشيد في وسط بغداد، تحدّث شقيقه ضرغام، لوكالتي «فرانس برس» و«أسوشييتد برس»، كاشفاً عن أن «منتظر عصبي المزاج، وخصوصاً عند وقوع أعمال عنف ومقتل عراقيين، لكنه يهدأ بسرعة».
وفي ما يتعلق بالاحتلال، أكد ضرغام أن أسرته «تكره الاحتلال بكل أشكاله، ومنتظر يحمل الفكر ذاته، فهو يكره الأميركيين المحتلين ويرى أن بوش دمر العراق وقتل العراقيين». أما موقف منتظر من الدور الإيراني في بلاد الرافدين، فجزم شقيقه بأنه يصفه بـ«الاحتلال الأخلاقي الذي يمثّل الوجه الآخر لميدالية الاحتلال الأميركي».
وبدا منزل الصحافي متواضعاً، وقد وضع في غرفة نومه صورة للثائر الأرجنتيني أرنستو تشي غيفارا. ولا يبدو ضرغام بعيداً عن اقتناعات أخيه، بحيث سبق واعتُقل في كانون الثاني 2008 من جيش الاحتلال، واصفاً ما قام به شقيقه بأنه «بطولة أعادت لكل عراقي تعرض للإهانة من قوات الاحتلال، كرامته».
أما شقيقة منتظر، أم فراس، فلفتت إلى أن «منتظر كان يتمنى منذ زمن أن يضرب بوش بالحذاء، وفعلاً حقق ما كان يحلم به». ومن الطبيعي أن يتطوّع كل من عرف منتظر، للإدلاء بشهادته عنه، كل على هواه. فقد رأى زميله الكردي زنكو أحمد، أن منتظر «لم يتعلّم شيئاً من الدورات الصحافية التي تلقّاها في بيروت عن الموضوعية والحياد في الصحافة، وظلّ مسيّساً وغير موضوعي».
وفي منطقة السيدية في بغداد، فإن السيدة إنعام محسن السعد، التي وضعت طفلها البكر أمس، قرّرت أن تطلق على وليدها الأول اسم أسعد، قبل أن تغيّر رأيها عندما سمعت بما قام به الصحافي الشاب، وسمّت ابنها منتظر، «تثميناً لشهامة منتظر الزيدي ورجولته».
ويصل تضامن إنعام إلى حدّ أنها تتمنّى أن يصبح ولدها صحافياً، «وأن تكون له جرأة هذا الشاب وشجاعته، الذي مرغ بحذائه هيبة رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم، كما يقولون».
وتابعت السيدة العراقية: «لقد شعرت بالاشمئزاز من ذلك الشخص الذي كان إلى جانب بوش، ومد يده ليجعلها دريئة للمعتدي على بلادنا، في محاولة منه لصد الحذاء عن وجه بوش» في تلميح إلى تصرّف المالكي.
ولاحظ مراسل «الأخبار» في بغداد أن شركات الهاتف النقال كانت الأكثر ربحاً من الناحية المادية من الحادثة، حيث تبادل الناس الأحاديث عن «الحدث الأشهر والتاريخي»، وأجروا اتصالات مع معارفهم في الخارج، وأخذ كل واحد يخبر الآخر عما عرضته هذه القناة التلفزيونية أو تلك.
وبعد تعرّض منتظر للاعتداء في قاعة المؤتمر الصحافي على أيدي الحراس الأمنيين وأمام مرأى بوش والمالكي، تضاربت المعلومات عنه وعن مصيره، إذ ذكرت مصادر أمنية عراقية أنه موجود في معتقل داخل المنطقة الخضراء، بينما جزمت مصادر أخرى بأنه سُلِّم إلى الأميركيين.
وظهر موقف فريد على لسان النائب المستقل علي الصجري، الذي أعرب عن استعداده لشراء أحذية منتظر لقاء ربع مليون دولار. وأوضح أنه «إذا تمكّن من شرائها، سيعرضها في أحد المتاحف»، لكنه تساءل «عن مكان أحذية الزيدي التي لا يعرف من يحتفظ بها». ولم يفت النائب مناشدة المالكي إطلاق الزيدي، حاثّاً إياه على عدم تسليمه إلى الاحتلال.
وواكبت الأحزاب السياسية المعارضة للاحتلال، مزاج الشارع العراقي المتضامن مع ممثّلهم في إهانة بوش. فقد تظاهر الآلاف من أهالي بغداد والبصرة والنجف للتنديد بزيارة الرئيس الأميركي وللمطالبة بإطلاق سراح الزيدي. وحمل أتباع التيار الصدري، في خلال تظاهرتهم، لافتات كُتب عليها «أُخرج يا بوش، نطالب بإطلاق سراح منتظر الزيدي الذي عمل بمبدأ الديموقراطية ونطالب الحكومة العراقية بالحفاظ على حياة الزيدي الذي عبّر عن إرادة العراق بموقفه العظيم أمام كبير الشر بوش». وأوضح القيادي البارز في التيار الصدري، حازم الأعرجي، أن التيار «سوف يؤلف لجنة قانونية لمتابعة قضيته».