معاريف ــ عوفر شيلحمثلما يحدث في الميدان، الجدال في مسألة غزة هو الآخر أصبح دائرياً وعديم النفع. المقولات هي نفسها، وقلة بين مطلقيها قد يكونون مفاجئين في مواقفهم. وبطريقة تنسجم مع ما يحدث عندنا بعد حرب لبنان الثانية، من الصعب أيضاً الاعتماد على «المهنيين».
ضباط الجيش يملأون أفواههم بالماء علناً، وفي الأحاديث المغلقة موقفهم هو في الغالب «نصف قهوة ونصف شاي»: لا يمكننا أن نسمح للوضع بالاستمرار هكذا، ولكن خطوات متطرفة لن تؤدي إلا إلى زيادة الوضع سوءاً.
السياسيون، في المقابل، يتصرفون كأنهم مراقبو الدولة لا أصحاب القرار. منذ أشهر ونحن نسمع بأن رئيس الوزراء يعتقد، خلافاً لوزير الدفاع، أنه يجب العمل بقوة أكبر. ولكن كل مواطن يعرف أنه لو كان رئيس الوزراء يفكر هكذا حقاً، لكان قد فرض نقاشاً وعملاً.
الجدال دائري وعديم النفع، لأن هذه هي طبيعة القيادة في عهد الصمت هذا، ولأن المسألة نفسها معقدة جداً. المصلحة الإسرائيلية الأساسية، كما يتفق الجميع، هي أن يسقط حكم «حماس» في غزة. لأنه ما دام باقياً، فليس فقط فرص الهدوء الحقيقي في الجنوب ستكون طفيفة، بل إنّه لا معنى للاتصالات مع محمود عباس، الذي لا يمثل اليوم سوى قسم من الشعب الفلسطيني.
وهنا، نصل إلى قلب الفهم الإسرائيلي للجانب الآخر: الاعتقاد الأساس بأن العربي يُربّى بالضرب، وأنه هكذا فقط يتعلم ما هو جيد له. وبالمناسبة، هذه بالضبط صورة المرآة لما يعتقده الفلسطينيون عنّا.
«حماس» لم تصعد إلى السلطة لأن ايديولوجية دولة الشريعة الإسلامية والمعارضة المبدئية لكل تسوية سياسية اجتاحت الجمهور الفلسطيني. هذا حدث لأن الشعب الفلسطيني ملّ فساد «فتح»، وانعدام المعنى من الاتصالات السياسية جراء عدم تحسن مستوى الحياة والوضع الاقتصادي للمواطن البسيط. أي للأسباب نفسها التي من أجلها يتغير الحكم في إسرائيل، وفي الولايات المتحدة وفي كل مكان آخر.
وللأسباب نفسها، فإن «حماس» لن تسقط إذا ضربناها وصفينا قادتها أو ضربنا من دون تمييز السكان الغزاويين، بما في ذلك الخنق الاقتصادي للقطاع. من أجل أن نتخيل أثر هذه الأفعال، التي بعضها نفّذ بهذا القدر أو ذاك على أي حال، من المجدي أن نتصور ماذا كان سيحدث لو أن الإدارة الأميركية قررت أن تفرض على إسرائيل إغلاقاً اقتصادياً، كي تجبرنا على أن نغير الحكم أو ننسحب من المناطق: المجتمع الإسرائيلي المدلل، ذاك الذي كل هدفه هو تقدّمه الشخصي والرفاه الاقتصادي، كان سيتمرد ويشد الحزام في دائرة دفاعية وموقف صمودي. هذا ما تفعله القوة والعقاب من دون تمييز لجماعة مهددة من البشر.
من يُرد أن يسقط «حماس» يجب أن يعرض أملاً، لا أن يُحدث يأساً. الضغط الإسرائيلي هو أحد الأسباب التي لا تجعل «حماس» مطالبة بالحساب السياسي على وضع الغزاويين. بالضبط مثلما انتصر عندنا ارئيل شارون في انتخابات 2003، رغم العمليات والوضع الاقتصادي الخطير، لأن الجمهور رأى أن ياسر عرفات هو المذنب في كل شيء. هكذا أيضاً يوجد لـ «حماس» مذنب دائم: ذاك الذي يغلق القطاع، يوقف الكهرباء، لا ينقل الوقود ويقتل المواطنين بين الحين والآخر. من يعتقد أنه بالقوة سيسقط «حماس» فليتذكر أنه في المرات السابقة التي كان فيها اعتقادنا على هذا الشكل ماذا كانت النتيجة في النهاية.